لماذا يفضل اللاجئون السوريون الفرار إلى تركيا دون جيران الحدود؟

- ‎فيتقارير

مخطئ من يعتقد أن روسيا أقوى من تركيا في سوريا، تملك روسيا سيطرة جوية وبقية من جيش الأسد، أما تركيا فيمكنها تجنيد نصف مليون مقاتل سوري، ولو قدمت لهم تسليحا عاديا مع صواريخ كافية من جراد 40 كم، يمكنهم تدمير قاعدة حميميم الروسية ومطارات الأسد الشمالية، وكسب المعركة البرية، وبات السؤال لماذا يفضل ملايين السوريين الفرار إلى تركيا دون غيرها؟

والإجابة واضحة يفرون إلى من يحميهم ممن يقتلهم، وعلى ذكر من يقتلهم فقد أفاد ناشطون سوريون بأن قاعدة حميميم الجوية التابعة للاحتلال الروسي، بريف اللاذقية، تعرضت لهجمات نفذتها طائرات مسيرة مجهولة الهوية، مساء أمس الجمعة.

مقاومون من إدلب

وكانت أنباء قد أشارت في وقت سابق إلى رصد دفاعات الاحتلال الروسي طائرات مسيرة وإسقاطها، فيما قال ناشطون إن الضربات استهدفت منظومة “إس400” للدفاع الجوي، المتمركزة بالقاعدة، وإنها أسفرت عن مقتل ضابط للاحتلال الروسي.

ولم يصدر على الفور تأكيد أو نفي رسمي من موسكو بشأن تلك الأنباء، وكان موقع قناة “روسيا اليوم” قد نقل قبل أيام عن إعلان وزارة الاحتلال الروسية إسقاط طائرتين مسيرتين أطلقهما مقاومون من إدلب قرب قاعدة حميميم المحتلة.

بدورها تحدثت مواقع للاحتلال الروسي عن استهداف مقاتلات من طراز “سو-34 إس” ثلاث راجمات صواريخ تركية من طراز “تي-122 سكاريا”، زاعمة أنها كانت تستعد لاستهداف حميميم.

وتأتي هذه التطورات بعد ساعات من إسقاط المعارضة السورية مروحية تابعة للنظام، هي الثانية في غضون أربعة أيام، ويقدم حلف “الناتو” الذي تهيمن عليه واشنطن كامل إمكانياته للجيش التركي، من ضمنها أنظمة رادار ودفاع جوي متقدم وطائرات الاواكس والقيادة والسيطرة، ويرى مراقبون أن الغرب يشجع تركيا على مواجهة روسيا في سوريا، وينبغي لتركيا أن لا تبتلع الطعم كما ابتعله صدام حسين في الكويت.

ومنذ انقلاب 2016 الفاشل في تركيا، انعدمت الثقة بين انقرة وحلف الناتو، إلا أن الأوضاع بعد قمة الناتو الماضية تغيرت؛ حيث يبدو أن أعضاء الناتو ضمنوا لتركيا الوقوف معها بعد أن هددت بالانسحاب منه، ومع حاجتهم لها بعد ضعف الدور العسكري الأمريكي بالمنطقة، وانسحاب بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، لكن يقينا يريد “الناتو” أن يضع تركيا في مواجهة روسيا في سوريا، ويورطها ثم يتخلى عنها.

ويقينًا فإن الغرب وأمريكا يعادون تركيا وروسيا، لكن عداءهم للترك أشد فهو عداء عقدي، بينما عداؤهم للروس عداء منافسة على القوة والسيطرة، وعداء سياسة ومصالح، وتعلم أنقرة أنها باتت مستهدفه بعد الضغط عليها في إدلب بعدم دعم ليبيا، ولهذا وجب الدفاع عن نفسها في إدلب قبل الدفاع عن السوريين.

معادلة المواقف

في المقابل، فإن المحتل الروسي “بوتين” عين له في الجنة وأخرى في النار، وذلك لأن روسيا حاضرة في سوريا لمصالح الجغرافيا، والحد من التواجد الامريكي و الغاز، بينما علاقة موسكو مع تركيا يشوبها الثأر والتوتر منذ العام 2016 ، إلا أن موقف الأتراك من رفض الانقلاب أربك معادلة المواقف.

