بعد رفض استشكال تقسيم الدوائر “الانتخابية”.. مراقبون: إصرار على التلاعب في مناخ عام مفصَّل للسلطة

- ‎فيتقارير

 

أجمع مراقبون على أن المشكلة لا تكمن في قانون تقسيم الدوائر الانتخابية فحسب، بل في غياب حرية الإعلام، وانعدام بيئة سياسية آمنة، فضلًا عن انحياز أجهزة الدولة لطرف دون آخر، وعدم وقوفها على مسافة واحدة من الجميع.

وجاء هذا الرأي من أطراف "معارضة" في الداخل، يُسمح لها بهامش محدود من الحركة، مشيرين إلى أنه حتى في حال كانت القوانين جيدة أحيانًا، فإنها لا تُنفذ، وهناك قضايا كسبها مرشحون لكن لم تُنفذ أحكامها.

ورفضت المحكمة الإدارية العليا استشكالًا قدمه نشطاء وسياسيون للطعن في قانون تقسيم الدوائر الانتخابية لعام 2025، بحجة مخالفته للدستور وانتهاكه لمبدأ المساواة.

واستند الطعن إلى أن بعض الدوائر تضم عددًا ضخمًا من الناخبين (يصل إلى مليون ناخب)، في حين لا يتجاوز عدد الناخبين في دوائر أخرى 200 ألف، مما يُضعف تأثير صوت الناخب ويُرهق المرشح في الدوائر الكبرى.

وأكد مقدمو الطعن أن تقديمه واجب أخلاقي وسياسي، حتى لو لم يُقبل، لأنه يفضح التلاعب ويُسجل موقفًا تاريخيًا.

وقال المعارض في حزب التجمع اليساري، زهدي الشامي (Zohdy Alshamy)، إن الطعن على قانون تقسيم الدوائر كان جزءًا من الترشح نفسه، رغم الانسحاب تضامنًا مع زملاء تم استبعادهم بشكل جائر.

وأضاف أن الصفة والمصلحة القانونية للطعن لا تقتصر على المرشح، بل تشمل أي مواطن مقيد في جداول الناخبين، وفقًا للدستور وحكم المحكمة الدستورية لعام 2015.

وأشار إلى أن البيئة التشريعية والقضائية الحالية تُصعّب الدفاع عن الحقوق، خاصة بعد تعديلات 2019 التي زادت من تدخل السلطة التنفيذية في القضاء. وأضاف أن إجراءات رفع الدعوى شابها تعقيد بيروقراطي، حيث تم رفضها أولًا بدعوى عدم الاختصاص، ثم أُعيدت إلى الإدارية العليا بعد دوامة إجرائية.

وأوضح أن الدعوى التي قدمها طاعنون من عدة أحزاب "معارضة" قُيدت تحت بند "فحص" وليس "موضوع"، ثم رُفضت شكليًا بسبب التأخر في الميعاد، رغم أن التأخير كان نتيجة غياب المسار القانوني المباشر للطعن.

وأشار إلى أن الطعن استند إلى خلل واضح في توزيع الدوائر، مثل دمج بندر دمنهور مع مركز دمنهور رغم العدد الكبير من الناخبين، ووجود دوائر صغيرة بنائب واحد مقابل دوائر عملاقة بثلاثة أو أربعة نواب، معتبرًا أن ذلك يضرب مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص، ويخالف حكم المحكمة الدستورية والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.

وكشف أن الطعن لم يُناقش موضوعيًا، بل رُفض شكليًا، مما يعكس ضعف المسار القضائي في مواجهة التلاعب التشريعي.

رابط المنشور

 

تحفظات قانونية

في سياق آخر، أبدى الدكتور طارق خضر، أستاذ النظم السياسية والقانون الدستوري، تحفظه خلال ندوة "تحيا مصر" التي تناولت قضايا الانتخابات والتمثيل النيابي والمحليات، على الانتداب القضائي للإشراف على الانتخابات، خشية شبهة عدم الدستورية، ورأى أن النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة يمكن أن تكونا بديلًا مناسبًا.

واعتبر خضر أن "تقسيم الدوائر هو الحل الأنسب لمواجهة الزيادة السكانية، وليس زيادة عدد النواب"، وأيّد نظام "القائمة المغلقة" لأنه يضمن الكوتة ويحافظ على دستورية الانتخابات.

