يقدم قضاء الانقلاب يوما تلو الآخر النموذج في الانبطاح والتسييس لصالح النظام، بلا خشية أو تورع ، ففي الوقت الذي يجري تبرئة القتلة والمجرمين وسراق المال العام، بعد مساومات مؤكدة مع السلطة السياسية وأجهزتها الأمنية التي باتت تتاجر في أقوات المصريين وممتلكاتهم، وتعمل وفق لغة البزنس الحلال منه والحرام، ففي الوقت الذي يخرج فيه القاتل محسن السكري بعفو رئاسي وهشام طلعت مصطفى ليدلس خلف السيسي في مؤتمرات الشباب التي أهدرت مليارات الجنيهات على مصر بلا فائدة، تتواصل أحكام الإدانة للإخوان المسلمين وقياداتهم ومعارضي السيسي، أحياء وأمواتا، وهو ما يثير السخرية والاستغراب.
حيث قضت محكمة النقض، أمس الخميس، بتخفيف عقوبة الممثل بطرس رؤوف بطرس غالي صاحب شركة سياحية، شقيق وزير المالية الأسبق الهارب يوسف بطرس غالي، إلى السجن المشدد لمدة خمسة أعوام بدلا من 30 عاما، مع تغريمه مليون جنيه مصري، بتهمة تهريب آثار والإتجار فيها.
وشمل الحكم معاقبة المتهم الثاني في القضية أحمد حسين نجدي (عنصر أمن) بالحبس مع الشغل لمدة ثلاثة أعوام، وتغريمه 50 ألف جنيه، ومصادرة الآثار المضبوطة لمصلحة المجلس الأعلى للآثار، أما القنصل الفخري الإيطالي السابق في مدينة الأقصر لاديسلاف سكاكال أوتاكر، فحُكم عليه بالسجن المشدد لمدة 15 عاما غيابيا مع تغريمه مليون جنيه، وبذلك يكون الحكم على المتهمين نهائيا، ولا يجوز الطعن فيه بأي حال.
وقبلت المحكمة طعن المتهمين بحكم الجنايات الصادر ضدهما، ونظر في موضوع القضية، مع الحكم بانقضاء الدعوى الجنائية للمتهم الثالث ميشيل جرجس صليب صاحب شركة شحن بسبب وفاته.
وكانت محكمة الجنايات قد حكمت على غالي، في فبراير من عام 2020، بالسجن المشدد لمدة 30 عاما مع تغريمه ستة ملايين جنيه، ونجدي وصليب بالسجن المشدد 15 عاما مع غرامة بقيمة مليون جنيه، في القضية رقم 8718 لسنة 2019، المتهمين فيها بـتهريب آثار مصرية إلى مدينة ساليرنو الإيطالية في حقائب دبلوماسية.
تجدر الإشارة إلى أن المحكمة قضت حينها بالسجن المشدد 15 عاما على غالي وتغريمه خمسة ملايين جنيه، منفردا في قضية الحصول على آثار وتهريبها إلى الخارج، كذلك، قضت عليه بالسجن المشدد 15 عاما آخر وتغريمه مليون جنيه، في قضية رشوة موظفين عموميين لتهريب الآثار إلى الخارج.
وأفادت التحقيقات بأن بطرس غالي كان ممولا رئيسيا وأداة ربط وتخزين لتشكيل عصابي يتاجر في الآثار المهربة، يبدأ بعنصر أمن ينفذ أعمال حفر غير مشروعة للتنقيب عن الآثار في الأقصر، جنوبي مصر، وينقل ما يستخرجه بواسطة دبلوماسي إيطالي سابق في طرود أُعدت بواسطة شركة للشحن.
ويعد تخفيف الحكم جريمة بحق المجتمع المصري وتاريخه وآثاره، وهو من القضايا التي تستلزم التشدد القانوني لردع المجرمين عن تلك الأفعال المشينة.
عقاب مرسي والعريان رغم وفاتهما
وفي الوقت الذي يخفف فيه القضاء المصري الأحكام عن المجرمين وعتاة القتل والتهريب والإفساد، يتشدد مع المعارضين السياسيين، بل ويطاردهم بأحكامه المسيسة أحياء وأمواتا.
