“ميدل إيست آي”: جنود على “جبهة” سيناء يروون قصصًا مرعبة من “فيتنام” مصر

- ‎فيلن ننسى

نشر موقع The Middle East Eye البريطاني قصصًا مرعبة على لسان جنود مصريين في الخطوط الأمامية لمواجهة المسلحين في سيناء، ووصفوا مدى رهبتهم من الوضع في شبه الجزيرة بأنها “فيتنام”.

وفي تقرير طويل نوعا مًا، أراد الموقع البريطاني أن يطرح تساؤلًا عن إمكانية أن تنسحب قوات الجيش من سيناء أو تقل حدة المواجهة في ضوء ما توصل إليه التقرير من أوضاع دامية على الجبهة.

واعتبر أن هذه المعركة التي دَافَع عنها عبد الفتاح السيسي منذ 2013، مستخدما الهجمات المتكررة مبرِّرا إبقاء البلاد في حالة من الطوارئ، واتباع حملات عسكرية أودت بحياة مئات المدنيين وشرّدت الآلاف.

وأكدت أنه باعتراف السيسي في مقابلة مع برنامج 60 Minutes، “الجيش المصري كان يعمل لسنوات بالتعاون مع الإسرائيليين في سيناء”.

“مكسورون نفسيًّا”

يقول المجندان أحمد ومحمد: رأينا أسوأ ما يمكن أن يفعله الناس لبعضهم البعض، وكيف أن المجندين أرواحهم رخيصة.

يقول أحمد البالغ من العمر (20 عاما) عن مجند شهيد: “لقد أعطوه جنازة عسكرية مع فرقة، وسيطلقون اسمه على مدرسة بعده”، في حين قال محمد: (21 عاما) “لا أريد أن أحصل على مدرسة أو مسجد يحمل اسمى.. أريد أن أعيش حياتي”.

لكنّ سبعة جنود حاليين وسابقين تحدثوا إلى “ميدل إيست آي”، يقولون إن الحرب في سيناء- التي شهدت أكثر من 1500 من أفراد الأمن الذين قتلوا في عملٍ وفق إحصاء جمعه باحثون مستقلون يحافظون على عدم الكشف عن هويتهم- قد تركتهم مكسورين نفسيًّا.

وتقول الثقافة العسكرية في الجيش المصري، إنه لا يترك أي مكان للصدمة أو الضعف، حيث يقول العديد منهم إنهم أجبروا على طلب مساعدة نفسية خاصة أن الجيش لا يوفرها.

وأشار الموقع البريطاني إلى أن ضباطا في الاستخبارات العامة قالوا “عندما تكون الروح المعنوية منخفضة، فإن الضباط هم الذين يتصرفون أطباء نفسيين. وفي القواعد الأكثر مركزية بالقرب من القاهرة أو المدن الكبرى، غالبا ما يأتي رجال الدين ويتحدثوا مع الجنود”.

كوابيس مؤلمة

يقول سامح (27 عاما)، وهو ضابط صفّ يخدم في سيناء: “تلك لحظة مروعة أن ترى شخصا يجمع قطع صديقك الذي تعرفه منذ عامين، والذي تناولت لتوِّك وجبة معه هذا الصباح”. وقال سامح: “لو كان الجنود مكتئبين، فهم إما لا يظهرون ذلك، أو يطلبون أخذ إجازات”. وقال معتز، الذي عمل طبيبًا عسكريًّا في سيناء: “رأينا أسوأ ما يمكن للبشر أن يفعلوه لبعضهم بعضا، ورأينا كيف أنَّ أرواح المجندين رخيصة. بعض الناس لم يشكل لهم ذلك مشكلة، لكن بالنسبة لي، فإنَّ شيئا لم يعد كما كان”.

ومن سياق التقرير، فإن معتز هو طبيب ومجند منذ 2014، ووظيفته أن يحدد القتلى والجرحى بسرعة، ثم يبدأ في العلاج. قال معتز إنه أحصى 19 جثة مع بعثرة الكثير من البقايا في المكان بعد انفجار قنبلة على جانب الطريق. وقال معتز (25 عاما) لموقع ميدل إيست آي: “كانت الأشلاء في كل مكان، هذا مشهد لن أنساه أبدا”. وأضاف معتز: “كانت بقية الجثث لأشخاص أصيبوا في البداية، ثم أُعدِموا بالرصاص، كان في بعض الجثث أكثر من 20 طلقة في الرأس”.

