تأثر عميق للاقتصاد المصري بالاتفاقات مع صندوق النقد خلال 44 عاما

- ‎فيمقالات

في ضوء تشابه وصفة صندوق النقد الدولي لعلاج المشاكل الاقتصادية بالدول النامية التي تلجأ إليه، يركز الاقتصاديون على أثره على خفض الإنفاق العام، من خلال تقليل عدد العاملين بالقطاع العام، وتقليل مخصصات الدعم بأنواعه، وتقليل الاستثمارات العامة، وأثره على خفض العملة المحلية مقابل الدولار، وتشجيع دور القطاع الخاص والاستثمارات الخاصة المحلية والأجنبية.

تسبب الصندوق في ظهور مصطلحات لم تكن متداولة جماهيريا من قبل، كالخصخصة والمعاش المبكر والتعويم وصناديق الاستثمار والتمويل العقاري والتمويل المتناهي الصغر والصندوق الاجتماعي وغيرها.

لكنّ تجربة اتفاقيات مصر مع الصندوق والتي تمتد إلى عام 1962، وتكررت عام 1964 ثم 1978 و1987 و1991 و2016، تشير إلى أن برامج الصندوق تحدث تغييرا شاملا بالاقتصاد المصري، الأمر الذي دفعه للانخراط بالاقتصاد الحر خاصة منذ السبعينيات وانتهاج سياسة الانفتاح الاقتصادي، ليشمل الأمر شركات القطاع العام والتجارة الخارجية والمالية العامة، بما لذلك من آثار سلبية اجتماعية طالت الفقراء والطبقة المتوسطة.

تسبب الصندوق في ظهور مصطلحات لم تكن متداولة جماهيريا من قبل، كالخصخصة والمعاش المبكر والتعويم وصناديق الاستثمار والتمويل العقاري والتمويل المتناهي الصغر والصندوق الاجتماعي وغيرها.

 

زيادة الضرائب والرسوم

في عام 1981، صدر قانون الضريبة على الاستهلاك الذي فرض ضريبة على 53 سلعة، ما بين السلع الغذائية والوقود والأجهزة المنزلية والكهربائية والسيارات. وبعام 1991، تم استبداله بقانون الضريبة على المبيعات الذي فرض ضريبة بنسبة 10% على السلع المحلية والمستوردة، والخدمات السياحية والاتصالات وتأجير السيارات والبريد السريع واستخدام الطرق.

وفي عام 2016، تم استبداله بقانون الضريبة على القيمة المضافة الذي زاد سعر الضريبة إلى 14% على السلع المحلية والمستوردة وعلى خدمات الاتصالات والتشغيل للغير والفنادق والمطاعم السياحية، وامتد الأمر للضريبة على الدخل بصدور قانون الضريبة على الدخل عام 1981، ليسري على إيرادات النشاط التجاري الصناعي والمهن غير التجارية، والمرتبات وإيرادات الثروة العقارية وإيرادات رؤوس الأموال المنقولة، وتم استبداله بقانون آخر عام 2005.

وبعام 1980، صدر قانون الدمغة الذي تعددت أوعيته النوعية مثل العقود والشهادات الدراسية وخدمات النقل والرخص الإدارية واشتراكات التليفونات، وكذلك أوعيته النسبية كأقساط التأمين والمحررات المصرفية والمسابقات والمكافآت التي تصرفها الجهات الحكومية، وجرت تعديلات كثيرة على القانون لضم أنشطة أخرى وزيادة القيمة.

وهو ما حدث بصدور قانون رسم التنمية عام 1984، الذي شمل فرض رسوم على جوازات السفر ورخص السلاح، والسيارات والمحررات وتذاكر السفر للخارج والمحاجر ورخص القيادة، ليتكرر رفع قيمة تلك الرسوم وإضافة مجالات أخرى لها بالسنوات التالية.

وتبارت الوزارات الحكومية في فرض رسوم على الخدمات التي تقدمها، مثل خدمات السجل المدني والمرور والجوازات بوزارة الداخلية التي يتكرر دوريا رفع قيمتها، وتكرار الأمر بالخدمات التي تقدمها وزارات التعليم والصحة والتموين والبيئة والتضامن الاجتماعي وغيرها.

