أثارت تصريحات وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، موجة واسعة من الجدل والسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما زعم أن بعض نزلاء ما تسميه السلطات «مراكز التأهيل والإصلاح» يرفضون مغادرتها عقب انتهاء مدة أحكامهم، معتبراً ذلك «دليلاً على تطور المنظومة العقابية» في البلاد.
وجاءت تصريحات عبد العاطي خلال لقائه أعضاء بمجلس الشيوخ، على هامش اجتماع إحدى لجانه الخميس الماضي ، حيث قال إن «الدولة المصرية هدمت 41 سجناً، وأقامت بدلاً منها مراكز للتأهيل والإصلاح، في إطار تطوير منظومة السجون بما يتماشى مع الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان».
وأضاف الوزير أن عدداً من سفراء الدول الأجنبية زاروا تلك المراكز، بتوجيهات مباشرة من المنقلب عبد الفتاح السيسي، للاطلاع على ما وصفه بـ«التجربة المصرية في ملف حقوق الإنسان»، مشيراً إلى ما اعتبره «إشادات دولية بمستوى الرعاية الصحية والغذائية المتكاملة وغير المسبوقة» داخل هذه المراكز.
وتابع عبد العاطي: «هناك حالات لنزلاء انتهت مدة أحكامهم ورفضوا مغادرة مراكز التأهيل، وهو ما يعكس التطور الكبير في أسلوب التعامل مع هذا الملف»، بحسب تعبيره.
سخرية وغضب على مواقع التواصل
هذه التصريحات قوبلت بحالة من السخرية والاستياء الواسع على منصات التواصل الاجتماعي، حيث رأى نشطاء أنها تعكس انفصالاً كاملاً عن واقع السجون المصرية، متسائلين عن كيفية التوفيق بين هذا الخطاب الرسمي وبين التقارير الحقوقية المتتالية التي توثق وفيات وانتهاكات جسيمة داخل أماكن الاحتجاز. وذهب بعضهم إلى المطالبة، بسخرية لاذعة، بأن يكون صاحب هذه التصريحات أول من «يخوض التجربة» التي يصفها.
تقارير حقوقية تناقض الرواية الرسمية
وتأتي تصريحات وزير الخارجية في وقت تتصاعد فيه الانتقادات الحقوقية لأوضاع السجون في مصر. إذ وثّقت منظمة «هيومن رايتس إيجيبت» وفاة 54 معتقلاً خلال عام 2025، نتيجة الإهمال الطبي المتعمد أو التعذيب، في استمرار لما وصفته بـ«نزيف الأرواح داخل مقار الاحتجاز».
وبحسب المنظمة، بدأت حصيلة العام في يناير/كانون الثاني بخمس حالات وفاة، أربع منها بسبب الإهمال الطبي، وواحدة نتيجة التعذيب، فيما سُجلت حالتا وفاة إضافيتين حتى منتصف ديسمبر/كانون الأول الحالي، وكلتاهما بسبب الحرمان من الرعاية الطبية.
رد حقوقي: دعاية بلا مساءلة
تعقيباً على تصريحات عبد العاطي، قالت منظمة «عدالة لحقوق الإنسان» إن حديث الوزير «يندرج في إطار محاولة تقديم صورة دعائية مصطنعة عن أوضاع السجون، بدلاً من التعامل الجاد مع جوهر الانتقادات المتعلقة بانتهاكات الحق في الحياة والكرامة الإنسانية».
وأكدت المنظمة أن الانتقادات الحقوقية لا تتعلق بـ«شكل المنشآت» أو مستوى الخدمات المعلن، بل بوقائع موثقة عن وفيات داخل أماكن الاحتجاز بسبب التعذيب، أو الحرمان من العلاج، أو التأخير المتعمد في نقل المحتجزين إلى المستشفيات، وهي ملفات لم يتطرق إليها الوزير، ولم يعلن أي التزام بفتح تحقيقات مستقلة بشأنها.
وأضافت «عدالة» أن السجون المصرية شهدت خلال السنوات الماضية حالات وفاة متعددة بسبب منع العلاج، إلى جانب ظروف احتجاز غير إنسانية تشمل الاكتظاظ الشديد، وسوء التهوية، وغياب الحد الأدنى من المعايير الصحية، واستخدام الإهمال الطبي كأداة ضغط على المعتقلين السياسيين، في انتهاك صريح للمواثيق الدولية، وعلى رأسها «قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء».
وشددت المنظمة على أن إدارة ملف السجون عبر خطاب دعائي لا تنهي الأزمة، وأن المطلوب هو فتح تحقيقات شفافة ومستقلة، ومحاسبة المسئولين عن وقائع التعذيب والوفيات، بدلاً من تسويق ما وصفته بـ«سردية رسمية منفصلة عن الواقع».