صُرف معتز من الخدمة العسكرية عام 2017، كضابط احتياط أنهى خدمته، ويعمل الآن طبيبا مستقلا في دولة خليجية، لكنه يقول إنه ما يزال يعاني من كوابيس حول الفترة التي قضاها في الخدمة، وإنه يزور طبيبًا نفسيًّا. ويضيف معتز: “بالنسبة لنا وللكثير من المجندين الآخرين، فقد كانت سيناء كفيتنام”.

أما خالد (وعمره الآن 23 عاما)، فقد كان عمره 20 عامًا عندما كان مجندًا بالإلزام، يخدم في مدينة رفح بشمال سيناء، في شهر يوليو 2017، عندما هاجم المسلحون نقطة تفتيش كانت تعيق تدفق البضائع والأشخاص من غزة. قُتِلَ 23 عسكريا بعد أن ضرب انتحاري نقطة التفتيش عند الفجر، لكنَّ خالد قال إنَّ الهجوم استمرّ.

وقال خالد: “قُتِلَ الكثيرون ثم استمر الجهاديون في القدوم، كل مَن كان لا يزال على قيد الحياة استمرّ في إطلاق النار، لكنهم استمروا في القدوم”.

وأضاف خالد: “كنت قد أُصبت برصاصة في المعدة، وقعت على الأرض ولم أستطع التحرك، لكنني سمعت إخوتي يصرخون”.

أنهى خالد خدمته الإلزامية من الجيش بعد الهجوم، ويتلقى الآن معاشاً، لكنه لم يطلب مساعدةً نفسية، وقال خالد: “في الجيش لا يوجد شيء اسمه “أنا حزين”، أو “لست على ما يرام”؛ لذا فالرجال فقط هم من يُجنَّدون”.

45 يومًا بلا فائدة

وعن التدريبات والتجهيزات، تحدث “عمر”، ضابط قوات خاصة لدى الشرطة المصرية كان مقره سيناء عام 2013، للموقع مقللًا من المعسكر التدريبي لمدة 45 يوما للمجندين، فقال إنه يكون مصحوبًا بقلة التجهيز الملائم، ما جعل الكثير من الشباب الذين يخدمون في سيناء عبئا أكثر منهم قوة قتالية فعالة. وقال عمر: “على عكس القوات في جميع أنحاء العالم، حيث ينبغي أن يكون المجند لائقًا ومدرَّبًا بشكل جيد على العمليات القتالية، فإنَّ المجندين غالبًا ما يمثلون مشكلة في الحرب ضد الإرهاب، إذ يكونون إما غير متحمسين، أو يكونون متحمسين أكثر من اللازم، وكلا النوعين يرتكبان الأخطاء”.

وأشار إلى أن مستوى التسليح للأفراد ضعيف وكذلك فيما يخص الضباط، في حين قال “حتى عام 2014، مثلاً، كان لدى الجهاديين نظارات رؤية ليلية، لكننا لم تكن لدينا هذه النظارات”.

ووصف التقرير التفاوت في الأسلحة الذي يصفه عمر، بأنه عرَض من أعراض ثقافة تاريخية داخل الجيش، ترى سوء المعاملة والانتهاك من أعلى خط القيادة إلى أسفله. وقال المصدر العسكري المرتبط بالمخابرات للموقع البريطاني، إنَّ الضباط ينبغي عليهم أن يكونوا قساة على الجنود، كما هو الحال مع جميع الجيوش “وإلا، فكيف يمكن للجندي أن يطيع قادته؟ لو كان ثمة حرب فينبغي أن نضمن طاعة الجنود بلا تساؤل وبلا ندم، هذا يحدث في جميع أنحاء العالم”.

كما هو الحال مع أحمد، وهو طالب سابق بجامعة الأزهر، يعتقد أنَّ لديه ما يكفي من العلاقات لإنهاء خدمته العسكرية في إحدى كتائب الدفاع الجوي في القاهرة، أو في وظيفة إدارية أو في إحدى شركات الجيش، حيث العمل في حدوده الدنيا، ويمكن للمجندين قضاء الليل في منازلهم. لكن عندما تخرج في الجامعة، أُرسل إلى شمال سيناء للخدمة في فرقة المشاة الثانية بالجيش الثاني.