 

تنشيط دور البنوك الخاصة

مع المشاورات التي تمت مع الصندوق ببدايات النصف الثاني من السبعينيات من القرن الماضي، تم السماح بعمل فروع البنوك الأجنبية ومارست البنوك الخاصة المحلية والأجنبية عملها، كما ظهرت شركات التأمين الخاصة.

وببداية عام 1991، تم تحرير أسعار الفائدة على الودائع والقروض بعد أن كان يتم تحديدها إداريا، وتم السماح بإنشاء شركات للصرافة تتعامل بالبيع والشراء بالعملات الأجنبية عام 1991، بعد أن كان ذلك مقصورا تاريخيا على البنوك الحكومية فقط.

وجاء تعديل قانون البنوك عام 1992 بالسماح بفتح مكاتب تمثيل للبنوك الأجنبية بمصر، والسماح للبنوك الأجنبية وفروع البنوك الأجنبية بالتعامل بالجنيه المصري، وتكوين اتحاد البنوك لتنظيم المنافسة الصحية بين البنوك ككيان يعبر عن مصالح البنوك العاملة بالسوق.

ومع تنشيط عمليات الخصخصة، جرى بيع بنك الإسكندرية الذي كان تابعا للقطاع العام سنة 2006 لأحد البنوك الإيطالية، وكان الصندوق قد طلب وقتها خصخصة بنكين حكوميين، لكن الحكومة تحايلت لتأجيل بيع بنك القاهرة الذي كان مرشحا للبيع عام 2007، لينتظر البيع بالسنوات الأخيرة وتشير تصريحات قياداته لاحتمال إتمام ذلك أوائل العام القادم، كما طلب الصندوق بيع حصص البنوك العامة بالبنوك المشتركة التي تجمع بين الملكية العامة والخاصة وهو ما تمت الاستجابة له.

رغم مطالبة الصندوق بخصخصة الشركات العامة مبكرا، فإن فكرة الخصخصة واجهت خلال السبعينيات من القرن الماضي معارضة من جانب العاملين بالشركات الحكومية وعدد من الاقتصاديين، وظلت الحال هكذا بفترة الثمانينيات، حتى كان الاتفاق مع الصندوق عام 1991 ليتم البدء بقوة بتنفيذ البرنامج

 

تنشيط التمويل غير المصرفي

سعى الصندوق مبكرا لتنشيط البورصة المصرية حتى تساهم في التمويل للمشروعات من خلال زيادة رؤوس أموالها، ولكي تساهم بعمليات خصخصة الشركات العامة. وبصدور قانون سوق رأس المال عام 1992 تهيأ المجال لإنشاء شركات الوساطة المالية، مثل شركات السمسرة وشركات تكوين وإدارة المحافظ المالية وشركات ترويج الاكتتاب في الأوراق المالية.

إلى جانب ظهور صناديق الاستثمار التي أتاحت التعامل بالأوراق المالية لقطاع أكبر من الجمهور، وتلا ذلك صدور قانون الإيداع والقيد المركزي للأوراق المالية عام 2000، وقانون التمويل العقاري عام 2001، وبصدور قانون تنظيم الرقابة على الأسواق والأدوات المالية غير المصرفية عام 2009، أصبحت هناك مظلة رقابية تجمع أنشطة التمويل غير المصرفي من أسواق رأس المال وأنشطة التأمين، والتمويل العقاري والتأجير التمويلي والتخصيم والتمويل الاستهلاكي والتوريق والضمانات المنقولة.

 

خفض العمالة بالحكومة

جاء مطلب الصندوق بخفض العمالة بالحكومة مبكرا، حيث صدر قانون جديد للعاملين المدنيين بالدولة عام 1978، اتساقا مع البرنامج المصري مع الصندوق بنفس العام، ومنذ عام 1985 توقف التعيين بالحكومة عن طريق وزارة القوى العاملة.

وتتشابه الصورة بإصدار السلطات قانونا جديدا للخدمة المدنية للعاملين بالحكومة عام 2016، كما قامت بالعام الأول لتنفيذ الاتفاق بخفض العمالة بالحكومة بنحو 749 ألف موظف، مقابل 116 ألف موظف تركوا الخدمة بالعام المالي السابق لأسباب تتعلق معظمها ببلوغ سن المعاش أو عدم القدرة الصحية على العمل.

