يشهد قطاع الغاز في مصر منذ عدة أيام إضرابًا واسعًا لعمال شركة "مودرن جاس" في قنا وسوهاج وعدد من المحافظات الأخرى، احتجاجًا على أوضاعهم الوظيفية والمالية. ويؤكد العمال أن مطالبهم الأساسية، المتمثلة في إلغاء عقود العمل من الباطن، والتعيين المباشر، والحصول على أجر لا يقل عن الحد الأدنى المقرر، وضمان أمان وظيفي يتناسب مع سنوات خدمتهم، هي مطالب مشروعة ومتسقة مع الدستور والقانون والالتزامات الدولية لمصر.
ومساء الجمعة الماضي، أُلقي القبض على 16 من عمال فرعي الشركة الحديثة للغاز الطبيعي «مودرن جاس»، في محافظتي سوهاج وقنا، وبحسب مصدر من عمال سوهاج، فإن الأمن الوطني شن حملة على البيوت وألقى القبض على نحو سبعة من عمال فرع الشركة بالمحافظة، فيما قال مصدر من عمال قنا، إن نحو تسعة من زملائه قُبض عليهم بالتزامن، وذلك على خلفية احتجاجات عمال الفرعين المستمرة منذ نحو أسبوع، للمطالبة بالتعيين مباشرة في الشركة، وإلغاء عقود العمل من الباطن، مع شركة المؤسسة العربية للتوريدات والمقاولات، بحسب "مدى مصر".
وفي 16 نوفمبر الماضي، نظم العمال وقفة احتجاجية في محافظتي سوهاج وقنا، للمطالبة بالتعيين بعد مرور 7 إلى 14 عاما من العمل دون عقود.
كان عمال سوهاج قد بدأوا إضرابًا عن العمل، الأربعاء الماضي، في اليوم التالي لتنظيم زملائهم في قنا وقفات احتجاجية، للمطالبة بنفس المطلب، اشتكوا خلالها لموظفين من مكتب العمل من استقطاعات العربية للتوريدات من رواتبهم شهريًا، مطالبين باتخاذ إجراء لتعيينهم مباشرة لدى مودرن جاس، فيما اكتفى موظفو العمل، بوعد ببحث المشكلة.
فين حقوقنا..
وأشار عمال مودرن جاس المضربين عن العمل في سوهاج وقنا إلى مجموعة حقوق مهدرة:
استمرار عقود الباطن المبرمة عبر شركة المؤسسة العربية للتوريدات والمقاولات، مطالبين بالتعيين المباشر داخل مودرن جاس حيث تتركز الأزمة في العمل بنظام المقاولين أو ما يُعرف بـعقود الباطن.
عدد كبير من العمال الذين أمضوا سنوات طويلة في خدمة الشركة لا يحصلون على حقوقهم الوظيفية الكاملة أسوة بزملائهم المعينين بعقود مباشرة.
عبر بعضهم عن فقدان الأمان الوظيفي والمزايا الممنوحة للعاملين في شركات قطاع البترول.
وتقدم العمال بمذكرة إلى مكتب العمل يشكون فيها من الاستقطاعات الشهرية التي تفرضها الشركة العربية للتوريدات على رواتبهم، مطالبين باتخاذ إجراءات لضمان تعيينهم المباشر.
العمال يعملون منذ نحو 10 سنوات بعقود باطن تُجدد سنويًا عبر الشركة العربية للتوريدات التي تخصم ما يقارب 1300 جنيه من راتب كل عامل مقابل استمرار تعاقده للعمل داخل مودرن جاس.
ويثير هذا الإضراب تساؤلات حول دور الحكومة، بوصفها صاحب عمل في هذه القطاعات، إذ يبدو أنها تتغاضى عن تطبيق القوانين والمعايير التي أقرتها هي نفسها، ما يفتح المجال أمام أصحاب الأعمال في القطاع الخاص للإفلات من الالتزام بالقانون وانتهاك حقوق العمال دون رادع.
