لا هدايا مجانية مع ترامب . هل يوافق السيسى على توصيل مياه النيل للكيان مقابل حصة مصر التاريخية فى النيل ؟

- ‎فيتقارير

 

 مطلع فبراير الجاري،  تلقى  الرئيس الأمريكى المتطرف ترامب اتصالا هاتفيا من رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي، ناقشا فيه ملفات عدة، بينها قضية “سد النهضة” الإثيوبي، وذلك بحسب تصريح للبيت الأبيض، وهو ما لم يذكره بيان رئاسة الانقلاب .

 

ومنذ مطلع العقد الماضي، تقيم إثيوبيا سدا على النيل الأزرق، المصنف كنهر دولي، ويمد مصر بمعظم حصتها من المياه السنوية، رغم أن أديس أبابا لديها 12 نهرا دوليا و40 نهرا داخليا و6 بحيرات كبرى، والأمطار الساقطة عليها تقدر بنحو 500 مليار متر مكعب سنويا، بينما تحصل مصر والسودان مجتمعتين على 79 مليار متر مكعب سنويا فقط تقسم بينهما وفقا لاتفاقية عام 1959.

 

ولم تشر أية أنباء إلى ما تم تداوله بين ترامب، والسيسي، حول الملف الهام جدا للمصريين والمتعثر منذ 14 عاما، والذي فشلت المفاوضات حوله طيلة 10 أعوام وجرى تجميدها نهاية 2023.

 

وأثيرت التساؤلات حول أسباب الحديث عن ملف السد الإثيوبي في الوقت الذي لا يعلو فيه حديث عن خطط ترامب بتهجير الفلسطينيين من غزة، وفق تقدير مراقبين.

 

وألمح البعض إلى أنه لم تجب أي من الدوائر الأمريكية أو المصرية أو الصحف التي نقلت تفاصيل حديث السيسي وترامب عن السؤال: هل السيسي من فتح حديث ملف مياه النيل، أم أن ترامب الذي كان له دور لافت لم يكتمل في القضية خلال ولايته الأولى هو الذي فتح ذلك الحديث؟.

 

وربط متابعون مصريون بين حديث ترامب عن التهجير الذي تفجر منذ 25 يناير الماضي، وبين حديثه مع السيسي عن ملف السد الإثيوبي، متوقعين أن يكون ترامب قد ساوم السيسي بحل ملف المياه الوجودي لأكثر من 107 ملايين نسمة وأكبر شعب عربي وثالث أكبر دولة أفريقية من حيث عدد السكان، مقابل تمرير ملف التهجير.

 

وعاود البعض عرض الأحاديث السابقة طيلة سنوات الملف المعقد حول أن حل أزمة مياه النيل يأتي عبر تل أبيب وواشنطن، خاصة وأن محاولات السيسي نفسه قد فشلت في تحريك المفاوضات بعد إعلانه ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في يوليو 2013، الانتهاء من اتفاق خلال 4 أشهر، لتعلن القاهرة في ديسمبر من ذات العام، فشل المفاوضات، لرفض إثيوبيا الحلول التوفيقية.

 

“الثمن في غزة”

وكتب المحلل الإسرائيلي أفي أشكنازي، وفي اليوم التالي لاتصال المنقلب  السيسي وترامب، مقالت نشرته صحيفة “معاريف” العبرية، تحت عنوان: “نتنياهو والسيسي يفهمان جيدا: لا هدايا مجانية مع ترامب”، ملمحا إلى مساومة ترامب حول ملف مياه النيل مقابل التهجير.

 

وقال: “طريقة ترامب بسيطة: (ساعدني على مساعدتك)، بمعنى آخر، يلمح ترامب لصديقه الرئيس المصري إلى أن أمريكا قد تنقذ المصريين من جفاف النيل، ولكن هناك ثمن لهذا، وهو موجود في غزة”.

 

وتشير تقارير صحفية إسرائيلية أخرى إلى حاجة مصر إلى النقد الأجنبي ومعاناة المصريين مع التضخم، في وضع تصفه صحيفة “معاريف”، قائلة: “العجز في مصر، حفرة لا حصر لها لإطعام أفواه الجياع ودعم الضروريات الأساسية”، ملمحة إلى أزمة السد الإثيوبي، مؤكدة أنه “سوف يضر بتدفق الماء إلى مصر، ومن الممكن أن تندلع حرب بينهما”.

 

وبعد يومين من اتصال السيسي، وترامب،  بحث وزير الخارجية بحكومة الانقلاب بدر عبدالعاطي، ومبعوث الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، مستجدات تنفيذ وقف إطلاق النار بقطاع غزة، لكن مواقع عربية نقلت عن مصادر تناول الجانبان ملف مياه النيل وحل الأزمة مقابل قبول القاهرة خطة ترامب لتهجير الفلسطينيين.

 

ووسط قلة المعلومات حول ما يجري بين صناع القرار الأمريكيين والمصريين، والتوقعات بقرب تلبية السيسي دعوة ترامب للبيت الأبيض منتصف الشهر الجاري، أعلن البعض عبر مواقع التواصل الاجتماعي رفضه استخدام الإدارة الأمريكية مخاوف المصريين من الأمن القومي والمائي للقبول بخطة ترامب لتهجير فلسطيني غزة إلى سيناء.