ولم يقتصر الأمر على عدد العاملين بالحكومة ولكن أيضا على مخصصات أجورهم بالموازنة الحكومية، لخفض الإنفاق الحكومي وهو ما تمت الاستجابة له أيضا، لينخفض النصيب النسبي لأجور العاملين بالحكومة بسنوات تنفيذ الاتفاق مع الصندوق عما كان قبله.

 

تنشيط برنامج الخصخصة

رغم مطالبة الصندوق بخصخصة الشركات العامة مبكرا، فإن فكرة الخصخصة واجهت خلال السبعينيات من القرن الماضي معارضة من جانب العاملين بالشركات الحكومية وعدد من الاقتصاديين، وظلت الحال هكذا بفترة الثمانينيات، حتى كان الاتفاق مع الصندوق عام 1991 ليتم البدء بقوة بتنفيذ البرنامج، من خلال قانون قطاع الأعمال العام الذي صدر عام 1991، ليجمع تحت مظلته 314 شركة حكومية كانت تابعة للوزارات المختلفة، في إطار وزارة قطاع الأعمال العام المسؤولة عن إعداد الشركات للخصخصة.

وبدأ البيع بحصص أقلية بالبورصة لاقت رواجا مع تحقيق المشترين للأسهم مكاسب رأسمالية، مما دفع لطرح نسب أكثر من أسهم الشركات، إلى جانب البيع للمستثمر الإستراتيجي الذي يتعهد بتطوير الشركة، وبيع بعض الشركات لاتحادات العاملين المساهمين، إلى جانب تصفية بعض الشركات أو دمجها بشركات أخرى أو تأجير خطوط الإنتاج بها.

وهكذا وصل عدد الشركات التابعة لقطاع الأعمال العام منتصف عام 2021 نحو 90 شركة، قبل قرار تصفية شركة حكومية منتجة للكوك مؤخرا، ورغم إعلان الحكومة عن بيع حصص بعدد من الشركات والبنوك عام 2018، فإنها لم تنجح بذلك بسبب أوضاع البورصة غير الملائمة على حد زعمها، رغم نجاح أطروحات لشركات خاصة بتلك الفترة، إلا أنه مع كبر حجم الديون الخارجية مؤخرا، والإعلان عن مبادلة الديون الخليجية بحصص من الشركات الحكومية، يتوقع تنشيط بيع حصص بالشركات الحكومية.

وهو ما حدث بالفعل بالعام الحالي لصناديق سيادية إماراتية وسعودية، ويتوقع تكراره للصندوق السيادي القطري، وتوسع شركات إماراتية وسعودية وربما كويتية وبحرينية وعُمانية بشراء حصص من الشركات الحكومية، خاصة أن تلك الجهات الخليجية تحدد الشركات التي ترغب بشراء حصصا منها، وتستفيد من ظروف البورصة المصرية السيئة بالعام الحالي وتدني أسعار أسهم تلك الشركات، وتولي أحد الصناديق التابعة للصندوق السيادي المصري مهمة تجهيز تلك الشركات للبيع، واتساع مجال البيع للحصص ليشمل الموانئ والحاويات والفنادق وشركات للجيش، وما زال المجال مفتوحا لإضافة أنشطة أخرى مع أزمة نقص الدولار ربما تشمل الإعلام، فقبل نصف عام لم تكن بعض المجالات التي أُعلن عنها مؤخرا مطروحة للبيع.

وإلى جانب ما سبق، يتسع المجال لتأثير صندوق النقد بقضايا تعويم الجنيه والدعم السلعي والخدمي والمالي، وتنشيط القطاع الخاص ورفع القيود على التجارة الخارجية وزيادة حصة الدول الغربية بالتجارة الخارجية، وتخفيف الإجراءات الجمركية وتحويل الهيئات العامة لشركات وغير ذلك.

كما يمكننا أن نتوقع الجديد من الآثار خلال الاتفاق المرتقب مع الصندوق، خاصة فيما يخص بيئة الاستثمار والمزاحمة للقطاع الخاص، وقانون التأمين الموحد وقانون العمل الجديد وتعديلات قانون حماية المنافسة، وتعديلات قانون البناء الموحد وقانون الإدارة المحلية، وغير ذلك مما يجري بالمفاوضات المستمرة عبر 6 أشهر ولم يتم الكشف عنه بعد.

…………

نقلا عن "الجزيرة نت"