بقلم / أدهم حسانين
الجمهورية العسكرية الثانية- تشريح نظام غير مسبوق
لم يُسقط السيسي في العام 2013، الرئيس الشهيد الدكتور محمد مرسى فقط، بل أطاح بمشروع الدولة المدنية ذاتها، واستبدلها بنموذج لا مثيل له في التاريخ العربي الحديث: لم يعد الجيش جزءا من الدولة، بل أصبحت الدولة جزءا من مشروع الجيش الاقتصادي والأمني.
اليوم نقف أمام جمهورية عسكرية ثانية تختلف جذريا عن النموذج الناصري، فهي تجمع بين الاحتكار الكامل للعنف، والاحتكار الكامل للاقتصاد الوطني، الاحتكار الكامل للخطاب السياسي، والاحتكار الكامل للحق في الحياة والموت.
هذا التشريح يكشف كيف بُنيت هذه الآلة، ولماذا بدأت تأكل نفسها، ولماذا تقترب لحظة الانفجار أسرع مما يتصور الكثيرون.
الفصل الأول: من الانقلاب إلى الاستيلاء الكامل
1.1- خارطة الطريق: السطو المؤسسي المنظم
ظهر علينا السيسي في مساء 3 تموز/ يوليو 2013، على الشاشات معلنا عن خطة الانقلاب العسكري عبر "خارطة طريق" التي تضمنت تعليق الدستور وحل مجلس الشورى، لكن ما لم يُعلن أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة كان قد وقّع ليلا على بروتوكول سري يمنح الجيش صلاحيات:
– تعيين وزير الدفاع دون الرجوع للرئيس.
– إعلان الحرب والسلم دون موافقة البرلمان.
– تخصيص أي أرض أو مرفق عام لصالح الجيش.
– سيطرة على جهاز الشرطة عبر المخابرات الحربية في الحالات "الاستثنائية".
كانت "خارطة الطريق" غطاء لانقلاب مزدوج: الأول على الرئيس المنتخب محمد مرسي، والثاني على أي احتمال لعودة المدنيين للحكم.
1.2- مذبحة رابعة: الرسالة التأسيسية للإرهاب الرسمي
اقتحمت قوات الجيش والشرطة في 14 آب/ أغسطس 2013 اعتصام رابعة العدوية باستخدام الرصاص الحي والقناصة والبلدوزرات. سقط أكثر من ألف قتيل في يوم واحد حسب "هيومن رايتس ووتش"، التي وصفتها بأنه "أكبر مجزرة بحق مدنيين في العالم العربي منذ حماة 1982". وهذا يعد 10 في المئة من الحقيقة غير المعلنة.
لكن الأهم كان الرسالة السياسية: "أي محاولة للاعتصام السياسي ستُسحق، بغض النظر عن الانتماء". تحولت المجزرة من أداة تصفية للإخوان إلى رمز لإرهاب الدولة الذي يطوّع الجميع: إعلاميين، قضاة، رجال أعمال، وحتى ثوار 2011 أنفسهم.
الفصل الثاني: اقتصاد الظل العسكري
2.1- الإمبراطورية الاقتصادية غير المرئية
أنشأ السيسي شبكة معقدة من الهيئات العسكرية الاقتصادية تشمل:
– الهيئة الوطنية للإنتاج الحربي وضم إليها الهيئة العربية للتصنيع، جهاز الخدمة الوطنية، الهيئة الهندسية للقوات المسلحة.
تملك هذه الكيانات أكثر من 230 شركة تعمل في إنتاج الأسمنت والحديد والأسمدة، إدارة الموانئ والمطارات، امتلاك سلاسل مطاعم وسوبر ماركت (كارفور، وفوري)، تشغيل محطات الكهرباء وتحلية المياه، تصنيع الأدوية والمستلزمات الطبية.
اللافت أن هذه الشركات تُعفي من الضرائب والجمارك بموجب قانون الإنتاج الحربي 1980، ولا تخضع لقانون العمل المدني، وتحصل على الأراضي بالمجان بقرار رئاسي، وتلتزم بإفصاح صفري بحجة "السرية الحربية".
يقدّر صندوق النقد الدولي أن الجيش يتحكم في 40-60 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، لكنه لا يُدرج إلا بنسبة 5 في المئة في الموازنة العامة. هناك 35-55 في المئة من الاقتصاد يعمل في الظل، بعيدا عن الرقابة البرلمانية والمنافسة الحرة.
2.2- الدائرة المغلقة: الجيش مقاولا ودائنا ومدينا
كُلفت الهيئة الهندسية ببناء قناة السويس الجديدة بتكلفة 8 مليارات دولار دون مناقصة، ثم تلتها العاصمة الإدارية الجديدة (58 مليار دولار)، العلمين الجديدة (20 مليار دولار)، المنصورة الجديدة، محطة الضبعة النووية (الجيش شريك بـ20 في المئة).
المفارقة: الجيش يُكلّف بالتنفيذ ثم التشغيل، ثم يُعفي من الرسوم، بينما تتحمل الخزانة العامة التكاليف.
اشترى بنكا الاهلي ومصر المملوكان للجيش بالوكالة في 2020؛ 40 في المئة من سندات الخزانة بقيمة 60 مليار جنيه. النتيجة: الجيش يُقرض الحكومة المال العام لتنفقه على مشاريع ينفذها الجيش نفسه، ثم تُسدّد الحكومة القرض من ضرائب المواطنين.

