عمالة الأطفال كارثة تهدد حياة الآلاف من المصريين الصغار الذين تجبرهم أسرهم الفقيرة على العمل للمساهمة فى توفير الطعام والشراب لكن يقوم أصحاب العمل باستغلالهم وإذلالهم ومنحهم مبالغ زهيدة لا تسمن ولا تغنى من جوع ..كما يقوم سماسرة العمالة باستنزافهم وتعريض حياتهم للخطر عبر نقلهم بسيارات نقل متهالكة.
ورغم وقوع الكثير من الحوادث ومصرع واصابة المئات من هؤلاء الأطفال الأبرياء إلا أن حكومة الانقلاب تتجاهل المأساة ولا تمد يد العون لهذه الأسر المعدمة بل تخطط لإلغاء الدعم الذى يعتمد عليه ملايين المصريين لتوفير لقمة العيش .
ظروف صعبة
فى هذا السياق قالت الطفلة نورهان محمد 13 عامًا، من محافظة الدقهلية بالصف الأول الإعدادي ان أسرتها أجبرتها على الخروج إلى العمل في الأرض الزراعية بصحبة والدتها للمساعدة فى تربية شقيقاتها الأربعة.
وأكدت نورهان أن العمل في الزراعة أثّر على دراستها حيث اضطرت للغياب عن المدرسة عدة أيام في الأسبوع، لتذهب للعمل، ما تسبب في تراجع درجاتها .
وكشفت أن عملها لا يوفر لها العائد الاقتصادي الكافي أو الشروط الكريمة حيث تتراوح ساعات عملها بين سبع وثماني ساعات، تقوم خلالها بجمع محاصيل مثل (القطن والبصل والثوم والطماطم والباذنجان)، موضحة لو كانت ظروفي الاقتصادية أفضل من ذلك لما عملت بتلك المهنة
وأشارت نورهان إلى أنها خلال العام الماضى كانت تستقل سيارة نصف نقل بصحبة العمّال، فإذا بها تنقلب ما أدى لسقوط والدتها على ظهرها بينما اصطدم رأسها بمعدن السيارة، وظلت تعالج لمدة أسبوع، ولم يتكفل رب العمل بنفقات علاجنا .
وتابعت سبق هذا الحادث حادث آخر قبل ستة أشهر ، حيث علقت قدمي في حديد السيارة من الخلف ما تسبب فى إصابتى وكدت أن أفقد ساقى وكالعادة رفض صاحب العمل تحمّل أي تكاليف للعلاج.
حوادث
وأكدت شيرين محمود أن ذراعها كُسرت بسبب سقوطها من السيارة خلال تنقّلها للعمل، واستمرت رحلة علاجها شهرا ونصفا، وبعد هذه الحادثة بعام، انقلبت الشاحنة التي كانت تقلّها مع زميلاتها بسبب مطب ما أدى لسقوط زميلات لها على رءوسهن، ولم يتكفّل صاحب العمل بنفقات العلاج.
وقالت شيرين رضا (15 عاما) طالبة بالصف الثالث الإعدادي : بدأت العمل منذ أن كان عمرى 10 سنوات، واعمل 12 ساعة يوميًا مقابل أجرٍ لا يزيد عن 150 جنيهًا، مؤكدة أنها أصيبت في عينها خلال جمع محصول القطن، وأصبح لديها ضعف في النظر، مع شعور باضطراب بالرؤية ما أجبرها في النهاية على العلاج على نفقة أسرتها لأن رب العمل رفض تحمّل تكاليف العلاج.
وأشارت إلى أن “مقاول الأنفار” يقتطع مبلغا ماليا عن الأجر اليومي مقابل تأمين العمل، ثم يقتطع مبلغًا آخر لقاء تأمين وسيلة نقل من وإلى الحقول، عندما يرفض رب العمل تحمّل تكاليف المواصلات.
مقاول الأنفار
وقالت سما (16 عامًا) ان مقاول الأنفار يوفر لنا العمل ويخصم 10 جنيهات من كل فرد مقابل تدبيره وسيلة النقل، مشيرة إلى أن مقاول الأنفار لا يستحق هذا المبلغ ليصبح صافي الأجرة 90 جنيهاً بدلا من 100 جنيه .
