بين قرار مثبت ونفي، ضاعفت حكومة عبدالفتاح السيسي مساهمة مرضي التأمين الصحي في ثمن دوائهم من 35 إلي 70 ٪ في حين يصر رئيس وزراء السيسي مصطفى مدبولي أن “تجاوزنا الأزمة الاقتصادية”!
وخدمة للمواطن لأقصى حد قررت وزارة الصحة أن يتحمل مريض التأمين الصحي الشامل 70% من العلاج، على منظومة الشراء الموحد شاملًا الضريبة، واستثنت من القرار أدوية البلافكس (مانع الجلطات) والإنترستو والإنسولين ل(مرضى السكري).
وعن إمضاء الحكومة للقرار وكون الورق المنتشر غير مختوم أكدت الصيدلانية مروة علاء عبر Marwan Alaa إلى تراجع “الحكومة” وتنفي زيادة نسبة تحمل مرضى التأمين الصحي في ثمن الدواء ليكون 70% بدلا 35%، في حين يؤكد نقابة الصيادلة وصول خطاب هيئة التأمين الصحي لهم بزيادة النسبة إلى 70% من ثمن الدواء.
وأكد مصطفى قنديل هلال عبر Mostfa Kandel Hlal أن قرار بزيادة مساهمة مرضى التأمين الصحي في ثمن الدواء ، يؤثر على شريحه كبيرة ممن يتعاملون مع التأمين الصحي يعني إذا كان سعر الدواء ب 100 لحضرتك كنت تدفع 35 جنيها، الآن تدفع 70جنيها أي زيادة الضعف”.
غير فارقة
إلا أن حسن بدوي Hassan Badawy قال: “نفت وزارة الصحة ما أثير على صفحات التواصل الاجتماعي بشأن زيادة أعباء مرضى التأمين الصحي، وحسنا فعلت الوزارة بتوضيحها السريع، ومع ذلك فما يتم طوال 10 سنوات من إفقار وجباية وإهمال ونهب للغالبية العظمى من الشعب وخاصة طبقاته الكادحة والمهمشين يجعلهم يصدقون إمكانية اتخاذ اي قرارات بتقطيع لحمهم الحي”.
وبعد حالة من الجدل والغضب، يبدو أن النفي جاء سريعا، ببيان رسمي بعدما تردد عن زيادة نسبة مساهمة مرضى التأمين الصحي في تكلفة الدواء، مدعية “أن القرار فُهم بشكل خاطئ”.
وقالت: “لم يطرأ أي تعديل على قواعد صرف الأدوية للمستفيدين من التأمين الصحي، ونفت صحة أي وثائق متداولة بهذا الشأن.”.
وزعمت أن “القرار يخص الأصناف التجارية فقط، وهي الأدوية التي يختارها المريض كبديل عن الدواء المجاني المتوفر، وهو نظام معمول به منذ سنوات.” مضيفة أن “القرار المتداول لا يمس الأدوية المجانية التي تُصرف للمنتفعين.”.
وعلق مجد الدين قاسم Magd-Eldin Kassem تحت عنوان “حكومة الأكاذيب وإفقار المصريين”: “أين هو تجاوز الأزمة الإقتصادية التى تتحدثون عنها.؟؟‼ .. ومرفق لسيادتكم الدليل على أن هذا الكلام غير صحيح نهائياً.. والدليل أيضاً على فشل منظومة التأمين الصحي ، حيث قررت السلطة المختصة زيادة أعباء الملايين من مرضى التأمين الصحي، وذلك برفع قيمة مساهمة المرضى في أسعار الأدوية إلى 70% بدلاً من 35%..؟!!..👈🏽اعتباراً من أول أغسطس 2025″.
المرضى يستغيثون
ومنذ فترة يستغيث مرضى التأمين الصحي بأنحاء مصر يُطالبون بحقوقهم الضائعة، ووجهوا عدة نداءات للمسؤولين بعد انهيار كامل في منظومة العلاج.
وقال مواطنون: المشترك في التأمين الصحي والموظفين وعمال الشركات القطاع العام والنقابات المهنية يدفعون اشتراكات سنوية كالتي يدفعها طلاب المدارس والجامعات ولا يستفيدون منها طوال سنوات خدمتهم في الحكومة أو القطاع الخاص دون انقطاع، ومع ذلك، حين احتاجوا إلى خدمات التأمين، فوجئوا بعدم توافر الأدوية والعلاجات الأساسية، وخاصة أصحاب الأمراض المزمنة”.
وأضاف أحدهم: “عندما لجأنا إليه، لم نجد إلا الإهمال وانعدام الدواء منذ أكثر من عام، نحن لا نطلب تفضلًا من أحد، بل نطالب بحق مدفوع مسبقًا”.
وللمواطن حق في العلاج مدفوع الثمن تماما كما المعاش الذي يعتبر جزء من الراتب يستقطع طوال سنوات الخدمة، وماذا يفعل ما يقرب من 69 مليون مواطن مستفيد من الهيئة العامة للتأمين الصحي في حين لا يجد الخدمة اللائقة بما يمس حقوق المرضى الأساسية في الحصول على الدواء المجاني.
