آثار الإعلان عن توجيه قائد الانقلاب الدموى عبد الفتاح السيسي بإعداد استراتيجية جديدة لحقوق الإنسان لتدخل حيز التنفيذ مع انتهاء الاستراتيجية الحالية المعمول بها فى الفترة (2021–2026)، وإعلان فوز الانقلاب بعضوية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة للفترة من 2026 إلى 2028، انتقادات من جانب الحقوقيين فى ظل الانتهاكات الكبيرة لحقوق الإنسان من جانب نظام السيسي
كان نظام الانقلاب قد حصل منتصف أكتوبر الماضي، على 173 صوتًا في انتخابات عضوية المجلس، في فوز يُعد الثالث من نوعه ، من بينها فترتان خلال زمن انقلاب السيسي.
هذه الفوز دفع وزارة خارجية الانقلاب إلى الزعم أن السنوات الأخيرة شهدت تطورات مهمة في الملف الحقوقي، من أبرزها إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان عام 2021.
وقالت الوزارة إن توجيهات السيسي تضمنت، إلى جانب البدء في إعداد استراتيجية وطنية جديدة، تطوير منظومة العدالة الجنائية، وتحديث مراكز الإصلاح والتأهيل، والتوسع في برامج الحماية الاجتماعية، وتمكين المرأة والشباب وذوي الإعاقة وفق تعبيرها .
الإرادة السياسية
فى المقابل قال المحامي الحقوقي والاستشاري في منصة اللاجئين حليم حنيش إن الأزمة الحقيقية في ملف حقوق الإنسان في زمن الانقلاب لا تتعلق بغياب القوانين أو الاستراتيجيات، بل بانعدام الإرادة السياسية لتطبيق القوانين القائمة أصلًا. .
وأشار حنيش فى تصريحات صحفية إلى أن التشريعات الانقلابية، وعلى رأسها قانون الإجراءات الجنائية الحالي، تتضمن بالفعل نصوصًا كافية لضمان الحد الأدنى من العدالة، مثل وضع سقف للحبس الاحتياطي، إلا أن غياب الرغبة في التنفيذ هو ما يجعلها بلا أثر فعلي.
واعتبر أن “الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان”، التي تروّج لها حكومة الانقلاب داخليًا وخارجيًا، ليست سوى محاولة لتجميل صورة نظام السيسي أمام المجتمع الدولي، دون أن تتضمن إصلاحات حقيقية أو خطوات ملموسة.
وأكد حنيش أن ما تصفه حكومة الانقلاب بإنجازات، مثل زيارات مراكز الإصلاح والتأهيل أو تعديلات القوانين، يفتقر إلى الشفافية والمضمون، موضحا أن تقارير نتائج تلك الزيارات لا تُنشر بينما يعاني معتقلون في سجن بدر من إضراب عن الطعام منذ أكثر من شهرين وسط انقطاع كامل عن العالم الخارجي.
وشدد على أن أي إصلاح حقيقي لا يحتاج إلى مزيد من القوانين أو الاستراتيجيات الشكلية، بل إلى قرار سياسي واضح لاحترام القانون والإفراج عن المحتجزين تعسفيًا، معتبرًا أن الإصلاح الحقيقي يبدأ من تفعيل ما هو موجود، لا من كتابة شعارات جديدة.
وأوضح حنيش أن مشاريع القوانين التي تتباهى بها حكومة الانقلاب مثل قانون الإجراءات الجنائية الجديد وقانون العمل، وقانون اللجوء، قوبلت بانتقادات واسعة، ليس فقط من الداخل، بل أيضًا من جانب المقررين الخواص بالأمم المتحدة، الذين اعتبروا أن تلك التعديلات تمثل تراجعًا عن الضمانات الأساسية التي يجب أن تلتزم بها مصر بموجب الاتفاقيات الدولية.
