في خطاب جديد يعكس حجم التراجع في الموقف المصري الرسمي تجاه القضية الفلسطينية، أعلن المنقلب السفيه الفتاح السيسي أنه "غير مستعد لإدخال المساعدات إلى غزة بالقوة"، مدعياً أن ذلك قد يضر بمصر. هذا التصريح، الذي جاء في وقت تتفاقم فيه الكارثة الإنسانية في القطاع المحاصر، يفتح الباب واسعاً أمام تساؤلات حول أسباب الانحدار السياسي والأخلاقي الذي يميز حقبة السيسي، مقارنة بمواقف سابقة حافظت – ولو بالحد الأدنى – على دور مصر التاريخي.
مقارنة كاشفة: من مرسي ومبارك إلى السيسي
الرئيس الشهيد محمد مرسي، في فترة قصيرة لم تتجاوز العام، استطاع أن يوقف العدوان الإسرائيلي على غزة في أيام معدودة، مثبتاً أن لمصر وزناً لا يمكن تجاهله عندما تكون الإرادة السياسية مستقلة. حتى حسني مبارك، رغم تحالفاته الغربية المعروفة، كان يترك الأنفاق مفتوحة بشكل غير مباشر لإيصال الغذاء والدواء للفلسطينيين.
أما في عهد السيسي، فقد وصل الانحدار إلى أن تصبح مصر مجرد وسيط "فني" يرمم معبراً قصفه الاحتلال أربع مرات، لكنها لا تجرؤ على تمرير شاحنة واحدة دون إذن إسرائيلي، بل وتعلن ذلك على الملأ بتبجح وكأنه إنجاز.
ذرائع واهية وتبعية واضحة
تبرير السيسي بأن إدخال المساعدات بالقوة "يضر بمصر" يكشف عن رؤية ضيقة للأمن القومي، تختزله في الرضا الإسرائيلي والدعم الغربي، متجاهلاً أن غزة كانت دائماً خط الدفاع الأول عن سيناء، وأن تركها تنزف جوعاً وحصاراً يمثل تهديداً استراتيجياً لمصر نفسها.
الأدهى أن السيسي لم يتوقف عند حدود التخاذل، بل حاول التغطية على موقفه بالحديث عن "مشاريع التعليم والرعاية الصحية" وإنشاء كلية للطب العسكري، داعياً الأهالي لتشجيع أبنائهم على الالتحاق بها. خطاب داخلي فارغ بدا وكأنه محاولة للهروب من أسئلة كبرى حول غياب الدور المصري وتحوّله إلى تابع لا يمتلك قراراً سيادياً.
وعي الشعب وصلابته.. تناقض فاضح
أشاد السيسي في خطابه بما وصفه "وعي الشعب وصلابته منذ 2011"، لكن السؤال الذي يفرض نفسه: كيف يتسق هذا مع إغلاق المعابر في وجه المساعدات، وتسليم مفاتيح القرار المصري للإرادة الصهيونية؟ إن حديثه عن "وعي الشعب" يبدو في جوهره تناقضاً صارخاً مع الممارسات الفعلية، التي تُفرغ مصر من دورها وتهمّشها في محيطها العربي.
لماذا بلغ الانحطاط هذه الدرجة؟
يمكن تلخيص أسباب هذا الموقف المتردي في عدة نقاط:
1. التبعية الكاملة للاحتلال: السيسي ربط مصير نظامه بالدعم الإسرائيلي والأمريكي، فجعل القاهرة تدور في فلك تل أبيب.
2. توظيف غزة كفزاعة: النظام يروّج لفكرة أن أي دعم للقطاع يمثل تهديداً لمصر، لتبرير القمع الداخلي وتحويل الانتباه عن أزماته الاقتصادية والسياسية.
3. تفكيك الدور الإقليمي: بدلاً من أن تكون مصر لاعباً محورياً كما كانت في عهد الرئيس الشهيد عهد مرسي أو حتى مبارك، تحولت إلى "منفذ ثانوي" لقرارات الاحتلال.
4. إعادة تعريف الأولويات: بينما يهدر النظام المليارات على القصور والعاصمة الإدارية، يتهرب من مسئولياته القومية، ويقدّم الأمن الإسرائيلي كأولوية قصوى على حساب المصالح المصرية والعربية.
خطاب السيسي الأخير لم يكن مجرد تصريح عابر، بل هو انعكاس لطبيعة نظام كامل جعل من مصر دولة مرتهنة لإرادة الاحتلال. وإذا كانت غزة قد شكّلت دائماً معياراً لمدى استقلال القرار المصري، فإن المقارنة بين مواقف مرسي ومبارك من جهة، وموقف السيسي من جهة أخرى، تكشف بوضوح كيف تخلت مصر عن دورها المحوري.