جدل واسع في مصر حول ما يُسمّى بـ "عسكرة الأوقاف"، أي إدخال المؤسسة الدينية في إطار الأكاديمية العسكرية، وهو أمر أثار موجة من السخرية والانتقاد على منصات التواصل الاجتماعي.
ويبدو أن العسكرة أخذت خط سير متدرج يُرسم بعناية لربط المؤسسة الدينية المصرية بالمؤسسة العسكرية، عبر مراحل متتابعة، فالأول كان دورات لدعاة وزارة الأوقاف يُلحقون بها داخل الأكاديمية العسكرية المصرية بهدف معلن وهو صقل الجوانب العلمية والدينية واللغوية، وإعداد "علماء مستنيرين" وفق رؤية الدولة.
ومن ثم طرح السيسي منحهم درجة أكاديمية تتجاوز الدكتوراه فأعلن أن هذه الدورة تمتد لعامين، بمعدل دراسة يومي مكثف (10–12 ساعة)، وصفها بأنها تمنح درجة أكاديمية "أعلى من الدكتوراه"، أي بمثابة دكتوراه عسكرية/فكرية تمنح عبر الأكاديمية العسكرية، وليست من جامعة الأزهر أو مؤسسة دينية تقليدية.
وأعلن المتحدث العسكري تشكيل مجلس علمي برئاسة وزير الأوقاف، تابع للأكاديمية العسكرية يضم أعضاء من المؤسسة الدينية، بينهم المستشار الديني للسيسي ووزير أوقافه، لمناقشة الجوانب العلمية والدينية واللغوية للملتحقين.
وهو مجلس من شأنه معني بتُدخل المؤسسة الدينية في إطار عسكري رسمي، وتضعها تحت إشراف مباشر من القيادة السياسية والعسكرية.
ووصف متابعون المخططات المتتابعة لعسكرة المؤسسة الدينية، أي إخضاعها لهيمنة المؤسسة العسكرية، على غرار ما يحدث في أنظمة شديدة الانغلاق مثل كوريا الشمالية.
الجنون فنون
الحقوقي والسياسي أسامة رشدي قال إن الجنون فنون ونظام السيسي يصر على مزاحمة نظام كوريا الشمالية في عسكرة كل المؤسسات وآخرها المؤسسة الدينية!!!
وأضاف، "لم تعد الدكتوراه في الشريعة والعقيدة والحديث واللغة من جامعة الأزهر كافية.. هؤلاء المهاويس يخططون الآن لدراسات ما بعد الدكتوراه!! دورة اركان حرب في الأكاديمية العسكرية التي ستخرج (علماء) رتبة في العسكر. وكل شيخ عسكري سيضع رتبته على عمته!! فهذا الشيخ عقيد وهذا الشيخ عميد!!
وتابع: "وإذا استمرّ هذا العبث في مصر التي باتت بلاد العجائب.. فلا تتعجبوا من رؤية شيخ الأزهر برتبة لواء اركان حرب من خريجي دكاكين السيسي العسكرية، وهو الذي أتى بما لم يأت به الأوائل.".
وأكمل، "وربما يفاجئونا في الأكاديمية بتغيير تأمين المصلين خلف الإمام بعد قراءة الفاتحة .. فبدلا ما يقولوا .. آمييين .. ممكن يقولوا تمام يا فندم ..
وبدلا من رفع الأيدي عند التكبير.. ربما سيقررون اداء التحية العسكرية.. وقبل الصلاة بدلا من استقيموا يرحمكم الله.. ممكن الشيخ العسكور يدور المصلين صفا وانتباه… صلاة عسكرية لزوم الأكاديمية!!!
https://x.com/OsamaRushdi/status/2004981651625902445
والواقع أن الجهات المعنية بشئون الدعاة في مصر بالفعل تمتلك مراكز وأكاديميات متخصصة للتدريب والتأهيل، سواء عبر وزارة الأوقاف أو الأزهر الشريف، وكل منها له أهدافه ومجالاته:
ولدى وزارة الأوقاف أكاديمية الأوقاف الدولية (يناير 2019) التي أنشئت بقرار من وزير السيسي محمد مختار جمعة لرفع كفاءة الأئمة والواعظات في الداخل والخارج وتعتمد أساليب تعليم حديثة وتدريب متطور بحسب الوزارة.
