خوفا من سيناريو مجلس 2010 وثورة 25 يناير .. هل يجبر التزوير السيسي على إلغاء نتائج الانتخابات المرحلة الأولى ؟

- ‎فيتقارير

 

 

فضائح التزوير وتسويد بطاقات التصويت والرشاوى الانتخابية والحشد لصالح ما يعرف بأحزاب الموالاة وتوثيق هذه الفضائح عبر فيديوهات متداولة على مواقع التواصل الاجتماعى أجبرت عبدالفتاح السيسي قائد الانقلاب الدموى على مطالبة الهيئة الوطنية للانتخابات بإلغاء الانتخابات كليا أو جزئيا إذا ثبت وقوع انتهاكات مشيرا إلى ضرورة التدقيق الكامل في مراجعة الأحداث والطعون، واتخاذ قرارات تعكس إرادة الناخبين الحقيقية، بما يعزز من شفافية العملية الانتخابية وفق تعبيرها.

ووجه السيسي بفحص الأحداث التي شهدتها بعض الدوائر الانتخابية مشددًا على أن فحص هذه الوقائع والطعون المقدمة بشأنها هو من اختصاص الهيئة الوطنية للانتخابات، باعتبارها هيئة مستقلة وفقًا للقانون بحسب تعبيره .

ودعا إلى التأكد من حصول مندوبي المرشحين على صور رسمية من كشوف حصر الأصوات من اللجان الفرعية، لضمان تمثيل حقيقي للشعب تحت قبة البرلمان مشددا على ضرورة عدم تردد الهيئة في اتخاذ القرار المناسب، سواء بإلغاء جزئي أو كلي للانتخابات في الدوائر التي يتعذر فيها التحقق من إرادة الناخبين، على أن تُعاد الانتخابات لاحقًا.

 

 شراء أصواتٍ

 

كانت انتخابات المرحلة الأولى التي أُجريت يومي 10 و11 نوفمبر في 14 محافظة، قد شهدت جملة من التجاوزات، أعادت إلى الواجهة تساؤلات حول نزاهة العملية الانتخابية وجدواها. حيث تزامن التصويت مع تقارير وشهادات متواترة عن شراء أصواتٍ وتوجيهٍ منظمٍ للناخبين واستغلالٍ واسعٍ للجمعيات الخيرية في عمليات الحشد لصالح مرشحي أحزاب الموالاة.

ووسط ضعف الإقبال الشعبي وغياب أدوات الضمان الأساسية كالستائر والحبر الفسفوري، بدت الانتخابات أقرب إلى إجراءٍ شكلي يُعيد إنتاج الخريطة السياسية ذاتها، أكثر من كونها استحقاقًا يعبر عن الإرادة الشعبية أو تنافسًا ديمقراطيًا حقيقيًا. 

وبينما وُثّقت مشاهد لتوزيع أموال وكراتين مواد غذائية أمام اللجان، تزايدت شهادات شهود العيان والمراقبين حول سيطرة شبه كاملة لحزب “مستقبل وطن” على مجريات التصويت، بمساعدة جمعيات خيرية تحولت إلى أذرع انتخابية غير معلنة. 

وبحسب شهادات ميدانية من عدد من المحافظات التي شهدت التصويت، اتسمت العملية الانتخابية بسيطرة شبه كاملة لحزب الموالاة “مستقبل وطن” على مجرياتها، سواء من خلال الحشد أو إدارة المشهد أمام اللجان.

 

كوبونات مستقبل وطن

 

وكشفت مصادر أن حزب مستقبل وطن استعان بعدد كبير من الجمعيات الخيرية في تعبئة الناخبين، مقابل توزيع كوبونات تُستبدل بمبالغ مالية وصلت إلى نحو 300 جنيه بحسب المنطقة، فضلًا عن كراتين تحوي مواد غذائية استُخدمت كوسيلة مباشرة لاستمالة الأصوات. 

وأكد شهود عيان في محافظات الجيزة، البحيرة، الفيوم، الأقصر، وأسوان، انتشار عمليات شراء الأصوات أمام اللجان، حيث تراوحت المبالغ المدفوعة للناخبين بين 50 جنيهًا في الساعات الأولى للتصويت، وارتفعت تدريجيًا إلى 100 و200 جنيه، بينما تجاوزت في بعض المناطق 300 جنيه مع اقتراب إغلاق الصناديق.

