خلال أيام قليلة سوف يبصم برلمان الانقلاب على الموازنة الجديدة 2018/2019، التي تشير بشكل متزايد إلى أمرين:
(الأول) زيادة الجباية من الشعب والبسطاء، من خلال زيادة الضرائب والرسوم والغرامات على أي خدمة موجهة للشعب ورفع اسعار الوقود والكهرباء والمياه، ومن ثم باقي السلع.
(الثاني): الارتفاع الكبير في الدين العام وأعباء خدمة الديون وأقساطها التي تلتهم نحو 75% من الموازنة، بعدما فتح السيسي الاقتراض من الخارج علي البحري حتى اصبحت ديون مصر رسميا وفقا للبنك المركزي حوالي 85 مليار دولار حتى يناير الماضي فقط، وأكثر من 105 مليار دولار إذ اضيف لها ما يسمي “السندات الدولية”، وهي عبارة عن ديون لمصر يشتريها مستثمرون أجانب ويحصلون بموجبها على فائدة تعادل 20%.
وبحسب الموازنة الجديدة زاد حجم الفوائد فقط على الديون 541.305 مليار جنيه مقابل 437.908 مليار متوقعة في العام الماضي 2017-2018.
وارتفعت ملكية الأجانب لأدوات الدين الحكومية المصرية إلى 23.1 مليار دولار في نهاية شهر مارس 2018.
وتسبب الخفض الكبير للجنيه والرفع الكبير للفائدة في استغلال مضاربين أجانب للفرصة واشتروا سندات حكومية بعد تغيير الدولار بأقل من 18 جنيه بقيمة 20 مليار دولار وبفائدة 20% فأصبح كأن المضاربين الأجانب أقرضوا الحكومة دولار بفائدة 20% بما يعني خروج 4 مليار دولار سنويا خارج مصر مقابل قرض 20 مليار دولار ودون اضافة حقيقية للاقتصاد المصري ومجرد مضاربة لأموال ساخنة!.
وأدت سياسات رفع الفائدة التي اتبعتها سلطة الانقلاب إلى زيادة أعباء الدين الداخلي ووصوله إلى 4 تريليون جنيه، كما أدى التوسع في الاقتراض الخارجي الى ارتفاع الدين الخارجي الى 85 مليار دولار بخلاف ديون السندات، ولو حسبنا الدين الخارجي في صورة داخلي بـ20 مليار دولار، فهذا يعني ارتفاع الديون الكلية الي أكثر من 125 مليار دولار، تتحملها عدة أجيال مقبلة بصورة تهدد بعدم الاستقرار.
ويزيد من حجم الكارثة أن الحكومة والبنك المركزي نفذوا تعليمات كريس جارفيس مسئول البنك الدولي عن مصر دون مناقشة على أساس صندوق النقد الدولي هو الذي يفهم فقط، ولكن الصندوق نفسه أدرك فشل “جارفيس” بسبب أخطائه وتخبطه في تطبيق البرنامج، وعينوا بدلا منه خبير مالي هندي هو “سوبير لال” كمسئول عن برنامج مصر، بما يعني اعترافا غير معلن بفشله، ومع هذا لا تزال سلطة الانقلاب تنفذ برنامج المدير المطرود الفاشل!!.
واعترفت حكومة الانقلاب في نشرة طرح السندات الدولارية الأخيرة، أنه مطلوب منها سداد 14.6 مليار دولار ديونا خارجية وخدمات للديون خلال 2018، وكذلك 11 مليار دولار في 2019، ومعني هذا ان الاحتياطي النقدي (42.5 مليار) سيقل هذا العام الي 27.9 مليار دولار، ويقل العام المقبل الي 16.9 مليار (متوقع مزيد من الديون في ظل عجز الاقتصاد).
إلغاء الدعم يخنق المصريين
أبرز ما تسعي له سلطة الانقلاب بالتنسيق مع شروط قرض صندوق النقد الدولي هو إلغاء الدعم المقدم للسلع الرئيسية ممثلة في فاتورة دعم الوقود التي انخفضت في الميزانية من 110 مليارات جنيه إلى 90 مليار جنيه.
