في مشهد يُثير الغضب والسخرية معًا، أعلنت الأمم المتحدة انتخاب 14 دولة، من بينها مصر وفيتنام، لعضوية مجلس حقوق الإنسان للفترة بين 2026 و2028، في اقتراعٍ لم يشهد أي منافسة، ما اعتبرته منظمات حقوقية فضيحة أخلاقية جديدة تهز مصداقية المؤسسة الأممية التي يُفترض أنها "حامية للكرامة الإنسانية".
ورغم أن المجلس يُعدّ الجهاز الرئيسي للأمم المتحدة للدفاع عن حقوق الإنسان، فإن دخول نظامٍ مثل نظام السفاح عبد الفتاح السيسي إلى عضويته، يطرح تساؤلات مؤلمة:
كيف لبلدٍ يغصّ بسجونها أكثر من 60 ألف معتقل سياسي، وتُمارس فيها عمليات تصفية جسدية واعتقالات بسبب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، أن يُختار ممثلاً للإنسانية والدفاع عن الحريات؟
انتخابات بلا منافسة.. ومقاعد تُمنح للمنتهكين
الاقتراع الذي جرى الثلاثاء، لم يشهد أي منافسة حقيقية، حيث صوّتت الجمعية العامة للأمم المتحدة لاختيار 14 دولة لعضوية المجلس، بترتيب إقليمي متفق عليه مسبقًا.
وشملت القائمة أربع دول أفريقية هي أنغولا ومصر وموريشيوس وجنوب أفريقيا، وأربع دول من آسيا والمحيط الهادئ هي الهند والعراق وباكستان وفيتنام، إلى جانب إستونيا وسلوفينيا عن شرق أوروبا، وتشيلي والإكوادور عن أميركا اللاتينية، وأخيرًا إيطاليا وبريطانيا ممثلتين لغرب أوروبا.
وقال مراقبون: إن "هذا الانتخاب الصوري يُعيد للأذهان أسوأ صور المحاصصات السياسية التي تُفرغ الأمم المتحدة من معناها، وتُحولها إلى منصة لتلميع الأنظمة القمعية بدلاً من محاسبتها".
غضب حقوقي: “مجلس حقوق الإنسان يتحول إلى مهزلة”
مديرة الخدمة الدولية لمكتب حقوق الإنسان في نيويورك مادلين سينكلير، اعتبرت أن الانتخابات التي لا تقوم على المنافسة "تقوّض سمعة المجلس وتتيح لبلدان مرشحة أقل من مناسبة الوصول إليه وتعطيل مبادرات حقوق الإنسان".
أما مدير قسم الأمم المتحدة في منظمة هيومن رايتس ووتش، لوي شاربونو، فعبّر قبل التصويت عن استيائه قائلاً:
"الأصوات غير التنافسية تسمح لحكوماتٍ ترتكب انتهاكات صارخة، مثل مصر وفيتنام، بالانضمام إلى المجلس، وهو أمر يهدد بتحويله إلى مهزلة سياسية".
وبعد التصويت، كتب شاربونو على منصة "إكس":
"انتخبت الجمعية العامة دولتين منتهكتين لحقوق الإنسان، مصر وفيتنام، لعضوية المجلس. حان الوقت للتوقف عن منح مقاعد المجلس لحكومات تعسفية على طبق من فضة".
تواطؤ دولي.. ورد الجميل للسيسي
ويرى مراقبون ومعارضون مصريون أن انتخاب القاهرة ليس سوى مكافأة سياسية من القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، لنظام السيسي على دوره في حصار المقاومة الفلسطينية في غزة، وتجفيف منابع الإسلام السياسي في المنطقة، وتنفيذ السياسات الغربية في الشرق الأوسط دون نقاش.
يقول أحد النشطاء الحقوقيين المصريين في الخارج:
"لو كان هناك مجلس أممي للتعذيب وانتهاك الإنسانية، لكانت مصر في زمن السيسي أولى برئاسته، لا بعضويته فقط."
بينما يرى محللون أن دخول نظام متورط في جرائم الإخفاء القسري والتعذيب الممنهج والقتل خارج القانون إلى مجلس كهذا، يُشكّل صفعة على وجه ضحايا الاستبداد في العالم، ويؤكد أن "المنظومة الدولية لم تعد تقيس الأخلاق، بل المصالح".
خاتمة: حين يصبح القاتل قاضيًا
لم تكن مصر السيسي بحاجة إلى شهادة جديدة على انهيار المعايير الدولية، لكنها حصلت عليها رسميًا هذه المرة.
فحين يُكافأ من يملأ السجون، ويخنق الصحافة، ويغتال الحريات، بعضوية في مجلسٍ يُفترض أنه صوت الضمير الإنساني، فإن الرسالة واضحة:
العالم لم يعد يرى في حقوق الإنسان مبدأً، بل أداة سياسية قابلة للمقايضة.
في زمن السيسي، تتحول مصر من دولةٍ تُنتهك فيها حقوق البشر إلى رمزٍ للعبث الأممي، حيث يُنتخب الجلاد ليحاضر عن العدالة، وتُكافأ الأنظمة القمعية على قمعها في مشهد يُلخّص مأساة هذا العصر.