في الذكرى الثانية عشرة للانقلاب العسكري في مصر، الذي أطلق واحدة من أشد حملات القمع وأكثرها دموية في تاريخ البلاد الحديث، تجدد المنظمات الحقوقية إدانتها لسياسات النظام المصري برئاسة عبد الفتاح السيسي، الذي واصل على مدار سنوات استهداف المعارضين السياسيين، مع استثناء منهجي للمعتقلين المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين والتيارات الإسلامية عامة، من أي مبادرات للإفراج أو العفو الرئاسي، مقابل الإفراج المتكرر عن جنائيين ومجرمين محكوم عليهم في قضايا جنائية.
منذ يوليو 2013، وثقت منظمات حقوقية محلية ودولية مقتل الآلاف واعتقال عشرات الآلاف من الرافضين للانقلاب، بينهم سياسيون، وصحفيون، وحقوقيون، وناشطون سلميون. ورغم مرور أكثر من عقد على هذه الأحداث، لا يزال أكثر من 60 ألف معتقل سياسي يقبعون في السجون المصرية في ظروف مأساوية تتنافى مع المعايير الدولية لمعاملة السجناء.
عفو انتقائي وإقصاء ممنهج للإخوان
تصريحات طارق الخولي، عضو لجنة العفو الرئاسي المشكلة بقرار من السلطات المصرية، كشفت بوضوح الطبيعة الانتقائية لقرارات العفو، حيث أقر في تصريحات لوسائل إعلام مصرية بأن اللجنة تستبعد بشكل كامل أي اسم لمعتقل ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين أو التيارات الإسلامية، بزعم أنهم "يمثلون خطرًا على الأمن القومي"، حتى وإن لم تثبت إدانتهم في أي أعمال عنف.
هذه السياسة المثيرة للجدل تكرّس نهجًا ممنهجًا لإقصاء فصيل سياسي كامل من الحق في الإنصاف القضائي، وتقوض أي أمل في المصالحة الوطنية أو التخفيف من حدة الانقسام المجتمعي، وفق ما يؤكد مراقبون وحقوقيون.
إفراج عن الجنائيين ودوامة التدوير القضائي
على النقيض، استمرت السلطات المصرية في إصدار قرارات عفو عن الآلاف من المحكومين في قضايا جنائية بمناسبات دينية ووطنية، أبرزها الإفراج عن 4466 سجينًا جنائيًا في يناير 2025، و746 آخرين في أبريل من العام ذاته، دون أن تشمل هذه القرارات أي معتقل سياسي، باستثناء حالات محدودة جاءت بعد ضغوط وانتقادات حقوقية واسعة.
وبينما يُحرم آلاف المعتقلين السياسيين من حقهم في الإفراج، يواجه كثير منهم سياسات "التدوير" القضائي، حيث يتم تجديد حبسهم أو توجيه اتهامات جديدة فور انتهاء مدة محكوميتهم، ما يجعل السجن أداة للعقاب المفتوح خارج إطار القانون.
انتهاكات ممنهجة داخل السجون
تقارير حقوقية متواترة توثق أوضاعًا كارثية داخل السجون المصرية، حيث يعاني المعتقلون من التعذيب، والإهمال الطبي المتعمد، وسوء التغذية، والحرمان من الزيارة، والحبس الانفرادي لفترات طويلة. وفي مايو 2025 وحده، رصدت منظمات محلية 3 حالات وفاة نتيجة التعذيب أو الإهمال الطبي، فيما وثق مركز "النديم" في تقريره الأخير وقوع 11 حالة وفاة و40 واقعة تعذيب خلال يونيو 2025.
نساء وأطفال في قبضة القمع
ولم تسلم النساء من آلة القمع، حيث تشير تقارير إلى وجود أكثر من 300 معتقلة سياسية بين طبيبات وصحفيات وحقوقيات وطالبات، كما تم توثيق وقائع اختفاء قسري بحق نساء وأطفال، من بينهم حبيبة أحمد محمد صبحي، المعتقلة مع والدتها وشقيقاتها منذ سبتمبر 2021، وسلّم عبد المجيد، وشيماء طه، اللتين ما زالتا مختفيتين منذ 8 أشهر.
مناشدة عاجلة للمجتمع الدولي
إننا إذ نُذكّر المجتمع الدولي بالتزاماته الأخلاقية والقانونية تجاه حقوق الإنسان في مصر، نطالب:
بالضغط على السلطات المصرية لإنهاء سياسات الاستبعاد السياسي والإفراج الفوري عن كافة المعتقلين السياسيين.
بإرسال لجان تقصي حقائق مستقلة لتفقد أوضاع السجون المصرية والتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان المستمرة.
بوقف كافة أشكال الدعم السياسي أو العسكري لنظام يواصل استخدام القضاء أداة للقمع.
إن استمرار هذه الانتهاكات يمثل خرقًا صارخًا للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية مناهضة التعذيب، وغيرها من المواثيق الدولية التي وقعت عليها مصر.
لا مصالحة ولا استقرار دون عدالة شاملة لجميع الضحايا، دون استثناء أو إقصاء.