أعلنت ثلاث منظمات حقوقية محلية ، وفاة المعتقل السياسي إبراهيم أحمد عبد الرحمن، المعروف بلقب "أبو تسبيح"، داخل سجن جمصة شديد الحراسة، في واقعة أعادت فتح ملف الإهمال والقتل الطبي داخل السجون المصرية. وبحسب المنظمات، فإن عبد الرحمن، الذي تجاوز الستين من العمر وينحدر من قرية سرابيوم بمحافظة الإسماعيلية، تدهورت حالته الصحية بشكل حاد خلال الشهرين الأخيرين إثر إصابته بانسداد في المرارة تطورت مضاعفاته لاحقاً إلى اكتشاف ورم سرطاني. ورغم تفاقم وضعه، لم يحصل على الرعاية الطبية المناسبة داخل محبسه إلا في مرحلة متأخرة، قبل أن يُنقل إلى مستشفى المنصورة حيث وافته المنية.
وقالت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان إن الراحل كان محكوماً عليه بالسجن لمدة خمسة عشر عاماً في القضية رقم 2561 لسنة 2013 إداري قسم ثالث الإسماعيلية، المعروفة إعلامياً بـ"حريق مجمع المحاكم". وكان عبد الرحمن قد اعتُقل منذ عام 2014، في قضية تصنفها المنظمات الحقوقية ضمن القضايا ذات الطابع السياسي التي طاولت عشرات المتهمين منذ أحداث ما بعد 2013.
وحملت منظمة عدالة لحقوق الإنسان السلطات المصرية المسئولية الكاملة عن وفاته، مؤكدة أن ما جرى يعكس نمطاً متكرراً من الإهمال الطبي الممنهج داخل أماكن الاحتجاز، حيث يُحرم السجناء المرضى من الفحوص والعلاج في المراحل المبكرة، ما يؤدي إلى تفاقم أوضاعهم الصحية ووصولها إلى مراحل لا يمكن تداركها. أما مركز الشهاب لحقوق الإنسان، فقد اعتبر أن وفاة عبد الرحمن تمثل دليلاً إضافياً على حرمان المعتقلين من حقهم في الوصول إلى الرعاية الصحية المناسبة، مطالباً بفتح تحقيق مستقل وشفاف في ملابسات وفاته ومحاسبة المسؤولين عن الإهمال الذي تعرّض له.
وتشير تقارير حقوقية دولية ومحلية إلى تصاعد لافت في عدد الوفيات داخل السجون المصرية خلال السنوات العشر الماضية، خصوصاً بين السجناء السياسيين وكبار السن وذوي الأمراض المزمنة. ووفق ما وثقته منظمات مثل "هيومن رايتس ووتش" و"العفو الدولية"، بالإضافة إلى مراكز حقوقية مصرية، فإن تدهور أوضاع الاحتجاز وسوء الخدمات الصحية يشكلان العاملين الأكثر إسهاماً في هذه الوفيات.
وتؤكد هذه التقارير أن تأخير تقديم العلاج، وحرمان السجناء من الأدوية الأساسية، وغياب الأطباء المتخصصين، والاعتماد على مسكنات بسيطة بدلاً من التشخيص السليم، إلى جانب الزحام الشديد وسوء التهوية والنظافة، كلها عوامل تسهم في تدهور صحة السجناء بصورة خطيرة.
وتنفي السلطات المصرية بصورة متكررة ما تصفه بـ"مزاعم الإهمال الطبي"، وتؤكد أن السجون تقدّم الرعاية الصحية وفقاً للمعايير، إلا أن شهادات السجناء وذويهم وتقارير المنظمات المستقلة تكشف، بحسب الحقوقيين، عن فجوة واسعة بين الرواية الرسمية والواقع الفعلي داخل السجون. وتلفت هذه المنظمات إلى أن رفض طلبات الإفراج الصحي، ومنع الأطباء المتخصصين من فحص السجناء، والتأخر في نقل المرضى إلى المستشفيات الخارجية، باتت ممارسات شائعة تترجم عملياً إلى فقدان أرواح كان بالإمكان إنقاذها لو حصلت على الرعاية في الوقت المناسب.
وبوفاة إبراهيم عبد الرحمن، تُضاف حالة جديدة إلى سلسلة وفيات سبق أن حذّرت المنظمات الحقوقية من تحولها إلى "ظاهرة مستمرة" ترتبط مباشرة بظروف الاحتجاز القاسية وغياب الرقابة المستقلة على السجون. وتعيد هذه الواقعة المطالبات الحقوقية بفتح ملف الرعاية الصحية داخل السجون المصرية، وإجراء مراجعة شاملة لسياسات الاحتجاز، وإعمال آليات الإفراج الصحي للسجناء المصابين بأمراض مزمنة أو خطيرة، التزاماً بالمعايير الدولية، وفي مقدمتها قواعد نيلسون مانديلا النموذجية لمعاملة السجناء.