وهذه ثالث مرة يتم فيها رفع أسعار المواد البترولية في فترة زمنية تقترب من عام واحد، ما يعني رفع اسعار البنزين والسولار مرة ثالثة بنحو 50% يوليه المقبل، ما بين جنية وجنيهان وكذلك البوتاجاز، ما سينعكس على رفع اسعار الخضر والفاكهة والدواجن واللحوم وباقي السلع بسبب ارتفاع تكلفة النقل، وينعكس أيضا على رفع اسعار المواصلات المختلفة.
وتنوى الحكومة رفع أسعار تذاكر المترو بداية من شهر يوليه المقبل نحو ثلاثة أضعاف إلى ستة جنيهات مقابل جنيهين في الوقت الحالي، بحيث سيبدأ سعر التذكرة من جنيهين للمحطات التسع الأولى وسيزيد بمقدار جنيه لكل تسع محطات إضافية، على أن يكون الحد الأقصى لسعر التذكرة 6 جنيهات للخط الكامل، وفقًا للمعلن من وزارة النقل حتى الآن.
أيضا جري خفض دعم الكهرباء من 30 مليار جنيه خلال العام المالي الجاري إلى 16 مليار جنيه، ما يعني ارتفاع فاتورة الكهرباء بصورة جنونية، واستمرار ارتفاعها بمعدل سنوي حتى الغاء الدعم بالكامل.
وكانت وثيقة حكومية حصلت عليها رويترز قد ذكرت أن الحكومة تخطط لخفض دعم المواد البترولية بحوالي 26% على أساس سنوي إلى 89.08 مليار جنيه، وخفض دعم الكهرباء بنسبة 47% ليصل إلى 16 مليار جنيه مقابل 30 مليار جنيه متوقعة في 2018/2017.
وترفع الحكومة أسعار الكهرباء بشكل سنوي منذ عام 2014 ضمن خطة خمسية كانت تستهدف إلغاء الدعم بالكامل خلال 2019 إلا أنها مدتها لثلاث سنوات أخرى حتى 2022، وفى يوليه الماضي رفعت وزارة الكهرباء الأسعار بنسب تتراوح بين 21.7% و45.8%، ومن المنتظر أن يصاحب قرار رفع أسعار الكهرباء زيادة جديدة في أسعار مياه الشرب والصرف الصحي.
وعلى حين تروج السلطة لفكرة رفع الدعم لتخفيف العبء عنها ورفعها للمعدلات العالمية تتناسي أن رواتب المصريين لا تعادل ربع معدلات الرواتب العالمية، كما تنفق هي بسفه على مشاريع وهمية أو مظاهر احتفالية.
وعلى حين تقول انها تستهدف خفض عجز الموازنة إلى 8.4%، من 9.8% عجزا متوقعا، تسعي لذلك عبر رفع اعباء أكبر علي المواطنين عبر زيادة الضرائب ورفع اسعار السلع والخدمات لا عن طريق القيام بمشاريع استثمارية حقيقية.
تخفيض التضخم “إنجاز وهمي”
تسبب ارتفاع الدولار مع الغاء الدعم في موجة تضخم هي الأعلى في تاريخ مصر الحديث حتى وصل التضخم السنوي الى حوالي 36% حسب بيانات الحكومة علما بأن الحقيقة أكثر من هذا لو حسبناها على أساس سلة سلع وخدمات مختلفة.
ومن أجل حل مشكلة التضخم رفعت الحكومة الفائدة الى حوالي 20% مما عرقل الاستثمار وأثر سلبا على سوق المال ولم يعالج التضخم لأن التضخم كان بسبب الغاء الدعم وانخفاض العملة وليس بسبب وفرة نقدية مع الناس فيمكن علاجه برفع الفائدة لسحب السيولة.
وأصبحت الحكومة تتغنى بأن التضخم انخفض الى 22% سنويا، وتستهدف خفضه الي 14% كأنه انجاز، والان تقول إنها تستهدف خفضه في مشروع موازنة 2019/2018 إلى 13.2%، علما بأنه كان في حدود 10 -11 % قبل 3 سنوات.