كما رأى أن تعديل قانون الانتخابات في الوقت الحالي مستحيل لضيق الوقت، وأعرب عن رفضه لتغييره في كل دورة انتخابية.

 

انتقادات من أكاديميين

علق الأكاديمي محمد الشريف (@MhdElsherif) على رأي د. خضر، قائلًا على منصة "إكس":
"وصلنا إلى مستوى أصبحت فيه الجبهات الحزبية تدافع بإخلاص وبطريقة مؤسسية عن الدكتاتورية كأسلوب حياة، لا كنظام حكم فقط. وأصبح جمع ممثلين عن كل الأطياف السياسية في سلة واحدة بنسب تعتمد على درجة الولاء للحكم نوعًا من الديمقراطية، بشرط ألا نختلف".

وأضاف:
"الاتفاق التام مع الحكم أصبح وطنية، والاختلاف في الرأي خيانة، وأحيانًا عمالة. المعارضة أصبحت عيبًا ومرفوضة في أوقات الأزمات، والانتخابات مجرد إطار شكلي لاستيفاء الشكل الدستوري، دون منافسة حقيقية".

 

"العرس الديمقراطي"

وعبّر الأكاديمي تامر النحاس (Tamer M Elnahas) عن ألمه من الواقع السياسي، قائلًا:
"لم يعد لدي أي أحلام هذه الأيام… سوى أن ينتهي هذا العرس الديمقراطي، ونتخلص من تلك اللافتات، من تلك الوجوه القبيحة، من ذلك التدليس، من هؤلاء الأراذل".

وأضاف:
"فلا هي انتخابات، ولا هم ممثلونا، ولا هي مجالس، ولا هو مناخ سياسي… لا شيء حقيقي، لا خير، ولا حق، ولا فائدة للناس".

وختم ساخرًا:
"تخيل أن يكون هذا هو الأمل… بلد يعرف كل هذا القدر من التدليس، ثم يُقال إن الخير قادم، وإن مصر ستُعلّم العالم".

رابط المنشور

 

المناخ العام

في سياق سياسي أوسع، أثارت التعديلات الدستورية لعام 2019، التي منحت الرئيس السيسي سلطة تعيين رؤساء الهيئات القضائية، مخاوف من تراجع استقلال القضاء.

كما زاد قانون الإجراءات الجنائية من القيود على الحريات السياسية، ولم يُترجم الحوار الوطني الذي دعا إليه السيسي إلى إصلاحات ملموسة في قوانين الانتخابات أو في المجال العام.

 

رأي هيثم الحريري

قال النائب السابق والمعارض هيثم الحريري إن تقسيم الدوائر يهدد عدالة الانتخابات، ويُستخدم كأداة لإقصاء المعارضة، واصفًا النظام الانتخابي بأنه "مفصّل" لخدمة السلطة الحاكمة.

وأوضح أن القوائم المطلقة المغلقة تمنع التعددية السياسية، وأن تقسيم الدوائر الفردية غير عادل، إذ يخلق دوائر عملاقة يصعب على المستقلين والمعارضين المنافسة فيها.

واقترح الحريري تصغير الدوائر الانتخابية لضمان تكافؤ الفرص وتقليل تأثير المال السياسي، محذرًا من أن المناخ السياسي لا يسمح بحراك حقيقي، وأن العملية الانتخابية تسير "من سيئ إلى أسوأ"، معتبرًا أن المشاركة رغم ذلك ضرورية لكشف التلاعب ومحاولة التغيير من الداخل.

رابط الفيديو

 

خلاصة

يرى مراقبون أن رفض استشكال تقسيم الدوائر الانتخابية يعكس إصرارًا على تكريس مناخ انتخابي مفصّل لخدمة السلطة، وسط غياب تكافؤ الفرص وتهميش المعارضة، مما يعمّق أزمة التمثيل السياسي في مصر.

ووصفوا القرار بأنه تكريس لتلاعب انتخابي ممنهج، حيث تُفصّل الدوائر بما يخدم أحزاب السلطة ويقصي المستقلين والمعارضين.

واعتبروا أن رفض الطعن لأسباب شكلية، مثل التأخر في الميعاد أو عدم الاختصاص، هو تهرب من مناقشة جوهر المشكلة، مشيرين إلى أن القائمة المطلقة المغلقة، إلى جانب تقسيم الدوائر الفردية، يخلقان بيئة انتخابية غير عادلة تُضعف التعددية السياسية.