لم تعد سياسة المنقلب السفيه عبد الفتاح السيسي في شراء الولاءات تقتصر على ضباط الجيش والإعلاميين، بل امتدت لتطال السلطة القضائية التي يفترض أن تكون حامية للعدالة. فخلال الأيام الماضية، انفجرت حالة من الغضب بين القضاة بعد الكشف عن قرار إعارة اثنين من أبناء كبار المسئولين القضائيين للعمل في محكمة رأس الخيمة بدولة الإمارات، في خطوة اعتبرها كثيرون عنواناً فاضحاً للمحسوبية وتوزيع "العطايا" على المحاسيب.
وبحسب مصادر قضائية، فقد شمل القرار المستشار يحيى مروان، نجل المستشار عمر مروان وزير العدل السابق ومدير مكتب السيسي الحالي، إلى جانب المستشار عمرو عياد، نجل النائب العام الحالي محمد شوقي عياد. القراران أثارا جدلاً واسعاً داخل أروقة القضاء، خاصة أن القاضيين ما زالا في بداية مشوارهما الوظيفي، بينما حُرم المئات من القضاة الأقدم والأكثر خبرة من مثل هذه الفرصة النادرة.
القضاة الغاضبون وصفوا الأمر بأنه تجسيد لنهج السيسي القائم على ربط المناصب والامتيازات بولاء العائلات النافذة، لا بالكفاءة أو الأقدمية، معتبرين أن الإعارة للخارج تحولت من حق يُمنح بالمعايير إلى رشوة سياسية تمنح لأبناء الموالين.
ويرى مراقبون أن هذه الفضيحة لا يمكن فصلها عن منظومة السيسي الأشمل، حيث يتم "توزيع الكعكة" بين دوائر النفوذ:
الجيش عبر ترقيات واستثناءات مالية.
الإعلام عبر المناصب والتمويل.
القضاء عبر الإعارات للخارج والانتدابات الداخلية.
هذا التسييس الممنهج للعدالة يفتح الباب لتآكل ثقة القضاة في مؤسستهم، ويكرّس شعوراً بأن الطريق إلى الامتيازات لا يمر عبر الجهد والخبرة، بل عبر القرابة والنفوذ. وهو ما يضع القضاء المصري أمام مأزق أخلاقي خطير: هل يصبح أداة في يد الحاكم لتوزيع المنافع، أم يبقى سلطة مستقلة تدافع عن العدالة؟
في النهاية، ما جرى في "فضيحة إعارة أبناء القضاة" ليس حادثة فردية، بل حلقة جديدة في مسلسل فساد ينسج خيوطه السيسي لإحكام السيطرة على كل مؤسسات الدولة، وتحويلها إلى إقطاعيات للولاء الشخصي، بعيداً عن أي معايير موضوعية أو شفافية.