أزمة بين المحامين والمتقاضين بعد رفع  تسعيرة أوراق القضايا بالمحاكم بالمخالفة للدستور

- ‎فيتقارير

 

أصدر رئيس محكمة استئناف القاهرة بسلطة الانقلاب  محمد نصر سيد قرارًا بزيادة المقابل المادي للخدمات التي تقدمها المحكمة للمحامين والمتقاضين بواقع 10%، حسب صيغة للقرار نشرتها عدد من حسابات المحامين والصفحات القانونية على فيسبوك.

وبموجب القرار الجديد الذي حدد توقيع رئيس المحكمة عليه موعد سريانه بداية من مطلع الشهر الجاري، زاد المقابل المادي لـ33 خدمة تقدمها المحكمة، من بينها خدمة الشهادات من واقع الجدول، التي زادت رسومها من 55 جنيهًا إلى 60.5 جنيها للشهادة، وخدمة الحصول على صيغة تنفيذية من الأحكام التي وصلت إلى 242 جنيهًا بعدما كانت 230 جنيهًا.

كما زاد المقابل المادي لخدمات من بينها إيداع عرائض الاستئناف ودعاوى رد المحاكم وطلبات الحصول على صيغ تنفيذية من تقارير الخبراء، لتصبح قيمة الرسم فيها 33 جنيهًا عن كل ورقة يتم إيداعها أو تصويرها.

 

وشملت الزيادات الجديدة خدمة التصوير الضوئي للقضايا الجنائية والتي باتت تتم مقابل 5.5 جنيه لكل ورقة، وكذلك خدمة الحصول على صورة ضوئية أو صورة طبق الأصل من الحكم الجنائي أو تصوير محاضر الجلسات، والتي باتت تقدم مقابل 22 جنيهًا عن كل ورقة من الحكم أو المحضر.

 

يشار إلى أن فرض مثل تلك  الرسوم الإضافية يشكل قيدًا على الحق في التقاضي ولم يرد بها نص في القانون، على نحو يجعل إقرارها مخالفًا للمادة 68 من الدستور، مشددًا على أن قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 يخلو من نص يخول رئيس المحكمة إقرار مثل تلك الرسوم.

وسبق وفرضت محكمة المنصورة، في يونيو/حزيران 2021 للمرة الأولى مقابلًا ماليًا نظير خدمات المسح الضوئي لدعاوى الاستئناف في قضايا الأحوال الشخصية، وجعلتها إجبارية، حيث لا يمكن إيداع الدعاوى إلا بعد سدادها.

ولاقت تلك الرسوم اعتراضات واسعة من المحامين والمنظمات الحقوقية، إذ وصفها المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، في بيان سابق، بأنها تثقل كاهل المواطن وتحمله أعباءً إضافية في ظل أزمة اقتصادية طاحنة تمر بها البلاد والعالم أجمع، ومن ثم أقام عدد من المحامين دعاوى أمام محكمة القضاء الإداري بالمنصورة لإلغائها، مؤكدين أنها “تشكل قيدًا على الحق في التقاضي”، فضلًا عن أنها لم يرد بشأنها نص في القانون.

 

وفي 22 أغسطس 2023، أصدرت محكمة القضاء الإداري بالمنصورة حكمًا أبطلت بموجبه قرار رئيس محكمة الاستئناف بفرض تلك الرسوم، وأكدت أن أوراق الدعوى خلت مما يفيد بأن رئيس محكمة استئناف المنصورة كان مرخصًا له بفرض تلك الرسوم، سواء من خلال نص قانوني أو تفويض من السلطة المختصة بفرضها، ومن ثم “يكون قرار فرضها قد صدر من غير المختص قانونًا بإصداره.

وأكدت المحكمة أيضًا أنه لا يجوز تكليف المتقاضين بأداء رسوم إلا في حدود القانون، وبناءً عليه يكون قرار فرض تلك الرسوم قد صدر متعديًا على سلطة المشرع.

 

وفي ديسمبر 2023، أبطلت دائرة الضرائب بالمحكمة الإدارية العليا، على نحو نهائي وباتٍ، قرار فرض رسوم ماسح ضوئي “الميكنة” عند إيداع صحف الاستئناف في دعاوى الأحوال الشخصية، ورفضت  طعن الحكومة على الحكم الصادر لصالح المركز المصري وأيدت، بإجماع الآراء، الحكم الصادر بإلغاء قرار رئيس محكمة استئناف المنصورة بفرض تلك الرسوم.