وبحسب منظمات حقوقية فإن هذا الوضع يناقض أحكامًا دستورية وقانونية واضحة، منها أن العمل حق تكفله الدولة، وأن عليها حماية حقوق العمال وضمان أجر عادل وحياة كريمة، فضلًا عن الحق في الإضراب السلمي. كما أن استخدام العقود محددة المدة والمتجددة لعشر سنوات أو أكثر في أعمال دائمة يحوّل العلاقة الواقعية إلى علاقة عمل غير محددة المدة، يجب أن يتمتع صاحبها بضمانات الاستقرار الوظيفي. كذلك فإن مخالفة القواعد المنظمة للحد الأدنى للأجر، والاستقطاعات الكبيرة من الأجر، تمثل انتهاكًا للقانون المحلي والدولي، الذي يحظر على صاحب العمل أو من يمثله اقتطاع أي جزء من أجر العامل مقابل تشغيله أو استمراره في العمل.
وفي ظل هذه الانتهاكات، تطالب المفوضية المصرية وزارة العمل بفتح تحقيق عاجل في عقود العمال المتعاقدين عبر "المؤسسة العربية للتوريدات والمقاولات"، وضمان عدم تعرض المضربين لأي إجراءات انتقامية. كما تطالب وزارة البترول وإدارة "مودرن جاس" بوقف الاعتماد على عقود الباطن في الوظائف الدائمة، ووضع خطة زمنية لتثبيت العمال، خاصة من تجاوزت خدمتهم عشر سنوات.
كذلك دعت المفوضية المجلس القومي للأجور لمراجعة مدى التزام الشركة بالحد الأدنى للأجر، واتخاذ إجراءات رقابية معلنة ضد الكيانات التي تتحايل على القانون. وأعادت مطالبتها لمجلس النواب بفتح مناقشة تعديلات قانون العمل رقم 14 لسنة 2025 لسد الثغرات التي تسمح باستدامة العقود المؤقتة، وللنص صراحة على مسئولية صاحب العمل الأصلي عن حقوق العمال، وعلى الحظر الصريح لأي خصم من أجر العامل مقابل حصوله على العمل أو استمراره فيه.
ومع اعتقال أكثر من 10 عمال بشركة مودرن غاز في قنا، التابعة لوزارة البترول، بعد احتجاجهم للمطالبة بعقود تثبيت، وتطبيق الحد الأدنى للأجور كشفت التقارير أنهم يتقاضون فقط من 4 إلى 5 آلاف جنيه شهريا.
وقال مراقبون إنه "لو كانت هناك نقابة بحق، لما اعتقلوا وعادوا بمطالبهم كاملة وهي ببساطة تطبيق الحد الأدنى للأجور".
ومن بين العمال المعتقلين بشركة “مودرن جاس” عاملان في سوهاج تم التعرف على هويتهما وهما: محمود رمضان وشمس الدين عزام، إضافة إلى أربعة عمال آخرين في محافظة قنا لم ترد أسماؤهم بعد.
وتؤكد المفوضية أن القبض على العمال المضربين انتهاك صريح لحقهم الدستوري في الإضراب السلمي، وتطالب بالإفراج الفوري عنهم وضمان عدم تعرّض أي من العمال لإجراءات انتقامية على خلفية مشاركتهم في الاحتجاج، خصوصا مع توارد انباء عن تعرضهم للقمع والترهيب ومحاولة وقف البعض عن العمل بإلغاء البصمة.
وفقًا لشهادات موثقة حصلت عليها المفوضية المصرية، يبلغ عدد العمال المؤقتين نحو 2500 عامل موزعين على عدة محافظات، ويمثلون قرابة 75٪ من قوة العمل بالشركة. وهؤلاء يعملون بعقود من الباطن عبر شركة "المؤسسة العربية للتوريدات والمقاولات"، رغم أن طبيعة عملهم دائمة ومرتبطة بالنشاط الرئيسي للشركة. وبعضهم استمر بهذه الطريقة لأكثر من عشر سنوات دون الحصول على ضمانات العمل الدائم أو التأمينات الاجتماعية.
ويشكو العمال، خاصة في قنا وسوهاج، من قيام المقاول باقتطاع ما يصل إلى 30٪ من أجورهم نظير التعاقد من الباطن، إلى جانب تدني مستويات الأجر الفعلي بحيث تظل أقل من الحد الأدنى للأجر المقرر رئاسيًا بمبلغ سبعة آلاف جنيه شهريًا. هذا الوضع يعكس نمطًا متكررًا في مرافق عامة حيوية مملوكة للدولة وقطاع الأعمال العام، مثل الكهرباء والمياه والغاز، حيث تُدار أوضاع العمال بمنطق تقليص الكلفة لا بمنطق احترام الحقوق.
