السيسي يعترف متأخرًا: سد النهضة أضرّ بمصر.. و14 عامًا من الفشل والعبث تقترب بالمصريين من العطش

- ‎فيتقارير

 

لما قُضي الأمر، أعلنت مصر رفضها للإجراءات الأحادية، في حين لا تنتظر إثيوبيا أحدًا، لا مصر ولا غيرها. وفي كلمة عبدالفتاح السيسي، رئيس الانقلاب، خلال الجلسة الافتتاحية لأسبوع القاهرة للمياه، استعرض رفضه الواضح للإجراءات الأحادية من جانب إثيوبيا، محذرًا من المساس بالأمن المائي لمصر.

واعترف السيسي لأول مرة بتسبب سد النهضة في أضرار لمصر، وأن إدارة السد تسببت في فيضانات صناعية غمرت مناطق في شمال البلاد.

وقال السيسي إن تحديات قوية تواجه مصر في ملف سد النهضة، مناقشًا التحديات الفنية والسياسية، ومؤكدًا ضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم.

وألقى باللائمة على إثيوبيا بسبب إدارتها غير المنتظمة للسد، موضحًا في رسائل متعددة كيف أن التصرفات الإثيوبية تسببت في أضرار لمصر والسودان، داعيًا المجتمع الدولي إلى التدخل.

وأضاف السيسي أن مصر لن تقف مكتوفة الأيدي.

وتمحورت مشكلات سد النهضة في غياب الإجراءات العملية، وتكرار اللهجة التحذيرية، وتأخر التصعيد رغم الأضرار الواقعة على مصر والسودان مبكرًا، وليس خلال الشهر الأخير فقط.

ورأى مراقبون أن خطاب السيسي مكرر دون خطوات تنفيذية، وأن كلمته أعادت نفس التحذيرات التي صدرت في السنوات الماضية، دون أن يتبعها إجراء فعلي أو تصعيد دبلوماسي أو قانوني حاسم.

وأكدوا أن مصر توسعت في وصف إثيوبيا بأنها "غير منضبطة" و"متهورة"، دون أن تُعلن عن أي خطوات ملموسة، مما جعل الخطاب يبدو "إنشائيًا".

وانتقد خبراء تأخر مصر في الرد على تصريف المياه (لأسبوعين) الذي أدى إلى فيضانات صناعية في محافظات مصرية، معتبرين أن التحرك جاء بعد وقوع الضرر لا قبله.

وأشار محللون إلى أن مصر كان يمكنها اللجوء مبكرًا إلى مجلس الأمن أو محكمة العدل الدولية، بدلًا من الاكتفاء بالتصريحات.

كما انتقدوا دعوة السيسي للمجتمع الدولي، حيث لم تُعلن مصر عن أي مبادرة رسمية لتدويل الملف أو طلب تدخل من الأمم المتحدة أو الاتحاد الإفريقي بشكل مباشر، مشيرين إلى غياب خطة واضحة لإشراك أطراف دولية في إدارة السد أو مراقبة تصريف المياه.

واعتبر بعض المراقبين أن وزارة الري تجاهلت أوراق الضغط القانونية، حيث تملك مصر أدوات قوية مثل اتفاقية 1902 وإعلان المبادئ لعام 2015، لكنها لم تُفعّل رسميًا حتى الآن.

وأكدوا أن غياب اللجوء إلى التحكيم الدولي أو رفع دعاوى قانونية ضد إثيوبيا يُعد تفريطًا في الحقوق المائية، كما أن غياب التنسيق مع السودان، رغم تضررهما معًا من تصريف المياه، أضعف الموقف التفاوضي المشترك.

تصريحات مكتوفة الأيدي

قال السيسي في كلمته إن “مصر لن تقف مكتوفة الأيدي أمام النهج غير المسؤول الذى تتبعه إثيوبيا في إدارة سد النهضة، وستتخذ كافة التدابير لحماية مصالحها وأمنها المائي”.

وأضاف خلال الجلسة الافتتاحية لأسبوع القاهرة الثامن للمياه أن “مصر تعلن، وبكل وضوح وحزم، رفضها القاطع لأي إجراءات أحادية تُتخذ على نهر النيل، تتجاهل الأعراف والاتفاقات الدولية، وتهدد مصالح شعوب الحوض وتقوض أسس العدالة والاستقرار”.

وأوضح أن “مصر انتهجت على مدار أربعة عشر عامًا من التفاوض المضني مع الجانب الإثيوبي مسارًا دبلوماسيًا نزيهًا اتسم بالحكمة والرصانة، وسعت فيه بكل جدية إلى التوصل لاتفاق قانوني ملزم بشأن السد، يراعي مصالح الجميع ويحقق التوازن بين الحقوق والواجبات”.

وزعم أن “مصر قدّمت خلال هذه السنوات العديد من البدائل الفنية الرصينة التي تلبي الأهداف المعلنة لإثيوبيا، كما تحفظ مصالح دولتي المصب، إلا أن هذه الجهود قوبلت بتعنت لا يُفسَّر إلا بغياب الإرادة السياسية وسعي لفرض الأمر الواقع، مدفوعة باعتبارات سياسية ضيقة”.

ورفض السيسي ما وصفه بـ“المزاعم الباطلة بالسيادة المنفردة على نهر النيل”، مؤكدًا أن “النيل ملكية مشتركة لكافة دوله المتشاطئة، ومورد جماعي لا يُحتكر”.