وهناك (الإدارة العامة لمراكز التدريب) وهي مسئولة عن تطوير الكوادر البشرية (أئمة، وواعظات، وعاملين)، وتضع خططا تدريبية استراتيجية لمواجهة تحديات العصر، وتركز على نشر الفكر الوسطي ومكافحة التطرف، بحسب المراكز.
وللأزهر الشريف، أكاديمية الأزهر العالمية لتدريب الأئمة والوعاظ (أكتوبر 2018) وأنشئت بقرار من شيخ الأزهر، وتتبع مجمع البحوث الإسلامية، وتهدف إلى تأهيل العاملين في مجالات الوعظ، الإمامة والخطابة، الدعوة، وأمانة الفتوى، وتستهدف خريجي الكليات الشرعية والعربية بالأزهر الشريف، وتقدم برامج تدريبية متخصصة تجمع بين العلوم الشرعية والمهارات المعاصرة.
وتعتمد الأكاديميات والمراكز مأسسة التدريب الديني، بحيث لا يقتصر على الخبرة الفردية، بل يتم عبر برامج منظمة تجمع بين التأصيل الشرعي (الأزهر) والتأهيل المهني والإداري (وزارة الأوقاف) ثم التكامل مع مؤسسات أخرى مثل الأكاديمية العسكرية، التي تحاول إدماج البعد العلمي والديني في إطار وطني شامل.
ومن تعليق Aly Farag على فيسبوك يتناول ظاهرة "عسكرة مصر" منذ 2013، ويعدد مظاهرها في السياسة والاقتصاد والتعليم والدين.
وما يتعلق مباشرة بوزارة الأوقاف في هذا التعليق هو النقطة الخامسة يقول فيها: "يتم تزحلق المؤسسات العسكرية لتشمل نواحي دينية وعُمرانية .. منها ما أُعلن عنه بالأمس من تعاون مع الجيش ووزارة الأوقاف؛ وليس مفهومًا غرضه بالتمام."
وأوضح الكاتب أن المؤسسة الدينية (وزارة الأوقاف) دخلت ضمن نطاق التعاون مع المؤسسة العسكرية وأن هذا التعاون ظهر مؤخرًا في الإعلان عن برامج تدريبية للأئمة داخل الأكاديمية العسكرية المصرية، وتشكيل مجلس علمي برئاسة وزير الأوقاف تابع للأكاديمية.
وبالنسبة للكاتب، هذا يُعتبر جزءًا من "عسكرة الأوقاف"، أي إدخالها في منظومة عسكرية بدلًا من أن تبقى مؤسسة دينية مستقلة.
تعيينات الأوقاف
ويبدو أن التأهيل العسكري عطل تعيين كثير من خريجي أصول الدين والدعوة، وهو ما اتضح في تعليق للشيخ العامل بالأوقاف (محمد إبراهيم العشماوي) على مسابقة وزارة الأوقاف، يوضح أن المشكلة لم تكن في الامتحانات العلمية أو الكفاءة، إذ إن معظم المتقدمين نجحوا في الاختبارات وحفظهم وفهمهم لم يكن محل خلاف. العقبة الحقيقية ظهرت لاحقًا في الكشف الطبي والنفسي داخل الأكاديمية العسكرية المصرية، حيث فُرضت شروط لم تُعلن بوضوح منذ البداية، مثل الوزن، وضغط الدم، أو وجود أنيميا، وهي أمور لا ترتبط مباشرة بمهام الإمام والخطيب.
وأشار إلى أن المفارقة أن أحدًا لم يُستبعد بسبب أسئلة الهيئة أو ضعف علمي، بل بسبب معايير جسدية، وكأن الإمام مطلوب منه أن يكون جنديًا لا داعية. هذا التناقض أثار استغراب المتقدمين، خاصة أن الوزارة تعلن حاجتها لأعداد كبيرة، ومع ذلك تستبعد الناجحين لأسباب كان يمكن توضيحها مسبقًا.
وشدد العشماوي على أن الاعتراض ليس على النظام أو القوانين، بل على غياب الشفافية، إذ لا يعقل أن يتعب المتسابق سنوات في التحصيل العلمي ثم يُرفض بسبب شرط لم يُذكر. النتيجة أن كثيرين شعروا أن جهدهم بلا قيمة، وأن العلم أصبح أقل وزنًا من الميزان نفسه. المطالب الآن ليست استثناءات أو مجاملات، بل مجرد عدل ووضوح، بحيث يُحاسب المتقدم في مسابقة دعوية على عقله ولسانه، لا على جسده.
https://www.facebook.com/photo?fbid=4187358771506562&set=a.1410506489191818
