وافق مجلس النواب بسلطة الانقلاب ، أمس الاثنين، على مشروع قانون الإجراءات الجنائية في مجموعه، وأرجأ الموافقة النهائية إلى جلسة مقبلة بعد الانتهاء من مناقشة مواده البالغ عددها 544 والتصويت عليها من دون تعديلات جوهرية.
وبذلك يتجاهل كلّ مطالب تعديل مشروع القانون، “لما يمثّله من تهديد للحقّ في الخصوصية بمنح المسؤولين عن إنفاذ القانون سلطات واسعة وتعسفية لمراقبة واعتراض اتصالات الأشخاص وأنشطتهم عبر الإنترنت”.
وكانت 12 منظمة حقوقية قد أعلنت دعمها الدعوات التي أطلقتها دول عدّة خلال الاستعراض الدوري الشامل الرابع لمصر الذي عُقد في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في 28 يناير الماضي، من أجل حثّ الحكومة على ضمان امتثال قانون الإجراءات الجنائية لالتزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان، ورفض المسوّدة المقترحة أمام البرلمان، إذ إنّها “تُضفي الشرعية على المراقبة التعسفية وغير القانونية إزاء المدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين والمعارضين”.
وأقرّ المجلس الانقلابى مادة مستحدثة في مشروع قانون الإجراءات الجنائية حملت رقم 21، بناءً على طلب رئيس اللجنة الدينية علي جمعة، “تجيز لورثة المجني عليه أو وكيله الخاص إثبات الصلح، إلى أن يصدر فيها حكم بات في الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات. ويترتّب على الصلح تخفيف العقوبة، بما في ذلك حكم الإعدام”. وقال جمعة معقّباً إنّ “لأولياء الدم الحقّ في الصلح، وهو أمر جائز شرعاً، ويساعد في إتمام الصلح في الخصومة”.
كما وافق المجلس أيضاً على مادة مستحدثة في مشروع القانون من ضمن مواد الإصدار استجابةً لطلب وزير العدل عدنان فنجري، وتنصّ على أن “وزير العدل (يصدر) القرارات اللازمة لتنفيذ الأحكام المنفذة للقانون. وإلى حين صدورها، يستمرّ العمل بالقرارات المعمول بها، بما لا يتعارض مع أحكامه”. وثمّة مادة مستحدثة ثالثة تمنح “المدعّي العام العسكري والنيابة العسكرية الاختصاصات والسلطات ذاتها المقرّرة للنائب العام والنيابة العامة في القانون”. ورفض المجلس مقترح النائب عاطف مغاوري حذف المادة لتعارضها مع الدستور. وقال وزير الشؤون النيابية محمود فوزي إنّ “الغرض من المادة هو عدم حدوث فراغ تشريعي. والحكومة لا توافق على مقترح حذفها”.
وحسم مجلس النواب بعض المواد المعلّقة بمشروع قانون الإجراءات الجنائية في الجلسة الأخيرة من المناقشات، من بينها ما يتعلّق بالتعويض عن الحبس الاحتياطي وإجراءات المحاكمة عن بُعد. وانتهى المجلس إلى النصّ على أن يكون لجهات التحقيق والمحاكمة المختصة اتخاذ “ما تراه مناسباً لتسجيل وحفظ الإجراءات التي تتمّ من خلال وسائل وتقنيات الاتصال الحديثة عن بُعد، وتفريغها في محاضر، ولها أن تستعين بأحد الخبراء في ذلك، وتودع ملفّ القضية”.
ويضع كلّ من عضو النيابة العامة أو قاضي التحقيق أو رئيس الدائرة والكاتب توقيعه على كلّ ورقة، من دون الحاجة إلى توقيع أيّ من المتهمّين أو الشهود أو الخبراء أو المتهمّين أو المترجمين. يُذكر أنّ المجلس رفض اقتراح النائب محمد عبد العليم داوود “منح الحقّ للمتّهم في الحصول على نسخة من التسجيلات ومحاضر تفريغها، من أجل المقارنة بما قاله وبين ما تمّ تسجيله، خصوصاً أنّ من الوارد تحريف أقواله في المحاكمة عن بُعد”.
وتتولى وزارة العدل التنسيق مع وزارة الداخلية والجهات والوزارات المعنية لإعداد القاعات وأجهزة الاتصال المطلوبة لتنفيذ إجراءات التحقيق والمحاكمة باستخدام وسائل وتقنيات الاتصال الحديثة في المؤسسات العقابية، ومراكز الإصلاح والتأهيل (السجون)، وغيرها من الإدارات ذات الصلة وتقديم المساعدة الفنية اللازمة لذلك.
ويثير قانون الإجراءات الجنائية الجديد مخاوف حقيقية حول وضع الحريات والعدالة في مصر، إذ يُعَدّ مدخلاً خلفياً لاستمرار تمديد الحبس الاحتياطي للمعتقلين السياسيين بلا نهاية، بدلاً من عامَين حدّاً أقصى في القانون الحالي. ويعاني كثيرون من الناشطين والمحامين والصحافيين والمهتمين بالشأن السياسي والعام في مصر من الحبس الاحتياطي المطوّل، من بينهم من دوّنوا عبر وسائل التواصل الاجتماعي منشورات معارضة لرئيس الجمهورية، وفقاً لاتهامات “مطاطة” لا تستند إلا إلى تحريات الجهات الأمنية بلا قرائن أو أدلّة. ويشهد ملف الحبس الاحتياطي في مصر انتقادات واسعة من قبل منظمات حقوقية ونقابية محلية ودولية تسلّط الضوء على تجاوز فترات الحبس الاحتياطي المنصوص عليها في القانون، لا سيّما في القضايا المتعلقة بحرية الرأي والتعبير.
