السيسي يواصل رشوة قيادات الجيش خوفا من الانقلاب عليه.. جهاز مستقبل مصر يحتكر غذاء المصريين بدون رقابة

- ‎فيتقارير
السيسي يواصل رشوة الجيش: جهاز “مستقبل مصر” نموذجاً جديداً لنهب ثروات الدولة بعيداً عن الرقابة



في مشهد يزداد وضوحاً مع كل قرار رئاسي جديد، يواصل المنقلب السفيه عبد الفتاح السيسي تكريس سلطة المؤسسة العسكرية على مفاصل الدولة الاقتصادية، عبر إنشاء كيانات جديدة ذات طابع استثماري، تتوسع بعيداً عن أي رقابة تشريعية أو محاسبية، في مقابل ولاء مطلق من الجيش الذي يغض الطرف عن تنازلات خطيرة تمس السيادة الوطنية، من تيران وصنافير إلى غاز المتوسط ورأس الحكمة، وأخيراً رأس شقير.

أحدث حلقات هذا المسلسل، يتمثل في جهاز "مستقبل مصر للتنمية المستدامة"، الذي بات أحد أخطر أدوات التمكين الاقتصادي للجيش، بإشراف مباشر من العقيد بهاء الغنام وتفويض رئاسي غير مسبوق. الجهاز، الذي أنشئ بقرار جمهوري عام 2022، لا يخضع لأي رقابة برلمانية أو قضائية، ويتصرف وكأنه دولة داخل الدولة، حيث توسعت مهامه مؤخراً لتشمل قطاعات القمح، الغذاء، الاستثمار العقاري، الإنتاج الحيواني، والمنتجات الاستهلاكية، وحتى إدارة البحيرات الطبيعية، تحت ذريعة "التنمية المستدامة".

في الوقت الذي تعاني فيه مصر من أزمات اقتصادية متفاقمة، ونقص حاد في الغذاء والدواء، خصّص السيسي للجهاز ملايين الأفدنة من الأراضي الزراعية في أربع محافظات استراتيجية، على رأسها الفيوم والجيزة والبحيرة، في ما يبدو أنه تعويض صامت للجيش عن كل ما فقدته مصر في ملفات السيادة، بدءاً من الجزر وحتى حقول الغاز.

أراضٍ منهوبة وأصوات مقموعة

على أرض الواقع، لا يكتفي الجهاز بالامتيازات القانونية، بل يستخدم أيضاً القوة الغاشمة لنزع الأراضي من المواطنين تحت غطاء “التخصيص السيادي”. مواطن مصري نشر استغاثة مصورة قال فيها: "بعد غربتي 21 سنة وشرائي لأرض بشكل قانوني، استولى جهاز مستقبل مصر على الأرض، وطُلب مني التنازل أو الخروج منها بالقوة. حتى محصولي الزراعي لم أتمكن من جنيه".

هذه ليست حالة فردية، بل نمط متكرر أكدته عشرات الاستغاثات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يواجه المزارعون والمستثمرون الصغار حملات طرد ممنهجة، وتهديدات مباشرة بالتنكيل حال رفضهم "تسليم الأرض".

من القمح إلى العقارات: الجيش تاجر كل شيء

لم يعد الجيش يكتفي بالصفقات التسليحية أو بناء الكباري، بل بات تاجرًا في كل شيء. أصبح جهاز "مستقبل مصر" بديلاً كاملاً لهيئة السلع التموينية، ويحتكر استيراد نحو 10 ملايين طن من القمح سنويًا، يعيد توزيع جزء منها على الدولة، بينما يضخ الكميات الفائضة في السوق الحر لصالح شركات خاصة، في حلقة مغلقة من الفساد والتربح.

كما توسّع الجهاز في إنشاء مصانع غذائية، أبرزها مصنع لألبان الأطفال بقيمة نصف مليار دولار، رغم فشل الدولة سابقاً في تأمين احتياجات السوق من هذه السلعة الحيوية، والتي شهدت زيادات غير مسبوقة في أسعارها.

وفي قطاع العقارات، استولى الجهاز على أراضٍ زراعية لتحويلها إلى منتجعات فاخرة على الطريق الصحراوي، في مشهد يُذكّر بما جرى في مشروع "رأس الحكمة"، حيث تُمنح أفضل أراضي مصر لمستثمرين إماراتيين وأجانب، تحت ستار “التنمية”، بينما تُهجر الفئات الشعبية إلى أطراف المدن بلا تعويض عادل.

ميزانية خارج الموازنة

في غياب أي رقابة برلمانية، كشف مصدر داخل مجلس النواب أن ميزانية جهاز مستقبل مصر مستقلة تماماً عن الموازنة العامة، وتُموّل من الأرباح المتضخمة الناتجة عن تخصيص ملايين الأفدنة من أراضي الدولة له. هذه الموارد الهائلة تدار بمعزل عن أجهزة المحاسبة أو التدقيق، في تكرار فج لنموذج "الإمبراطورية الاقتصادية الخفية"، الذي أصبح عماد بقاء السيسي في السلطة.

“ثمن الولاء”: لماذا يسكت الجيش؟

المعادلة باتت واضحة: امتيازات اقتصادية مقابل الصمت العسكري. لم يعد الجيش مجرد أداة في يد النظام، بل شريك فعلي في نهب مقدرات البلاد، وتحقيق أرباح خيالية من مشاريع مفروضة بالقوة، تحت مظلة "المصلحة القومية".

وفي الوقت الذي يُحاسَب فيه المواطن البسيط على جنيهات الدعم، تُدار مليارات الدولارات عبر أجهزة مثل "مستقبل مصر"، دون شفافية، ودون أن يُسأل أي مسؤول: من يملك هذه الأرض؟ من يربح؟ ومن يحاسب؟

إنها مصر تحت حكم السيسي: وطن يُفرّط في ثرواته... ليشتري ولاء من يملك السلاح.