تشهد مصر في ظل حكم المنقلب السفاح عبد الفتاح السيسي تصعيدًا جديدًا في ملف المحاكمات السياسية التي تحولت إلى أداة انتقام ضد المعارضين وأصحاب الرأي، في وقت تتزايد فيه الانتقادات الدولية لانتهاكات النظام الواسعة لحقوق الإنسان.
آخر فصول هذه المحاكمات ما كشفت عنه نيابة أمن الدولة، التي قررت إحالة الأكاديمي المصري المقيم في المنفى د. تقادم الخطيب إلى المحاكمة الجنائية ضمن قضية تضم 167متهمًا، بتهم جاهزة لطالما استخدمها النظام لتصفية خصومه، وهي "الانضمام إلى جماعة إرهابية" و"الاشتراك في اتفاق جنائي"، على أن تبدأ جلسات القضية أمام دوائر الإرهاب في محكمة بدر يوم الأحد 26 أكتوبر/تشرين الأول 2025.
المحامي الحقوقي خالد علي أوضح أن الخطيب المقيم خارج البلاد منذ عام 2013، تعرّض منذ 2017لحملة ممنهجة من التضييق والملاحقة بعد مشاركته في كشف وثائق قضية تيران وصنافير التي فضحت تنازل النظام عن جزيرتين مصريتين للسعودية.
وقال: إن "تلك الممارسات أدت إلى إنهاء منحته الدراسية، وفصله من الجامعة، وإلزامه برد قيمة المنحة، فضلًا عن حرمانه من استخراج أوراقه الرسمية.
وأضاف خالد علي أن ما يتعرض له الخطيب يدخل في إطار سياسة الانتقام من الأكاديميين وأصحاب الرأي، مؤكدًا أن هذه الإجراءات لم تقتصر على التضييق المهني، بل امتدت إلى الإضرار بحياته الأسرية والإنسانية.
وفي مشهد يعكس اتساع دائرة القمع، تأتي إحالة الخطيب للمحاكمة بالتزامن مع استئناف الخبير الاقتصادي عبد الخالق فاروق حكمًا جائرًا بسجنه خمس سنوات بتهمة "نشر أخبار كاذبة"، وهي تهمة يستخدمها النظام كغطاء لإسكات كل صوت ينتقد السياسات الاقتصادية الفاشلة التي أغرقت البلاد في الديون.
وتعقد محكمة جنح مستأنف الشروق وبدر غدًا الخميس الجلسة الثانية لاستئناف الحكم، وسط حملة تضامن متنامية أطلقتها منظمات حقوقية وشخصيات عامة تحت وسم#الحرية_لعبدالخالق فاروق، رفضًا لما اعتبروه استهدافًا صريحًا لحرية التعبير.
في السياق ذاته، تتوالى الإدانة الدولية للنظام المصري بعد أن أصدرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان مذكرة رسمية كشفت فيها إخفاق القاهرة في تنفيذ التزاماتها الحقوقية، مؤكدة أن معظم التعهدات التي قدمتها خلال الاستعراض الدوري الشامل (UPR) لم تُنفذ فعليًا، وأن النظام يستخدمها فقط كـ"ديكور سياسي" لتجميل صورته أمام الخارج.
المفوضية أوضحت أن مصر تلقت 343 توصية من الدول الأعضاء، وافقت منها على 265 فقط دون تنفيذ ملموس، وحذّرت من استمرار العمل بتشريعات الإرهاب سيئة السمعة التي تُستغل لتبرير القمع، مطالبة بإصلاحات عاجلة تشمل مراجعة قوانين التعذيب، وضمان رقابة مستقلة على السجون، وتقليص نطاق الإعدام تمهيدًا لإلغائه.
كما شددت على أن الإفراجات المحدودة التي يتباهى بها النظام لا تغيّر من واقع القمع الواسع والاحتجاز التعسفي لآلاف السجناء السياسيين، بمن فيهم الصحافيون والمحامون والمدافعون عن حقوق الإنسان.
من جانبها، رأت منظمة عدالة لحقوق الإنسان (JHR) أن تقرير المفوضية يمثل توبيخًا مباشرًا للنظام المصري، ودليلًا على اتساع الفجوة بين التزاماته الدولية وممارساته القمعية اليومية، داعيةً إلى خطة وطنية ملزمة لتنفيذ توصيات الأمم المتحدة تحت إشراف دولي مستقل.
وفي ظل هذا المشهد القاتم، يبدو أ ن نظام السيسي ماضٍ في سياسة تلفيق القضايا وتكميم الأفواه، في محاولة يائسة لإسكات المعارضة وإرهاب المجتمع، وسط تآكل متزايد للثقة الداخلية والخارجية في مؤسساته وعدالته.