وسبق لمسؤولي هيئة التأمين الصحي أن أعلنوا أن حقوق مرضى التأمين الصحي خط أحمر في التعامل مع الجهات المتعاقدة.
وأكد الأطباء أن “مريض التأمين الصحي يجب أن يحصل على حقه في الخدمة الطبية بشكل كامل ومتميز، دون أن يُطلب منه دفع أي مبالغ مالية إضافية. وأوضحوا أن الجهات المتعاقدة مطالبة بالالتزام التام بشروط التعاقد، لضمان حصول المرضى على الخدمات بجودة عالية ودون عناء في ظل بيئة علاجية تتسم بالشفافية والجودة لتعزيز ثقة المرضى في النظام الصحي الوطني”.
حصة الصحة في الدستور
ويزعم السيسي وحكومته بل ومستشارته للشؤون الاقتصادية د. هالة السعيد في المنتدى الأول للتأمين الصحي الذي عقد في فبراير الماضي، أن،
” النهوض بقطاع الصحة أولوية قصوى للدولة المصرية، ويرتكز ذلك على ما نص عليه الدستور المصري في المادة 18″!
في حين لا تلتزم الدولة في الإنفاق على قطاع الصحة، بما نص عليه الدستور في المادة 18، التي تنص على “تلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للصحة لا تقل عن 3% من الناتج القومي الإجمالي تتصاعد تدريجياً حتى تتفق مع المعدلات العالمية”.
حجم الإنفاق على الصحة
خلال موازنة العام الجاري 2024/2025، خصصت الحكومة 200.1 مليار جنيه للإنفاق على الصحة، وهو ما يمثل حوالي 1.17% من الناتج المحلي الإجمالي المتوقع والبالغ 17.1 تريليون جنيه.
وهو ما يعني أن الإنفاق المخصص للصحة يمثل نحو 39% فقط من النسبة الدستورية المنصوص عليها، والتي تُلزم الدولة بتخصيص ما لا يقل عن 3% من الناتج القومي الإجمالي للإنفاق على الصحة.
وخلال السنوات الماضية تراجعت نسبة الإنفاق على الصحة من الناتج المحلي من 1.55% في عام 2014/ 2015 إلى 1.17 % في موازنة العام الحالي.
وخلال ذلك العام المالي 2014 / 2015، بلغت موازنة الصحة نحو 37.2 مليار جنيه حسب مصروفات الموازنة الفعلية لهذا العام، وليس 42 مليار جنيه
بلغت مخصصات قطاع الصحة للعام المالي 2023/ 2024 ، نحو 147.8 مليار جنيه، بزيادة 19.7 مليون جنيه عن العام المالي السابق، وليس 222 مليار جنيه، بحسب البيان المالي لمشروع الموازنة، المنشور على موقع وزارة المالية.
وتوزعت أبرز المخصصات كالتالي:
الأجور وتعويضات العاملين : 73.8 مليار جنيه.
شراء السلع والخدمات: 33.1 مليار جنيه.
الاستثمارات العامة: 29.3 مليار جنيه.
الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية: 9 مليار جنيه.
تحايل حكومي
وتتبع وزارة المالية حيل لتضخيم مخصصات الصحة وزيادتها ورقيًا إلى النسب التي نص عليها الدستور المصري، حيث تبنت الوزارة منذ العام المالي 2016/ 2017، تعريفًا يسمح لها بتوسيع معنى الإنفاق على الصحة عند إعداد الموازنة، بإضافة ما يجري إنفاقه بشكل مباشر أو غير مباشر حتى ولو لم تنفقه الوزارات المعنية، وهو ما سبق ورفضه أحزاب سياسية ونواب برلمانيون.
ومن حيل الوزارة، تحميل قطاع الصحة نسبة من فوائد الديون الحكومية، عبر إجراء توزيع “شكلي” لفوائد الديون الحكومية بنسب تتوافق مع نصيب القطاع من الإنفاق عليه. بمعنى إذا كانت نسبة الإنفاق على الصحة 5%، فإن الحكومة تضيف نسبة 5% من فوائد ديونها العامة الى موازنة قطاع الصحة ، وبالتالي يظهر الرقم على الورق أكبر.
وتعلن وزارة المالية عن مخصصات تشمل بعض البنود المُدرجة في موازنات قطاعات أخرى بحسب قانون الموازنة العامة.
وعلى سبيل المثال، تدرج الإنفاق على مياه “الشرب والصرف الصحي”، ضمن الإنفاق على الصحة بدلًا من اعتباره ضمن الإنفاق على المرافق العامة، و تحسب نسبة الإنفاق على الصحة من الناتج المحلي الإجمالي المتوقع للعام المالي السابق، وليس من الناتج التقديري لنفس العام المالي، ما يؤدي ظاهريًا إلى زيادة النسبة.
واعترف عبد الفتاح السيسي، في تصريحات علنية في يونيو 2023، أنه لا يتم استيفاء نسب الإنفاق المنصوص عليها دستوريًا، حيث قال: “تقول لي استحقاق دستوري للصحة والتعليم؟ هل الدولة المصرية معها هذه الأموال للـ100 مليون، تعلمهم؟، الأرقام المطلوبة مش موجودة يا جماعة، لازم كلنا نبقى موجودين على أرض الواقع”.