وأكدت سما أنها تعود إلى منزلها بعد رحلة عمل شاقة منهكة الجسد غير قادرة على العمل أو الحركة أو استذكار دروسها .
تأمين صحي
من جانبه اعتبر نجيب محمدي نقيب الفلاحين بمحافظة الدقهلية ، الأجر الذي يتقاضاه العامل الزراعي والمقدر بـ 100 جنيه يوميا لا يساعده على المعيشة، مطالبا حكومة الانقلاب بالتأمين على هؤلاء العمال وصرف معاش تأميني لهم، وتطبيق قانون العمال الزراعيين عليهم لحمايتهم.
وقال محمدي فى تصريحات صحفية : عدد العمالة الزراعية على مستوى الجمهورية يتراوح بين 20 و 25 مليونًا، تمثل النساء 50% منهم بما يعادل 12.5 مليونًا بعد تزايد عملهن في تلك المهنة نتيجة الظروف الاقتصادية السيئة، فيما يمثل الأطفال نسبة 12% .
وطالب بالتأمين الصحي الشامل على الفلاحين والعمالة وتوفير وسائل نقل وطرق آمنة لهم، مؤكدا أن غالبية وسائل النقل التى تنقل العمالة الزراعية مكشوفة وغير آدمية .
وشدد محمدي، على ضرورة أن تقوم سلطات الانقلاب بتنظيم العمالة الزراعية وزيادة أجورهم ليعيشوا حياة كريمة، مع إعادة تطبيق معاش العامل الزراعي والذي تم وقفه قبل سنوات.
عوار قانوني
كشف خبير حقوق الطفل الدكتور هاني هلال، أن هناك إشكالية في قانوني العمل والطفل فيما يخص العمالة الزراعية، موضحا أن القانون استثنى العمالة الزراعية من أي تنظيم وبالتالي تلك الفئة غير مغطاة تشريعيًا، رغم أن القوانين السابقة تناولت عمالة الأطفال من سن 15 عامًا إلا أنه تم استثناء الفئات التالية : “العمالة بالزراعة البحتة، خدم المنازل والعمالة لدى أسرهم” من كافة التشريعات الخاصة بحماية الأطفال من العمل ما يعد عوارا دستوريا وقانونيا.
وقال هلال فى تصريحات صحفية : العمالة الزراعية وأطفال التراحيل الزراعية على وجه التحديد ممن يعملون بمعرفة مقاولين لم يغطوا تشريعيًا ولا يقعون تحت طائلة القانون، وفي حال تعرضت طفلة للضرب على يد والدها وأُجبرت على العمل يعاقب المتهم بتهمة تعريض طفل للخطر والمنصوص عقوبتها بالحبس لستة أشهر، فيما يُعاقب مقاول الأنفار حال تقاضي أموال من العمالة لتشغيلهم أو توفير وسيلة نقل، بتهمة الاستغلال الاقتصادي، لكنه لا يعاقب لتشغيلهم دون السن القانونية.
وأرجع ذلك للعوار التشريعي في قانون الطفل فيما يخص تشغيل الأطفال في العمالة الزراعية البحتة بما يخالف المواثيق الدولية.
وأكد هلال أن أطفال التراحيل الزراعية ممن يلقون مصرعهم بسبب وسائل النقل غير الآمنة وإصابات العمل لا يعاقب مشغلهم لتشغيلهم بل يعاقب بموجب قوانين السلامة المهنية، مطالبا بتعديل تشريعي لإضافة السلامة المهنية ووسائل النقل وتصنيفها .
وأعرب عن أسفه لعدم وجود تشريع يجرم إجبار الطفل وهو مصاب على العمل حيث يعاقب المشغل بموجب قانون إصابات العمل إلا أن عقوباته بسيطة لا ترقى لمخاطر تشغيل الأطفال مطالبا بتعديل تشريعي لقانوني الطفل والعمل وتجريم تشغيل الأطفال مع تنظيم العمالة الزراعية وفقا لنصوص تحميهم من مخاطر تلك النوعية من الأعمال التي تعد أسوأ أشكال العمل، بسبب قصور في التشريع وعدم وجود قانون لحمايتهم، وهذا ينتج عنه عدم تنظيم ساعات عمل العمالة الزراعية قانونًا باعتبارهم فئة مستثناة من القانون.
