رغم مرور أكثر من عقد على اندلاع الخلاف بين أثيوبيا ودولتي المصب مصر والسودان حول سد النهضة، إلا أن الأزمة لا تزال تراوح مكانها، ويتجدد حولها الجدل كل فترة إقليميًا ودوليًا مع كل تصريح أو تحرك سياسي جديد.
ومع تصاعد التوتر مجددًا بين نظام الانقلاب الدموي بقيادة عبدالفتاح السيسي وأديس أبابا على خلفية ما الإدارة غير المنضبطة للسد، والتي تسببت في قيضانات أغرقت الأراضي الزراعية في السودان ومصر عادت الأنظار لتتجه نحو واشنطن، بعد تلميحات رسمية أمريكية إلى احتمال تدخل الرئيس دونالد ترامب في الأزمة لإطلاق وساطة جديدة قد تفتح بابًا للحل بعد سنوات من الجمود، بحسب تقرير نشرته صحيفة الإندبندنت البريطانية.
حق سيادي
يشار إلى أنه منذ أن بدأت إثيوبيا تشييد سد النهضة على النيل الأزرق قبل أكثر من عشر سنوات، لم يمارس نظام الانقلاب أي ضغوط أو يوجه تهديدات لأثيوبيا بل اكتفى بالشجب والإدانة والتعبير عن مخاوفه من تأثير السد في حصة مصر التاريخية من مياه النيل، مطالبا اثيوبيا بالتوقيع على اتفاق قانوني ملزم يحدد آليات الملء والتشغيل.
في المقابل أعلنت أديس أبابا أن المشروع يمثل حقًا سياديًا خالصًا لتنمية اقتصادها وتوليد الطاقة الكهرومائية لشعبها، مؤكدة أن السد لن يسبب ضررًا ملموسًا لدول الجوار.
لكن التطورات الأخيرة، خاصة بعد الافتتاح الرسمي للسد الشهر الماضي، زادت من حدة المخاوف إثر تدفقات مائية غير منتظمة سببت أضرارًا متفاوتة في مصر والسودان.
الدور الأمريكي
وكشفت الصحيفة أن إشارات واشنطن إلى إمكانية عودتها للوساطة في ملف السد، أعادت الأمل إلى حكومة الانقلاب العاجزة عن حل الأزمة، والتي ترى أن إدارة ترامب قد تمتلك هذه المرة أدوات ضغط قادرة على إحداث اختراق حقيقي، خصوصًا في ظل التغيرات الكبيرة في المشهدين الإقليمي والدولي.
وقالت : "رغم فشل محاولات الوساطة السابقة التي رعتها الولايات المتحدة خلال الولاية الأولى للرئيس ترامب، يبدو أن المناخ الحالي أكثر تهيؤًا لتدخل فعّال، لاسيما بعد انخراط واشنطن مجددًا في ملفات الشرق الأوسط الحساسة عقب دورها في وقف إطلاق النار بين حركة حماس ودولة الاحتلال الصهيوني".
استقرار القرن الأفريقي
في هذا السياق كشفت مصادر دبلوماسية أن حكومة الانقلاب العاجزة عن التعامل مع الأزمة تسعى إلى استثمار هذا الزخم الأمريكي في المنطقة، من أجل دفع واشنطن إلى لعب دور الوسيط النشط في الأزمة، معتبرة أن الولايات المتحدة هي الطرف الوحيد القادر على ممارسة ضغط متوازن على كل من إثيوبيا ومصر في الوقت ذاته .
وقالت المصادر: إن "الولايات المتحدة تدرك خطورة استمرار التصعيد بين القاهرة وأديس أبابا، ليس فقط على الأمن المائي، بل على استقرار القرن الأفريقي بأكمله" .
مبادرة رئاسية
من جانيه كشف مسعد بولس مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون أفريقيا، أن هناك احتمالًا بأن يطلق ترامب مبادرة رئاسية جديدة تجمع قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لإيجاد تسوية سلمية.
وقال بولس في تصريحات صحفية: إن "ملف سد النهضة مهم واستراتيجي بالنسبة إلى الولايات المتحدة، مؤكدًا أن الموقف الأمريكي يقوم على الحوار والتروي للوصول إلى اتفاق تقني متوازن، وأن الخلاف حول السد فني أكثر منه سياسي" .
ورغم أن واشنطن لم تعلن رسميًا حتى الآن عن بدء وساطة جديدة، فإن التحركات والتصريحات الأمريكية الأخيرة تفتح الباب أمام سيناريوهات متعددة، خصوصًا أن إدارة ترامب سبق أن رعت ست جولات تفاوضية خلال ولايته الأولى، وصلت إلى مراحل متقدمة قبل أن تنسحب إثيوبيا فجأة في اللحظات الأخيرة.
ويعتقد مراقبون أن إدارة ترامب الثانية ربما تسعى لإحياء هذا الملف كجزء من استراتيجيتها لإعادة بسط النفوذ الأمريكي في أفريقيا وموازنة الدور الصيني المتنامي في القارة.
تدخل دولي عاجل
عودة واشنطن للوساطة تثير احتمالية تساؤلات حول مدى قدرتها على تحقيق نتائج ملموسة هذه المرة، فالبعض يرى أن تجربة ترامب السابقة، على الرغم من فشلها في الوصول إلى اتفاق نهائي، أثبتت أن الولايات المتحدة قادرة على الضغط الفعلي إذا قررت الانخراط بجدية.
أما آخرون فيشككون في إمكانية نجاح أي وساطة ما لم تتخل أديس أبابا عن مبدأ "الحق المطلق" في استخدام مياه النيل وتقبل بفكرة المشاركة والتنسيق مع دولتي المصب.
ووفقًا للمراقبين، فإن وجود دولة ذات ثقل مثل الولايات المتحدة قد يعيد التوازن إلى مسار التفاوض، مشيرين إلى أن إعلان المبادئ الموقع عام 2015 بين مصر والسودان وإثيوبيا ينص صراحة على ضرورة منع الضرر الجسيم لأي من الدول الثلاث، وهو ما لم تلتزم به أديس أبابا خلال مراحل الملء والتشغيل.
كما يرون أن الأضرار الأخيرة التي لحقت بالسودان ومصر نتيجة التصرفات غير المنضبطة للسد تعزز الموقف المصري وتثبت الحاجة إلى تدخل دولي عاجل .
ووفقًا لخبراء ودبلوماسيين، فإن وجود طرف ثالث جاد مثل الولايات المتحدة هو مفتاح الحل، لافتين إلى أن واشنطن تملك من الأدوات السياسية والاقتصادية ما يؤهلها لتقريب وجهات النظر.
وأكد هؤلاء أن التصرفات الأحادية من جانب إثيوبيا أضرت ليس فقط بمصر والسودان بل بالثقة في أي عملية تفاوضية مستقبلية، وهو ما يتطلب ضغطًا أمريكيًا واضحًا لإلزامها بالتعاون .