 

 

ردود فعل غاضبة

 

وتوالت منذ الأمس ردود الأفعال الغاضبة من قبل المحامين على قرار رئيس محكمة استئناف القاهرة.

ويستحدث القرار الجديد رسمًا جديدًا بمسمى “مراجعة الحوافظ” بواقع 22 جنيهًا عن كل ورقة، كما “يغالي في رسوم خدمات إصدار الشهادات من واقع الجدول التي زادت رسومها إلى 60.5 جنيها للشهادة، وخدمة الحصول على صيغة تنفيذية من الأحكام والتي وصلت إلى 242 جنيهًا.

ووفق محامين، فإن جميع القرارات التي يصدرها رؤساء محاكم الاستئناف على مستوى الجمهورية بإقرار رسوم على إجراءات التقاضي، هي “قرارات تخالف وتتعارض مع نصوص القانون ومن الواجب عدم الاعتداد بها لأنها والعدم سواء، استنادًا إلى المبدأ الدستوري الخاص بعدم فرض الرسوم إلا بقانون”.

غضب المحامين من تلك الرسوم وصل إلى تلويح بعضهم بالامتناع عن الحضور أمام المحاكم.

 

 

فيما تتمسك النقابة بخيار الطعن على قرار فرض تلك الرسوم أمام محكمة القضاء الإداري، حال عدم حل الأزمة بالطرق التفاوضية.

وعلى خلاف ذلك الموقف، قلل المحامي الحقوقي وائل عبد الملاك، الذي سبق له الحصول على حكم بإلغاء رسوم قضائية مماثلة أقرتها محكمة المنصورة، من فاعلية خيار التقاضي في حل الأزمة، مؤكدًا أن الحكم الذي سبق له الحصول عليه رغم تأييده من المحكمة الإدارية العليا بصورة جعلته نهائيًا وباتًا وغير قابل للطعن، لم تنفذه محكمة المنصورة حتى الآن ومستمرة في فرض تلك الرسوم، رغم تسليم الصيغة التنفيذية للحكم لوزارة العدل قبل سنتين.

وعوضًا عن موقف وزارة العدل بشأن عدم تنفيذ تلك الأحكام، يرى عبد الملاك أن الباب قد أغلق أيضًا أمام صدور أحكام مماثلة بإلغاء تلك الرسوم من محاكم مجلس الدولة التي قررت في اتجاه حديث من أحكامها عدم اختصاصها ولائيًا بنظر الطعون على تلك الرسوم، وبالتالي أصبح من حق أي رئيس محكمة أن يحدد تسعيرة للأوراق وفق ما يتراءى له دون رقيب أو حسيب.

ونوه عبد الملاك لأن محكمة القضاء الإداري قضت بعدم قبول 26 دعوى قضائية أخرى طعنوا فيها على رسوم أقرتها محكمة المنصورة مقابل خدمات الميكنة، معتبرة أنها قرارات قضائية  لا تخضع لرقابة المحكمة وليست قرارات إدارية، وهو ما قال عبد الملاك إنه يجعل المبدأ الدستوري الخاص بعدم فرض رسوم إلا بقوانين في طيّ النسيان.

 

وفي موقف آخر رافض لتلك الرسوم، طالب المحامي طارق العوضي، عضو لجنة العفو الرئاسي، بإلغاء القرار فورًا “لما فيه من مخالفة دستورية وقانونية صريحة”، مؤكدًا على “مبدأ مجانية مراجعة المستندات باعتباره جزءاً لا يتجزأ من حق التقاضي والدفاع”.

وقال العوضي، في تدوينة  على فيسبوك: إن “ذلك القرار سيؤدي إلى عرقلة سير العدالة وتعطيل الفصل في القضايا، حيث سيضطر المحامون والمتقاضون إلى الامتناع عن مراجعة المستندات بسبب ارتفاع الرسوم، مما يؤثر سلبًا على جودة الدفاع وحق الأطراف في محاكمة عادلة.

وحذر مما وصفه بـ”التداعيات الخطيرة” لاستمرار هذا القرار ومنها تراكم القضايا وتأخير الفصل فيها، بسبب عجز الأطراف عن الاطلاع على المستندات، فضلًا عن احتمالية لجوء المحامين والمتقاضين إلى طرق التفافية قد تؤثر على نزاهة التقاضي.