مولودة بلا أهداف
وقالت لبنى درويش، الباحثة في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إن مشكلة الاستراتيجية الأولى الأساسية تكمن في كونها “مولودة بلا أهداف محددة” مشيرة إلى أنها اكتفت بصياغة شعارات عامة دون تحديد مستهدفات زمنية أو مؤشرات أداء قابلة للقياس، الأمر الذي يجعل تقييمها أو محاسبة القائمين عليها أمرًا صعبًا أو مستحيلًا.
وأوضحت لبنى درويش فى تصريحات صحفية أن الاستراتيجية بُنيت على فرضية غير دقيقة مفادها أن “أزمة حقوق الإنسان في مصر سببها المواطنون لا حكومة الانقلاب”، إذ ركزت على ضعف ثقافة المشاركة وغياب الوعي المجتمعي، متجاهلة القيود المفروضة على المجال العام.
وانتقدت تحوّل التقارير السنوية الصادرة عن اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان إلى مجرد رصد لأنشطة وزارات وجهات حكومية دون أي تقييم فعلي لنسب الإنجاز أو نسب الإخفاق.
وشددت لبنى درويش على أن إصدار استراتيجيات جديدة ليس إنجازًا في حد ذاته، ما لم تتضمن خطة تنفيذية واضحة وأدوات للقياس والمحاسبة، معتبرة أن غياب هذه العناصر يجعل الاستراتيجيات أقرب إلى وثائق دعائية منها إلى سياسات عامة فعالة فى ظل حدوث انتهاكات جديدة وتراجع مستمر في عدد من الحقوق والحريات الأساسية.
حبر على ورق
وقالت المحامية الحقوقية سوزان ندا إن الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان لم تتجاوز كونها وثيقة شكلية أو “حبرًا على ورق”، لأنها لم تلتزم بالنصوص التي تضمنتها منذ صدورها، ولم تُترجم إلى خطوات عملية تعكس احترام دولة العسكر لتعهداتها الحقوقية.
وأكدت سوزان ندا فى تصريحات صحفية أن غياب مشاركة منظمات المجتمع المدني في إعداد التشريعات والقرارات المرتبطة بالحقوق والحريات، مثل قانون الإجراءات الجنائية، يعكس تجاهلًا متعمدًا للأصوات الحقوقية والمهنية التي قدمت ملاحظات تفصيلية حول القانون واعتبرته “جائرًا” و”مقيدًا لحق الدفاع”.
وأشارت إلى أن سنوات الحبس الاحتياطي تحولت في الواقع إلى عقوبة مقنّعة، في ظل غياب التحقيقات الجادة أو آليات فعالة لرصد حالات القتل خارج نطاق القانون.
وكشفت سوزان ندا أن الحوار الوطني، الذي شاركت فيه منظمات حقوقية ، تضمن مطالب واضحة بتأسيس مفوضية مكافحة التمييز، ومفوضية مناهضة العنف ضد النساء وإقرار القانون الموحد للعنف ضد المرأة، لكن جميع هذه المقترحات، ظلت دون استجابة أو تفعيل، في حين أُقرت قوانين في برلمان السيسي دون إشراك أصحاب المصلحة أو حتى إخطارهم.
وشددت على أن أزمة حقوق الإنسان في زمن الانقلاب متعددة المستويات، إذ تعود إلى غياب الإرادة السياسية أولًا، “لو كانت هناك إرادة حقيقية لتحقيق العدالة الناجزة أو لإصلاح المنظومة الحقوقية، لكان ذلك ممكنًا”، لافتة إلى أن ثاني أوجه الأزمة يكمن في تضارب النصوص القانونية، حيث تتناقض مواد في قوانين العقوبات ومكافحة الإرهاب والإجراءات الجنائية، ما يخلق ارتباكًا في التطبيق ويفتح الباب للتأويلات الواسعة.
وأوضحت سوزان ندا أن الخلل الثالث يتمثل في غياب التنفيذ الفعلي، حيث أن استقلال القضاء ما زال منقوصًا، واستقلال الجامعات والإعلام وحرية تداول المعلومات لا تزال محدودة، ما يجعل المنظومة الحقوقية برمتها تعمل في دائرة مغلقة لا تنتج عدالة ولا تضمن محاسبة حقيقية .
