في خطوة تعكس إصرار نظام السيسي على تحميل القطاعات الحيوية كلفة أزمته المالية، فجّر قرار رفع رسوم تأشيرة الدخول إلى مصر من 25 إلى 45 دولارًا موجة واسعة من الجدل داخل الأوساط السياحية والبرلمانية، وسط تحذيرات من أن الزيادة قد تُضعف القدرة التنافسية لمصر في سوق السياحة الإقليمي، وتنسف مكاسب تحققت بشق الأنفس خلال العامين الماضيين.
القرار، الذي أُقر بتعديل على القانون رقم 175 لسنة 2025 الخاص بفرض رسوم لصالح مباني وزارة الخارجية، جاء في توقيت بالغ الحساسية، حيث يحاول القطاع السياحي استعادة عافيته بعد سنوات من الاضطرابات السياسية والاقتصادية، ورغم إعلان الحكومة عن ارتفاع أعداد السائحين بنسبة 25% خلال النصف الأول من العام الجاري.
لكن مراقبين يرون أن الزيادة ليست سوى حلقة جديدة في سلسلة سياسات الجباية التي أدمنها النظام لسد عجزه المالي المتفاقم، ولو كان الثمن ضرب أحد أهم مصادر النقد الأجنبي في البلاد.
تحذيرات من فقدان الميزة التنافسية
الاتحاد المصري للغرف السياحية كان من أوائل الجهات التي أطلقت جرس الإنذار، إذ حذر من أن رفع رسوم التأشيرة سيضعف تدفقات السياحة لصالح وجهات منافسة في الإقليم لا تفرض أعباء مماثلة.
وفي خطاب رسمي موجه إلى وزير السياحة الشهر الماضي، دعا رئيس الاتحاد حسام الشاعر إلى التراجع عن القرار، مؤكدًا أن الزيادة تمنح ميزة سعرية مباشرة للأسواق المنافسة وتضعف الجاذبية السعرية لمصر، خصوصًا أمام شرائح السياح محدودي الدخل، الذين تعتمد عليهم المقاصد المصرية بدرجة كبيرة.
خطاب رسمي يهوّن من المخاطر
في المقابل، حاولت أصوات مقربة من السلطة التقليل من خطورة القرار؛ إذ استبعد محمد عثمان، عضو اتحاد الغرف السياحية، أن يكون لرفع الرسوم تأثير ملحوظ على حركة السياحة، معتبرًا أن الزيادة «طفيفة» ولا تؤثر على متوسط إنفاق السائح، بل ستساهم – حسب قوله – في تعزيز الموارد المالية للقطاع، خاصة مع افتتاح المتحف المصري الكبير.
غير أن هذا الطرح يواجه انتقادات واسعة، إذ يرى خبراء أن المنطق الجبائي الذي يحكم القرار يتجاهل طبيعة المنافسة الحادة في سوق السياحة الدولية، حيث تتسابق الدول على تخفيض الرسوم وتقديم التسهيلات لجذب أكبر عدد ممكن من الزوار.
الأسواق الخارجية: قلق رغم التطمينات
من خارج مصر، اعتبر آرثر موراديان، رئيس جمعية منظمي الرحلات السياحية في روسيا، أن مصر لا تزال من الوجهات الأرخص للسائح الروسي في الشتاء، وأن الزيادة وحدها لن تكون عاملًا حاسمًا في تراجع الطلب. لكنه وصف القرار بأنه «مفاجئ»، خاصة في ظل توجه دول أخرى إلى تسهيل دخول السياح الروس، مرجّحًا حدوث تباطؤ مؤقت في وتيرة التعافي.
أرقام نمو… لكن إلى متى؟
بحسب بيانات مجلس الوزراء، بلغ عدد السائحين في 2024 نحو 15.8 مليون سائح، بزيادة 6% عن العام السابق، وتجاوز مستويات ما قبل جائحة كورونا بنحو 21%. إلا أن محللين يرون أن هذه الطفرة مرهونة بعوامل سياسية وأمنية أكثر من كونها ناتجة عن سياسات اقتصادية رشيدة، ما يجعلها معرضة للانكشاف السريع في ظل استمرار الضغوط الجبائية.
جباية بلا رؤية
ويرى وليد البطوطي، مستشار وزير السياحة الأسبق، أن القرار «طبيعي» مقارنة بدول أخرى، إلا أن هذا الطرح يغفل – بحسب خبراء – الفجوة الكبيرة في مستوى الدخول بين مصر وتلك الدول، فضلًا عن تآكل القوة الشرائية للسائح القادم من الأسواق التقليدية لمصر.
خلاصة المشهد
في المحصلة، يكشف قرار رفع رسوم التأشيرة عن عقلية مالية قصيرة الأجل تُدار بها الدولة، تقوم على تعظيم الإيرادات بأي وسيلة ولو على حساب القطاعات الإنتاجية. وبينما تراهن الحكومة على تحصيل بضعة دولارات إضافية من كل سائح، يخشى العاملون في القطاع من أن تتحول هذه «الزيادة البسيطة» إلى حجر جديد في جدار النفور السياحي، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى كل دولار نقدي أكثر من أي وقت مضى.