أمضى أحمد 48 يومًا من أيام حياته في معسكر الجلاء بالإسماعيلية مرتديا ملابس غير ملائمة، وبلا مياه نظيفة ولا طعام منتظمين، مجبرا على الوقوف في الشمس لساعات، وهي خبرة يصفها بأنها “جحيمية”. وقال أحمد، الشاب متين البنيان، البالغ من العمر 23 عاماً: “كان هذا أسوأ ما رأيت، كنت أبكي كل ليلة، لكنني لم أكن أظهر ذلك لئلا أتعرض للتنمر”. وقال أحمد: “لو لم يكن قد حُكِمَ عليَّ بالذهاب للجيش، لكنت درست اللغة التركية وعملت مترجما”.

جندي مطاعم

وتابع التقرير عن حالة التنمر والتفات المجندين لأمور أخرى غير النواحي التدريبية والقتالية، ومن ذلك الجندي مراد، تحدث عن التنمر الذي كانوا يجدونه أمرًا مؤذيًا ولا يطاق. تخرّج مراد (ويبلغ الآن من العمر 24 عامًا) في كلية الفنون الجميلة في حلوان، قبل أن يجند في الجيش. وقال: “كنت ساذجًا للغاية عندما كنت صغيرًا، إذ اعتقدت أنني سوف أخدم بلادي. بعد التدريب الأساسي لـ45 يومًا أدركت أنني أحتاج فقط إلى تمضية هذه السنة على أية حال، حتى لو كنت لأعمل مندوب مبيعات في أحد منافذ الجيش”. لكن بدلا من أن يكون مندوب مبيعات في أحد المنافذ، نُقل مراد إلى الجيش الثالث في سيناء، ليخدم في مطعم ضباط صفّ الكتيبة نهارا، والمهجع ليلا.

وقال مراد: “درست فن النحت والتصميم لمدة أربع سنوات، وها أنا ذا أنظف حمامات الضباط الأصغر مني سناً، وأتعرّض للصراخ والشتائم. يهينك الضباط عن قصد لكسر شخصيتك، نحن نُعامَل كالعبيد أو الكلاب”.

لكن مع تزايد النزعة القومية والعالم التنافسي الشرس للجيش، قال مراد إنه شعر أنه لا يستطيع الشكوى أو الغضب، وإنما كان عليه أن يتكيف.

قال مراد: «تعلَّمت أن أسرق، وأكذب، وأغش، وأن أكون منافقاً، وأن أغضَّ الطرف عن الظلم، بل إنني حتى بدأت في التنمر على الجنود الأصغر وترهيبهم، لكن هذا ما يحدث عندما يحدث الاضطهاد عبر سلسلة القيادة: في نهاية المطاف يقهر الجميع الأقل منهم، أيا كان».

أرباح الكانتين

كان محمد، الذي تخرَّج في أحد معاهد التكنولوجيا في الإسكندرية، لاعب كرة مشهوراً في أحد النوادي المحلية، وكان يأمل أنَّ مهاراته على الملعب سوف تؤمّن له مكاناً في واحد من المنتخبات العسكرية لكرة القدم، ومن ثم تكون تجربته في التجنيد الإجباري أسهل. لكن بدلاً من ذلك، فهو يخدم لمدة عامين في الجيش الثاني، ويدير حالياً مقصف الجنود. ويقول محمد إنه أصبح هو الآخر شخصًا مؤذيًا في الجيش.

وقال محمد: “لقد تعلمت، للأسف، أن أكون متنمراً. يجب أن تثبت شخصيتك من خلال أن تكون عدوانياً، وأن تظهر أنك رجل صلب وإلا فسوف تُدهس”.

وقال الرياضي السابق إنه اضطر إلى الغش، أثناء إدارته للمقصف، لكي يبقى بعيدا عن المشكلات. وأضاف: “يريد الضابط حصته من أرباح المقصف (الكانتين)، التي كان ينبغي في الأصل أن تذهب إلى ميزانية الكتيبة..”الجيش قال لك اتصرف”، لكي تسير أموره. وقال محمد: “أعرف أنَّ هذا حرام، لكن داخل القاعدة ثمة أناس لا يعرفون الله. لولا ذلك لما استطعت تمضية أيامي”.