في اليوم الذي يصدر فيه موقع “اليوم السابع” الذي يعمل لصالح مخابرات عبد الفتاح السيسي، تقريرا عن مؤامرة كونية مزعومة لمجرد اشتهار موقع “رياضة 24” الذي ينافس خريطة مواقع الانقلاب الرياضية، تقوم سلطات الانقلاب بحجب الموقع من على الإنترنت، ليثبت نظام عبد الفتاح السيسي أنه لا يبني دولة، ولكنه عبارة عن نظام هش لمجموعة من الصبيان، يتحركون وفق خريطة مصالحهم الضيقة لجني الأموال .
وتناول موقع “اليوم السابع” المخابراتي، تدشين المؤتمر الصحفي لموقع “رياضة 24” ، بحضور باقة من نجوم مجتمعي المال والإعلام، للإعلان عن الموقع الرياضى الجديد الذى تقول المؤشرات المعلنة عنه إنَّ ميزانية ضخمة – وتكاد تكون مفتوحة – رُصدت له، بهدف استقطاب نجوم الإعلام الرياضي ، والسيطرة السريعة على هذه السوق الضخمة، باستغلال فترة الزخم التى يصنعها الحضور المصري في بطولة كأس العالم «روسيا 2018»، ليتم حجب الموقع في مصر، وكأن التقرير إعلان لساعة الصفر في حجب الموقع، واعتراف بأن من يدير ويحجب المواقع الصحفية هم مجموعة من صبيان عبد الفتاح السيسي، الذين شردوا وخربوا بيوت آلاف الصحفيين بعد حجب مواقعهم، للتحكم في خريطة الإعلانات والمصالح الضيقة لعدد من صحف الانقلاب التي تبحث عن الاحتكار والمال والشهرة.
خراب بيوت
وانقلبت حياة الصحفيين بعد أن قررت السلطات حجب مئات المواقع، من بينها موقع “المصريون”، “مصر العربية”، “رصد”، “الجزيرة” وغيرها، فاستغنت الإدارات في هذه الصحف عن خدمات آلاف الصحفيين توفيرا للنفقات.
وتحجب السلطات، منذ نحو عام، ما يزيد على 500 موقع صحفي، بحسب تقارير لجبهة الدفاع عن الصحفيين والحريات في مصر.
وتتعثر المواقع المحجوبة بانصراف المعلنين المحليين عنها، “فإعلاناتهم كانت تستهدف الزوار المحليين للموقع الذين تستهدفهم أيضا إعلانات غوغل، والآن لا يصل المصريون لتلك المواقع، فلا جدوى إذن من الإعلان بها”، كما يوضح وليد عبد المنعم، وهو مسئول تسويق بموقع “الاقتصادية”، في تصريحات لـ”الجزيرة”.
صحفيو مصر يشكون الملاحقات
يقبع بالسجون أكثر من 100 صحفي ومصور، بحسب جبهة الدفاع عن الصحفيين والحريات، كان آخرهم رئيس تحرير موقع “مصر العربية” المحجوب، وتحل مصر الثانية بعد الصين في أعداد الصحفيين المعتقلين.
ونظرا للحالة الاقتصادية المنهارة لآلاف الصحفيين، اضطر عشرات الصحفيين للعمل سرا في مشروع “أوبر وكريم”، وكشف تقرير الجزيرة عن صحفي يسمى هاني، ولم يرد ذكر اسم أبيه لاستشعاره الحرج، بأنه يغادر منزله بحي شبرا شمال القاهرة كل صباح، ليقود سيارته التي اشتراها بالتقسيط قبل عام إلى وجهة غير محددة، بانتظار أن يستدعيه زبون عبر تطبيق أوبر لسيارات الأجرة، وقد كان معتادا من قبل أن يذهب إلى مقر موقعه الإخباري المحجوب “مصر العربية”.
لم يكن هناك من خيار آخر أمام هاني سوى العمل عبر تطبيق أوبر لتلبية متطلبات أسرته ودفع أقساط سيارته، وذلك عقب فشله في العثور على فرصة عمل بالصحافة بعد حجب ثم غلق ذلك الموقع الإخباري الذي عمل فيه لسنوات.
يعتبر هاني نفسه محظوظا بامتلاكه سيارة للعمل عليها، فزملاء له- غادروا الموقع الإخباري نفسه- لا يزالون يبحثون عن عمل بأي مجال.
يسمع هاني من رواد سيارته حكايات عجيبة تصلح قصصا إنسانية عظيمة، ولكن “أين يمكن نشرها والمواقع المحترمة كلها محجوبة، ولا مقابل لما يكتب؟”.
يدير هاني مفتاح سيارته كل صباح، وهو يدعو الله ألا يستدعيه زبون كان يتعامل معه من قبل كمصدر للأخبار، فهو يخشى ذلك اللقاء الذي كان من قبل يسعى إليه.
يَحذر هاني- وهو اسم مستعار- من أن يثبت أحد لنقابة الصحفيين عمله سائقا، إذ تحظر لوائح النقابة على الصحفي أن يعمل بمهنة أخرى.
ربما زاد دخل هاني قليلا عما كان يحصل عليه من عمله بالموقع، لكن “الروح تنزف مع كل ساعة تمضي دون عمل محبب مختار، استغرق عمرا”.
ضحايا
تلك المعاناة من حجب المواقع خلفت ضحايا بالمئات بين الصحفيين، وفق مصدر بمجلس نقابة الصحفيين، ولكن لا يوجد إحصاء دقيق لهم. وتقترب التقديرات من 1500 صحفي- بعضهم غير مسجل بنقابة الصحفيين- بحسب مئات الشكاوى التي وصلت إلى النقابة من أولئك الصحفيين المشردين.
وائل أحد هؤلاء الصحفيين غير النقابيين الذين جرى تسريحهم، وهو يعتبر نفسه محظوظا بين مئات من زملائه الذين لا يزالون مشردين، فهو الآن يعمل.
تقول الأمثال “قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق”، تعبيرا عن هوان الأولى بالمقارنة بالثانية، وهو مَثَلٌ ربما لا يدرك مغزاه النظام المصري، الذي يمضي بسيف الحجب والملاحقات مهددا الأعناق والأرزاق معا.