الكلاب الضالة تحولت إلى خطر يومى يهدد المصريين فى الشوارع، فى ظل فشل حكومة الانقلاب فى مواجهة هذه القضية كما هو الحال فى كل القضايا الآخرى.. فالتجاهل وفساد المحليات وغياب الدفاع المدنى هى الأساليب المعتادة فى التعامل مع شكاوى المواطنين رغم اعتراف هذه الحكومة بتزايد أعداد كلاب الشوارع لتتراوح بين 10 و11 مليون كلب.
ومع تزايد حوادث العقر ومشاهد القلق التى ترافق خروج الأطفال وكبار السن إلى الشارع، يتساءل المواطنون من يحمينا من هذا الخطر ؟.
كانت محافظات الجمهورية قد شهدت حوادث مؤلمة آخرها وفاة مسن بمدينة بور سعيد متأثراً بجراحه بعد أن عقرته كلاب ضالة فى الشارع حينما كان عائداً لمنزله.
وقبلها بأيام توفى طالب بالفرقة الثالثة بكلية التجارة بجامعة مدينة السادات ، بعد صراع استمر قرابة ثلاثة أشهر بسبب مضاعفات عضة كلب، دخل الشاب فى غيبوبة طويلة قبل أن يفارق الحياة، ليسود قرية طليا التابعة لمركز أشمون محافظة المنوفية مسقط رأس الشاب حالة من الحزن العام، وكان الشاب قد تعرض للعقر أثناء وجوده فى الحقول القريبة من منزله .
رعب الكلاب
فى هذا السياق قالت أم محمد 67 عاماً: بقينا نخاف نطلع بدرى أو نرجع متأخر الكلاب بتمشى فى مجموعات، وصوت نباحها يرعبنا اشتكينا كثيراً ومفيش حل واضح.
وأكد عم حسن 72 عاما أن موضوع الكلاب مبقاش بالليل بس.. حتى الصبح حوالين القمامة ..الوضع خطر إحنا كبار ومش قادرين نجرى ولا نواجه.
وأشار طفل بالمرحلة الإعدادية إلى أحد المواقف التى تعرض لها قائلاً: كلب جرى ورايا وأنا رايح المدرسة وعضنى أخذت المصل بس لحد دلوقتى بخاف أنزل الشارع لوحدى.
وقالت أم لطفل تعرض للعقر : ابنى بقى يخاف من الشارع، وكل ما يشوف كلب يعيط ويتوتر مش مجرد عضة وخلاص.
برامج علمية
من جانبه أكد الدكتور إسلام السقا، أخصائى طب وجراحة الحيوانات الأليفة بجامعة القاهرة، إن أزمة الكلاب الضالة ليست مجرد ملف أمنى أو خدمى، بل قضية صحية ومجتمعية مرتبطة بالتوازن البيئى ومنع انتشار الأمراض.
وقال السقا فى تصريحات صحفية إن الكلاب الضالة يمكن أن تتحول من عبء صحى إلى قيمة مجتمعية، ليس من خلال الربح المباشر، وإنما عبر تقليل حوادث العقر والحد من انتشار الأمراض، وهو ما لا يتحقق إلا بتطبيق برامج علمية منتظمة للتطعيم ضد السعار، والتعقيم والسيطرة على التكاثر تحت إشراف بيطرى كامل.
وأضاف أن فكرة تصدير الكلاب الضالة لا تمثل حلاً جذرياً للمشكلة، ولا يمكن التعامل معها بمعزل عن التأهيل الصحى والالتزام بالضوابط الدولية، مؤكداً أن أى تصدير يتطلب ضمان خلو الحيوانات من الأمراض، وعلى رأسها السعار، قبل السماح بسفرها، وإلا فإن الإجراء قد يخلق مخاطر صحية عابرة للحدود.
وأشار السقا إلى أن تفاقم الظاهرة يعود إلى عدة أسباب مجتمعة، من بينها غياب برامج التعقيم والتطعيم المنتظمة، والتخلى عن الكلاب الأليفة بعد تقدمها فى العمر أو إصابتها بالمرض، وضعف تطبيق القوانين المنظمة لحيازة الحيوانات، إلى جانب انتشار القمامة المكشوفة التى توفر مصدر غذاء دائماً لهذه الحيوانات وتساعد على تكاثرها وبقائها داخل الكتل السكنية.