وأشار إلى أن “إدارة إثيوبيا غير المنضبطة للسد تسببت في أضرار لدولتي المصب نتيجة التدفقات غير المنتظمة، التي تم تصريفها دون أي إخطار أو تنسيق”، داعيًا المجتمع الدولي، خصوصًا القارة الإفريقية، إلى مواجهة هذه التصرفات “المتهورة”.

وأضاف أن “ضمان تنظيم تصريف المياه من السد في حالتي الجفاف والفيضان، في إطار اتفاق تنشده دولتا المصب، هو السبيل الوحيد لتحقيق التوازن بين التنمية الحقيقية لدول المنبع وعدم الإضرار بدول المصب”.

أضرار بمصر والسودان

اتهمت وزارة الري المصرية، في بيانها الصادر في الثالث من أكتوبر الجاري، إثيوبيا بارتكاب “تصرفات أحادية متهورة” في إدارة السد، مشيرة إلى أن “المشغل الإثيوبي عمد عقب انتهاء ما سُمي بالاحتفال يوم 10 سبتمبر إلى تصريف كميات ضخمة من المياه، مما تسبب في تغيير مواعيد الفيضان الطبيعي وإحداث فيضان صناعي مفتعل”.

وأدى ارتفاع منسوب مياه النيل إلى غمر منازل وحقول في شمال مصر، خاصة في محافظتي المنوفية والبحيرة مطلع أكتوبر الجاري.

وفي سبتمبر الماضي، افتتحت إثيوبيا رسميًا سد النهضة، أكبر سد لتوليد الطاقة الكهرومائية في إفريقيا، رغم الخلافات الحادة مع مصر بعد رفضها التوقيع على اتفاق ملزم بشأن قواعد ملء السد وتشغيله.

نظام الغبي

علق الصحفي الفلسطيني نظام المهداوي @NezamMahdawi على تصريح السيسي قائلًا:
"وزّعت لجانك وذبابك ومعيزك والسيساوية على مواقع التواصل، لينشروا أن سد النهضة لم يضر بمصر، ردًا على كل من انتقد قصور إدارتك وجيشك في قضية نهر النيل، الذي يُعدّ من أسس الأمن القومي المصري".

وأضاف: "واليوم تخرج لتقول إن إثيوبيا ألحقت الضرر بالسودان ومصر! وكأن غيرك هو من وقّع اتفاقية سد النهضة، وكأن غيرك هو من طلب من آبي أحمد أن يقسم – بكل غباء – على أنه لن يضر مصر".

وتابع المهداوي: "لقد فرّطت بالنيل، ومن ساعد في بناء سد النهضة وتمويله هما أهم حليفين لك: الإمارات و(إسرائيل). فإن لم تكن أنت بنفسك مشاركًا في هذه المؤامرة الدنيئة، فمن سيكون؟ ولمن توجه حديثك الآن؟".

"سنسائل السيسي يوماً ما"

وقالت الصحفية شيرين عرفة @shirinarafah:
"سنحاكم السيسي يومًا ما وسنحتاج لملفات.. عند تقديم السيسي (بإذن الله) للمحاكمة بتهمة الإضرار بمصالح مصر العليا، والتفريط في أمنها المائي والقومي، والإساءة لشعبها وإهدار حصته التاريخية في مياه النيل".

وعن تصريح السيسي بشأن المفاوضات قالت:
"ما الذي تم الاتفاق عليه في 23 مارس 2015 مع الإثيوبيين، في وثيقة المبادئ التي وقّعها السيسي منفردًا؟! وزير الموارد المائية المصري وقتها لم يُطلع على بنودها، ولم يُستشر فيها، ولم تُنشر تفاصيلها، ولم تُعرض على المتخصصين ولا مجلس النواب".

وأضافت: "ما الهدف منها إن لم تكن لإلزام إثيوبيا بالحفاظ على حصتنا في المياه؟! هل كان هدفها الوحيد منح إثيوبيا الشرعية لبناء سد عدائي ضخم على النيل، ليكون محبسًا مائيًا يمنع دول المصب، وخاصة مصر، من الوصول إلى حصتها التاريخية؟!".

وتابعت: "هل كان الهدف استعادة إثيوبيا للتمويل اللازم للبناء، بعد أن خاضت مصر – عقب ثورة يناير – معركة دبلوماسية ناجحة في عهد الرئيس المنتخب محمد مرسي، انتهت بتجميد قروض دولية بقيمة 3.7 مليار دولار؟ ليأتي السيسي بعد شهرين من توليه الحكم ويوقّع الاتفاقية، ناسفًا كل ما تحقق؟!".

وأضافت متسائلة: "هل كان غرض السيسي من الاتفاقية تمكينهم من البناء؟! وطوال الـ14 عامًا، لماذا لم يُلغِ الاتفاقية؟ لماذا ترك إثيوبيا تماطل في مفاوضات عبثية بينما تواصل البناء والملء؟!".

واختتمت متسائلة: "كيف استقبل السيسي رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بحفاوة في يوليو 2023، ومنحه جولة في العاصمة الإدارية؟! وكيف قال في 2018: ’كونوا مطمئنين، لا توجد أزمة على الإطلاق‘؟!".

وأضافت: "كيف تتفق مصلحة من يبني سدًا يمنع تدفق النيل مع مصلحة من يمنع عنه المياه؟! هل تعمد السيسي إدخال مصر في مفاوضات عبثية حتى تكتمل مراحل بناء السد، فيصبح هدمه مستحيلًا وتتحقق الكارثة؟!".