ويعلم بوتين يقيناً أهمية تركيا إلى روسيا أكثر من العالم العربي، فحجم التبادل الاقتصادي بينهما ضعف التبادل بين روسيا وكامل العالم العربي، وأكثر بنحو 40 ضعف من التبادل مع سوريا، لذلك روسيا بحاجة لتركيا أكثر من أي جهة أخرى، وذلك ما يمنعها من المواجهة المباشرة معها في سوريا.

من جهته، أشار الكاتب المختص بالشأن التركي سعيد الحاج، إلى أن “تركيا لا تريد الدخول في مواجهة عسكرية مع روسيا، لكنها تريد لجم النظام السوري عن التقدم، وبالتالي انتهاكه لاتفاقية سوتشي 2018”.

وأكد أن “هناك عدة خيارات لتركيا لفعل ذلك، منها دعم المعارضة وتعزيز نقاط المراقبة العسكرية التابعة لها، لكن ليست هناك رغبة ولا إرادة ولا حتى قدرة تركية لمواجهة روسيا”، وفق قوله.

وتابع الحاج: “بالتالي فإنه بهذا المعنى ليس هناك حاجة تركية لدعم الناتو من الناحية العسكرية، وإنما بطبيعة الحال باعتبار أن هناك خلافات عميقة بين أنقرة وموسكو في ملف إدلب، ومع التفاوض المتعثر بينهما، فمن الواضح أن تركيا تريد التسلح قدر الإمكان بمواقف داعمة لها”.

ولفت إلى أن “الموقف الأمريكي الذي بدا أنه داعم لتركيا حتى هذه اللحظة، شكل أحد الأمور التي رفعت سقف الموقف التركي، وأعتقد أن عين أنقرة ستبقى على الموقف الأمريكي خلال تفاوضها مع موسكو فيما يتعلق بإدلب”.

وأردف الحاج: “لكن لا رغبة لتركيا حاليا بالحصول على دعم عسكري من الناتو، ولا يوجد ضرورة لطلب تفعيل المادة الخامسة من ميثاق الناتو”، مستدركا: “تركيا ستطلب بالتأكيد دعم الناتو في حال تدحرجت الأحداث وحصل صدام مباشر مع روسيا”.

وأوضح أن روسيا حرصت وعملت على مدى سنوات على إبعاد تركيا عن الناتو وأمريكا قدر الإمكان وتقريبها إليها كهدف استراتيجي، متوقعا أن “ينعكس هذا الحرص الروسي على ملف التفاوض، وسعي موسكو للوصول إلى اتفاق مع أنقرة”.

تدفق السوريين

وعلى مدار الأعوام الثمانية الأخيرة، فتحت تركيا أبوابها للاجئين السوريين، لتستقبل ما يزيد على 4 ملايين لاجئ بنسبة 63.4 من إجمالي عدد اللاجئين السوريين في العالم، ليشكلوا بذلك واحدًا من أكثر الملفات الإشكالية في البلاد.

وفي هذا الصدد، قال الكاتب الصحفي التركي، إسماعيل باشا، إن “تركيا فتحت حدودها على مصراعيها أمام تدفق السوريين الهاربين من مجازر قوات النظام والميليشيات الطائفية، وحاولت أن تتعاطى مع ملف اللاجئين في إطار الأخوة المبنية على مبدأ الأنصار والمهاجرين، إلا أن الأيام أظهرت أن هذه السياسة لم تكن واقعية، ومهما كانت أهدافها نبيلة، فإنها اصطدمت بالحقائق الاجتماعية التي أكدت أن الأتراك ليسوا كلهم يؤمنون بتلك الأخوة وذاك المبدأ”.

وأضاف أن “المجتمع التركي لم يكن مستعدًّا لاستقبال هذا العدد الهائل من اللاجئين دفعة واحدة، كما أن مدى تقبل السكان لاستضافة اللاجئين يختلف من منطقة إلى أخرى. فهناك مناطق نسبة التفهم لدى سكانها لظروف اللاجئين والتعاطف معهم أعلى مما لدى سكان مناطق أخرى. وكان من الأفضل أن تتجنب الحكومة التركية قدر الإمكان استضافة اللاجئين في تلك المناطق التي لا يرغب معظم سكانها في احتضان اللاجئين”.