تكليف الأطباء البيطريين
وكشف أن نقص الملاجئ والمراكز البيطرية الحكومية وغياب تكليف الأطباء البيطريين منذ عام 1994 أدى إلى تراجع الدور البيطرى فى السيطرة على الظاهرة، مؤكداً أن غياب الحلول المؤسسية فتح الباب لطرق خاطئة فى التعامل مع الكلاب مثل القتل العشوائى والتسميم، وهى ممارسات غير إنسانية وغير علمية، كما أنها لا تحل المشكلة بسبب ما يعرف بتأثير «الفراغ البيئى»، حيث تهاجر كلاب أخرى إلى نفس المناطق وتعيد إنتاج المشكلة من جديد.
وشدد السقا على أن الحل العلمى يكمن فى حزمة متكاملة تشمل: التعقيم للحد من التكاثر، التطعيم المنتظم ضد السعار، إنشاء ملاجئ ومراكز إيواء ورعاية منظمة، إلى جانب نشر الوعى المجتمعى بأهمية التعامل الإنسانى مع الحيوانات وعدم التخلى عن الكلاب الأليفة فى الشوارع.
وأكد ان تحقيق التوازن بين أمان المواطنين وحقوق الحيوان ممكن وواقعى، ولكنه مرهون بالعلم والتنسيق بين الوزارات والمجتمع المدنى، بعيداً عن الحلول العشوائية التى تحول المشكلة إلى أزمة أكبر بدلاً من إنهائها.
سياسات خاطئة
وقال عمرو محمد، أحد مؤسسى مبادرات الرفق بالحيوان فى مصر إن زيادة أعداد الكلاب فى الشوارع ليست نتيجة طبيعية، وإنما حصيلة لسياسات خاطئة فى التعامل مع الملف، وفى مقدمتها الاعتماد على التسميم والقتل العشوائى، وهى وسائل لم تكن حلاً ولن تكون، لأنها لا تعالج جذور المشكلة ولا تمنع تكاثر الكلاب مرة أخرى.
وطالب محمد فى تصريحات صحفية بالتعامل مع الظاهرة بوسائل علمية تتمثل فى برامج التعقيم والتطعيم، خاصة تعقيم الإناث، ما يؤدى إلى خفض معدلات التكاثر تدريجياً .
وأكد أن التوسع فى حملات التعقيم والتطعيم سينعكس بصورة مباشرة على أعداد الكلاب وسلوكها، وسيجعل السيطرة عليها أكثر سهولة كلما زادت تغطية هذه الحملات جغرافياً.
وانتقد محمد رفض حكومة الانقلاب لإتاحة الفرصة للمجتمع المدنى للتعاون الفعلى على الأرض مؤكدا أن التعاون غالباً يظل فى إطار الكلام فقط، أما التنفيذ فيتوقف سريعاً ولا يستمر بصورة مستدامة، رغم جاهزية المبادرات والمتطوعين للمشاركة فى الحل.
التنسيق المؤسسى
وأوضح أن الوصول إلى صيغة تضمن أمان المواطنين مع الحفاظ على حقوق الحيوان يتطلب مسارين متوازيين؛ الأول يتعلق برفع وعى المواطنين بكيفية التعامل مع الكلاب فى الشارع، وتعليم الأطفال والكبار طرق التصرف الآمن عند مواجهة كلب شرس، لافتاً إلى أن السلوكيات الخاطئة للبشر كثيراً ما تكون سبباً مباشراً فى عدوانية الحيوانات
وأشار إلى أن المسار الثانى يتمثل فى التطبيق الفعلى والمنتظم لحملات التعقيم والتطعيم، مؤكداً أن الطريق إلى حل الأزمة ليس فى الرصاص أو السم، وإنما فى العلم، والوعى، والتنسيق المؤسسى بين حكومة الانقلاب والمجتمع المدنى، بما يضمن حماية الإنسان والحيوان معاً .