كارثة الجباية من الضرائب
أحد ثاني أبرز أدوات الجباية من المصريين التي تتبع سلطة السيسي هي الضرائب، لذلك ستتم زيادة الضرائب بشكل جنوني بدءا من شهر يوليو القادم مع تطبيق الموازنة الجديدة لأن الحكومة تستهدف تحصيل إيرادات ضريبية قيمتها 766 مليار جنيه في العام المالي المقبل 2018-2019 مقابل 611 مليار جنيه مستهدفة في العام المالي الحالي.
وهو ما اعترف به “الجارحي” وزير المالية مؤكدا أن وزارته تهدف إلى الوصول بنسبة الإيرادات الضريبة للناتج المحلي لتتراوح ما بين 17 إلى 18% مقابل 14% حاليا.
وستصل بعثة من صندوق النقد القاهرة قريبا لمراجعة منظومة الضرائب وتطويرها، وفقا لتصريحات عمرو الجارحي وزير المالية خلال مؤتمر إطلاق نظام الإقرارات الضريبية والتوقيع الإلكتروني سبق ان استقال نائب وزير المالية لشئون الضرائب بعدما قال ان 70% من موارد الحكومة تأتي من الضرائب.
وزيادة الضرائب ستكون جزء من زيادة الإيرادات إلى 989.188 مليار جنيه بزيادة 21.6% عن مستهدف إيرادات العام المالي الجاري، منها 770.3 مليار جنيه إيرادات ضريبية، و10 مليارات جنيه حصيلة بيع الشركات الحكومية، و8.2 مليار جنيه من أرباح شركات قطاع الأعمال العام.
وهناك مخاوف من زيادة اخري رابعة في اسعار الوقود لأن الحكومة حددت سعر استيرادها برميل النفط في الموازنة بـ 67.2 دولار للبرميل، بينما يقفز السعر حاليا حتى وصلت الي 77 دولارا، وقد تزيد في ضوء قيام منظمة أوبك وروسيا بخفض الإنتاج، وهذه من أهم مخاطر الاقتصاد العالمي التي قد تؤثر على الاقتصاد المصري وعلى تقديرات الموازنة، بخلاف قيام الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي برفع أسعار الفائدة على الدولار الأمريكي بشكل كبير، مما قد يؤدي إلى خفض قيمة التدفقات المالية إلى الأسواق الناشئة والنامية ومنها مصر.
ومن أبرز الأرقام التي جاءت في الموازنة ما يلي:
دعم الوقود: انخفضت فاتورة دعم الوقود 19.1% إلى 89.08 مليار جنيه. وقالت رويترز الأسبوع الماضي إن دعم الوقود سينخفض بنحو 26%.
أسعار الكهرباء: ستشهد فاتورة دعم الكهرباء انخفاضا بنحو 46.4% إلى 16 مليار جنيه.
دعم السلع: من المنتظر أن ترتفع فاتورة دعم السلع 36.6% في العام المالي المقبل إلى 86.18 مليار جنيه.
دعم الصادرات: ارتفاع دعم الصادرات بنسبة 53.8% إلى 4 مليارات جنيه.
الحماية الاجتماعية: من المتوقع أن يتراجع الإنفاق على برامج الحماية الاجتماعية بنحو 0.5% إلى 298.94 مليار جنيه، رغم ارتفاع طفيف في أجور القطاع العام إلى 2.06 مليار جنيه.
الإنفاق على الصحة والتعليم: جرى تخصيص 61.81 مليار جنيه للصحة في موازنة العام المالي المقبل بزيادة نسبتها 12.5% على أساس سنوي، فيما تم تخصيص 115.66 مليار جنيه للتعليم بزيادة نسبتها 8% عن موازنة العام المالي الجاري.
خدمة الدين: من المنتظر أن تبلغ 541.31 مليار جنيه بزيادة نسبتها 42% على أساس سنوي.