مصر فقدت أهم مفاتيح أمنها البحري .. مناورات “الموج الأحمر” هل تحمى الممرات بعد أن قدّم السيسى تيران وصنافير للسعودية لصالح الصهاينة؟!

- ‎فيتقارير

في مشهد يعكس تنامي التحالفات العسكرية العربية الشكلية، أعلنت القوات المسلحة المصرية انطلاق فعاليات التدريب البحري المشترك "الموج الأحمر 8"، بمشاركة مصر والسعودية والأردن والسودان واليمن وجيبوتي، تحت شعار "تأمين الممرات الاستراتيجية في البحر الأحمر".

لكن خلف الشعارات العسكرية اللامعة، يثور السؤال الأهم: ماذا تجني مصر من هذه المناورات بعد أن فقدت السيطرة على أهم مفاتيح أمنها البحري، بتنازل النظام الحالي عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية؟

 

خلفية: من السيادة إلى "التأمين المشترك"

 

منذ توقيع اتفاق نقل السيادة على الجزيرتين في عام 2016، تغيّر وضع مضيق تيران جذريًا. فبعد أن كان مضيقًا مصريًا خالصًا تتحكم فيه القاهرة وتستخدمه كورقة ضغط في حروبها مع "إسرائيل"، أصبح اليوم مضيقًا "إقليميًا" مفتوحًا للسفن الإسرائيلية بحرية كاملة، وفق التفاهمات التي سبقت عملية تسليم الجزيرتين إلى السعودية.

 

يقول خبير في الأمن البحري (فضّل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية):

"حين كان المضيق مصريًا، كانت القاهرة تملك قرار إغلاقه في أي مواجهة عسكرية، كما حدث في 1956 و1967. أما اليوم، فالوضع تغيّر تمامًا، لأن تيران وصنافير أصبحتا خارج السيادة المصرية، والبحر الأحمر تحوّل من ساحة نفوذ وطني إلى مجال نفوذ مشترك يخدم مصالح الآخرين أكثر مما يخدم مصر."

 

السعودية "القائدة" ومصر "المنفّذة"؟

 

تجري المناورات الحالية في قاعدة الملك فيصل البحرية بجدة، بقيادة سعودية كاملة، ومشاركة رمزية من القوات المصرية. ووفق مراقبين، فإن هذه المناورات تمثل ترسيخًا لمعادلة جديدة: السعودية تتولى الدور القيادي، ومصر تكتفي بالمشاركة الشكلية، بعد أن تنازلت فعليًا عن موقعها الجغرافي الحاكم عند بوابة خليج العقبة.

 

ويرى المراقبون أن ما يجري "ليس إلا إعادة ترتيب للأمن الإقليمي وفق الرؤية الأمريكية–الإسرائيلية، التي تريد تحويل البحر الأحمر إلى ممر آمن للطاقة والتجارة، بعيدًا عن أي تهديد عربي مستقل".

 

وأكدوا أن "السيسي قدّم الجزيرتين هدية سياسية للسعودية، مقابل الدعم المالي، لكن الثمن الحقيقي كان تفكيك آخر ورقة سيادية مصرية على طريق الملاحة المؤدي إلى إيلات."

 

من تأمين الممرات إلى تأمين "إسرائيل"

تُسوّق القاهرة والرياض المناورات باعتبارها دفاعًا عن الممرات البحرية ضد "التهديدات الحوثية" في البحر الأحمر، غير أن مراقبين يربطونها بتنسيق غير معلن مع تل أبيب، خاصة بعد الانفتاح السعودي–الإسرائيلي المتسارع.

فالمضيق، الذي كان في الماضي سببًا مباشراً لاشتعال الحرب بين مصر وإسرائيل عام 1967، أصبح اليوم جزءًا من منظومة أمنية إقليمية تحرص على تأمين حرية الملاحة الإسرائيلية لا تهديدها.

 

ويشير أحد التقارير الغربية إلى أن الولايات المتحدة تتابع هذه المناورات بدقة، وتعتبرها "نقطة تحول في التعاون العسكري العربي–الإسرائيلي غير المعلن"، إذ إن تأمين البحر الأحمر يصب مباشرة في مصلحة حركة التجارة الإسرائيلية عبر ميناء إيلات.

 

مصر بين الشعارات والواقع

 

رغم الخطاب الرسمي عن "تعزيز القدرات القتالية" و"تبادل الخبرات"، لا يبدو أن هذه المناورات تمنح القاهرة مكاسب استراتيجية حقيقية. فمصر، التي فقدت سيادتها على بوابة البحر الأحمر، لم تعد تملك القرار البحري، ولا حتى القدرة على استخدام موقعها الاستراتيجي كورقة ضغط سياسية أو عسكرية كما كان الحال في الماضي.

 

ويرى محللون أن مشاركة مصر في مثل هذه المناورات تغطي على واقع التراجع المصري في الإقليم، وتُستخدم لتجميل صورة النظام داخليًا بعد سلسلة من الأزمات الاقتصادية والسياسية العميقة، فيما تُسهم فعليًا في تثبيت ترتيبات أمنية تخدم الكيان الصهيوني وتُضعف الموقف المصري التاريخي.

 

من أمن مصر إلى أمن الآخرين

 

في المحصلة، يمكن القول إن مناورات "الموج الأحمر 8" ليست تدريبًا عسكريًا عابرًا، بل حلقة جديدة في مسار سياسي بدأ منذ تنازل نظام السيسي عن جزيرتي تيران وصنافير، وتحويل المضيق من ورقة سيادة مصرية إلى ممر إقليمي مفتوح يخدم المصالح الإسرائيلية–الخليجية المشتركة.

وهكذا، بينما تُرفع الشعارات عن "تأمين الممرات الاستراتيجية"، يبدو أن المستفيد الحقيقي من هذا التأمين ليس مصر، بل إسرائيل.