كما وثقت مقاطع مصوّرة نُشرت عبر مجموعات على موقع “فيسبوك” اتفاقاتٍ مالية صريحة بين سماسرة الانتخابات وبعض الناخبين أمام اللجان، ما يؤكد اتساع نطاق استخدام المال السياسي في المرحلة الأولى من انتخابات مجلس نواب السيسي. 

 

غرف مغلقة

 

في هذا السياق، قال المحامي ياسر سعد إن انتخابات برلمان السيسي الحالية تفتقد للشفافية والمنافسة الحقيقية، مشيرًا إلى أن النتائج العملية غالبًا ما تُحدد مسبقًا في “غرف مغلقة”، سواء بالنسبة للقوائم الموالية أو بعض المجموعات المعارضة في حدود المساحة المسموح بها .

وأكد سعد فى تصريحات صحفية أن هذا الوضع معروف ومؤكد للجميع، مع استثناء محتمل لمحافظات الصعيد، حيث يُترك المجال أوسع للصراعات المحلية بين العائلات على المقاعد. 

وأشار إلى أن المعركة الانتخابية لم تعد مجرد صراع بين القوى الاجتماعية ودولة العسكر، بل بين مؤسسات دولة العسكر نفسها، مؤكدًا أن شكل الانتخابات الحالي يجعلها عملية ظاهرية أكثر من كونها تنافسًا حقيقيًا.

 

اتفاق جنتلمان

 

 وقال المحاضر في العلوم السياسية، عمرو عبد الرحمن، إن انتخابات هذا العام تشكل أكثر انتخابات تشريعية هُندست منذ عام 2015، مشيرًا إلى أن اختيار المرشحين تم عبر أجهزة أمن الانقلاب بناءً على معايير الولاء المالي والسياسي. 

وأضاف عبد الرحمن فى تصريحات صحفية أن القوائم المنافسة غابت تمامًا، ولم تشهد العملية أي تحدٍ فعلي للقائمة الوطنية، على عكس انتخابات 2020 التي ظهر فيها بعض المرشحين المستقلين، وتم استبعاد قائمتهم من قبل الهيئة الوطنية للانتخابات. وأكد أن الانتخابات الحالية تجرى ضمن تفاهمات مغلقة حسمت تفاصيلها بالكامل، ما أسفر عن غياب أي منافسة حقيقية، رغم وجود بعض التباينات التي تم تجاوزها داخليًا. 

وكشف أن ظهور حزب الجبهة على الساحة لم يخلق أي صراع أو منافسة فعلية مع أحزاب الموالاة، إذ تم التوصل إلى اتفاق عملي أو ما وصفه بـ”اتفاق جنتلمان” لتوزيع المقاعد، بما يشمل القوائم والفردي، ما أدى إلى غياب المنافسة الحقيقية بين المرشحين الموالين .

 

كوتة المعارضة

 

واعتبر عبدالرحمن أن ما شاهدناه فى المرحلة الأولى لانتخابات مجلس نواب السيسي يختلف عن انتخابات 2015 و2020 التي شهدت منافسة محدودة على بعض المقاعد الفردية مؤكدا أن كوتة المعارضة اتفق عليها مسبقًا، سواء داخل القوائم أو على المقاعد الفردية. 

وشدد على أن هذا التنسيق المكثف بين أجهزة أمن الانقلاب والأحزاب الموالية والمعارضة أفرز أكثر انتخابات برلمانية هُندست منذ 2005، حيث أدى ذلك إلى انخفاض عدد المرشحين بشكل ملحوظ، ليصل تقريبًا إلى نصف عدد المرشحين في 2020، ما يجعلها أقل انتخابات برلمانية من حيث عدد المتقدمين للترشح منذ عقدين.

وأوضح عبدالرحمن أن هذا السياق يفسر انخفاض نسبة المشاركة في التصويت، ويبرر ارتفاع مظاهر شراء الأصوات والتصويت الجماعي، نظرًا لقلة عدد الناخبين الفعليين وتأكدهم بقناعات مسبقة بأن نتائج الانتخابات محسومة. 

وأكد ان كل ما لوحظ خلال أيام التصويت، من انخفاض الإقبال على الانتخابات إلى تكرار مظاهر شراء الأصوات، يمكن تفسيره في ضوء التحضيرات والاتفاقات السابقة، معتبرا أن هذا الاقتراع جاء كأكثر انتخابات مهندسة منذ 2015، بما يعكس استمرار سيطرة الانقلاب على البرلمان ضمن إطار مسبق الصنع.