إذ أدرجت النيابة العامة، الرئيس الراحل محمد مرسي، والقيادي السابق في جماعة الإخوان المسلمين عصام العريان، على قائمة الإرهابيين، بالرغم من وفاتهما، مستندة في ذلك إلى حكم الإدانة الصادر ضدهما من محكمة النقض، في القضية المعروفة إعلاميا بـ"أحداث قصر الاتحادية" والتي تعود وقائعها إلى ديسمبر 2012.
وشمل قرار الإدراج، الذي حمل رقم 1 لسنة 2023، أسماء 8 آخرين من قيادات الجماعة، هم البرلماني السابق محمد البلتاجي، ونائب رئيس ديوان رئيس الجمهورية سابقا أسعد الشيخة، ومدير مكتب الرئيس السابق أحمد عبد العاطي، ومستشاره الأمني أيمن هدهد، بالإضافة إلى علاء حمزة، ومحمود مكاوي عفيفي، وعبد الحكيم إسماعيل، وجمال صابر.
وتترتب مجموعة من الآثار العقابية على المدرجين على قائمة الإرهابيين، وهي "الإدراج على قوائم المنع من السفر وترقب الوصول، وسحب جواز السفر أو إلغاؤه أو منع إصدار جواز سفر جديد أو تجديده، وفقدان شرط حسن السمعة والسيرة اللازم لتولي الوظائف والمناصب العامة أو النيابية أو المحلية، وعدم التعيين أو التعاقد في الوظائف العامة أو في شركات القطاع العام أو قطاع الأعمال العام، والوقف عن العمل مع صرف نصف الأجر".
وبحسب قانون الكيانات الإرهابية، فإن هذه الآثار شخصية ترتبط ببقاء المتهم أو المُدان على قيد الحياة، أما في حالة إدراجه بعد الوفاة، فإن ذلك يترتب عليه تجميد الأموال أو الأصول الأخرى المملوكة له، سواء بالكامل أو في صورة حصة في ملكية مشتركة، والعائدات المتولدة عنها، أو التي يتحكم فيها بشكل مباشر أو غير مباشر، والأموال أو الأصول الأخرى الخاصة بالأشخاص والكيانات التي تعمل من خلاله.
إفقار أبناء وورثة قيادات الإخوان
وينسحب هذا الأثر على قدرة ورثة المتوفين في التحكم بتلك الأموال والأصول، ومنعهم من حرية التصرف فيها.
ازدواجية
وكانت محكمة الجنايات المصرية قد قضت، في 21 إبريل 2015، بمعاقبة مرسي والعريان والبلتاجي، وبعض مساعدي رئيس الجمهورية السابقين، بالسجن المشدد لمدة 20 عاما، تحت مزاعم اتهامهم بـ"استعراض القوة والعنف والقبض والاحتجاز المقترن بالتعذيبات البدنية للمتظاهرين، وفض اعتصامهم السلمي أمام قصر الاتحادية الرئاسي يومي 5 و6 ديسمبر 2012".
وطعن 9 متهمين على الحكم أمام محكمة النقض، التي أيدت العقوبة في 22 أكتوبر 2016 ليصبح نهائيا.
والحكم على المتهمين في هذه القضية كان سياسيا بامتياز، مفتقدا إلى الأدلة الموضوعية، إذ اكتفت التحقيقات بالإشارة إلى أن مرسي كان متواجدا داخل قصر الرئاسة، حين حاول مجموعة من المتظاهرين الهجوم على القصر بغية الاعتداء عليه، واشترك مع العريان والبلتاجي، وفق الاتهامات، في الاتفاق والمساعدة على ارتكاب جريمة التحريض على استعراض القوة، والتلويح بالعنف ضد المعتصمين، وإرهابهم وترويعهم".
ولم تنسب المحكمة إلى الرئيس الشهيد مرسي أي فعل يمكن اعتباره جرميا في الحقيقة، فيما أسندت إلى العريان وآخرين أنهم وجهوا، عبر وسائل مختلفة، المؤيدين للرئيس الشهيد بالتوجه إلى قصر الاتحادية لفض الاعتصام، وإلى البلتاجي بأنه حشد الأنصار.
ورفضت المحكمة الدفع بالتحقيق، فيما إذا كانت التظاهرات حول الاتحادية سلمية أم غير سلمية، معتبرة أن تحديد وصف التظاهرات ليس ركنا من أركان الجريمة، وليس شرطا فيها، وزعمت أنها وجدت أنه من المقبول أن يستقر في وجدان المحكمة أن المتهمين ارتكبوا جرائم استعراض القوة والعنف والقبض والاحتجاز بغير حق".