 

ويواجه شعبا مصر والسودان، تهديدا يصفه البعض بـ”الوجودي” مع بناء إثيوبيا السد على النيل الأزرق المصدر الأساسي للمياه الواردة إلى دولتي مصب نهر النيل، خاصة مع فشل الدول الثلاثة في الوصول لاتفاق ملزم لأديس أبابا حول وضع السد وتشغيله، ما يهدد مصر بالجفاف والسودان بالغرق حالة وقوع أخطاء فنية، وفق مراقبين.

ويؤكد خبراء أن إثيوبيا استغلت حاجة السيسي، للحصول على دعم أفريقي وشرعية لانقلابه على الرئيس الشرعي  الدكتور الشهيد محمد مرسي عام 2013، لتوقيع اتفاقية ثلاثية مع السودان عام 2015، منحتها فرصة لتمويل السد دوليا، لتستخدم المفاوضات لكسب الوقت وإكمال بناء السد، دون التوصل لاتفاق ملزم بشأن الملء وضمانات السلامة والجوانب البيئية وفرص الأمر الواقع.

“ترامب بين 2020 و2025”

وفي رؤيته قال الأكاديمي المصري والخبير في ملف المياه والسدود الدكتور محمد حافظ: “واضح أن ترامب يجيد لعب البوكر مع قيادات العالم العربي ويدفع الأمور لأقصي الحدود بحيث إذا أشتد الأمر وتطلب تسوية تكون يده هي العليا في أي تفاوض مستقبلي مع أي طرف عربي رافض لخطة ترامب في تهجير شعب غزة”.

 

الخبير المصري في هندسة السدود وجيوتكنيك السواحل الطينية بجامعة “Uniten” بماليزيا، أوضح أن “من أحد استراتيجيات ترامب مع مصر هو رفع سقف (الابتزاز) لأعلى سقف ممكن ويضغط على (نقاط الضعف) لديها”.

 

وبين أنه “رغم موقفه (الشجاع) عام 2020، ودعوة دول حوض النيل الأزرق إلى البيت الأبيض للتفاوض حول إيجاد (حل عادل) لسد النهضة، ومساندته للدولة المصرية في الحصول على حصة محددة من النيل الأزرق حتى وإن كانت أقل من المنصوص عليها في اتفاقية 1959، وموافقة مصر على اقتراحه ورفض إثيوبيا لهذا الاقتراح حيذاك”.

 

وواصل: “إلا أن موقفه المساند لمصر عام 2020، اختلف اليوم؛ وذلك بسبب رفض الدولة المصرية تصفية القضية الفلسطينية وتهجير أهل غزة إلى سيناء لتوسيع دولة إسرائيل”، موضحا أنه “عندما يكون في المعادلة (مصلحة إسرائيل) يضع ترامب (مصالح أمريكا) مع العرب ومع مصر تحديدا بعد (المصالح الإسرائيلية)”.

 

ويرى حافظ، أنه “لذلك فالمنتظر من (ترامب 2025) أن يكون على النقيض تماما من (ترامب 2020)، وأنه بدلا من تصريحاته المؤيدة لتفجير سد النهضة عام 2020، فإنه يبدوا أنه سيكون اليوم هو أول من يحمي سد النهضة، ويحمي رئيس وزراء إثيوبيا (كيدا) في الدولة المصرية ولزيادة الضغط عليها لقبول اقتراحه”.

 

“محبس ترامب”

ولذلك يعتقد “حافظ “، أنه “سوف يشجع إثيوبيا أن تعلن قريبا عن بناء أحد السدود العلوية لسد النهضة تحديد (سد كارادوبي) أو (سد منديا) بحجة حجز الطمي عن (سد النهضة) وبذلك يكون أضاف (محبس أو محبسان) جدد على حصة الدولة المصرية من النيل الأزرق مهددا وجود الدولة المصرية في حالة رفضها (اقتراح التهجير)”.

 

ويقترح حافظ على حكومة الانقلاب “سحب توقيع السيسي، على اتفاقية (سد النهضة) وإعادة (قضية سد النهضة) للساحة الدولية وخاصة في وجود (دلائل) حول تكوين (تكتل دولي) ضد (مغامرات ترامب)، وهناك إحتمالية كبيرة في حصول الدولة المصرية على (تأييد) عالمي من الصين وروسيا لمساندتها ضد (مغامرات ترامب)”.

 

وأكد أنه “لذلك فعلي الشعب المصري اليوم، أن يدرك كيف لترامب ولغير ترامب التحكم في (إرادة الدولة المصرية) من خلال محبس (سد النهضة) والذي منحه السيسي (قبلة الحياة) عندما وقع على اتفاقية المبادئ عام 2015 وما بها من (بنود سرية) تمنعه من تقديم تلك الاتفاقية للبرلمان المصري حتى بعد مرور (10 سنوات) على توقيعها”.

 

وخلص للقول: “ما لم تنسحب مصر من اتفاقية مبادئ سد النهضة وتتقدم رسميا للبنك الدولي والصين وروسيا بعدم المساهمة في تمويل أي (سدود إثيوبية جديدة) على النيل الأزرق فعلينا كشعب ودولة أن نستعد لتقبل الأمر الواقع وجفاف الدولة المصرية بمجرد  إنتهاء ما لدينا من مخزون حالي في بحيرة ناصر”.

 

ولفت إلى أن “هذا المخزون كافي لتغطية احتياجات الدولة المصرية لمدة عامين من اليوم، بدون أي مشاكل، وذلك بسبب التعويضات الكبيرة للبحيرة الناجمة عن استيعاب الحصة السودانية والتي تزيد عن (40 مليار متر مكعب) خلال فيضان عامي (2023 و 2024) بسبب هجرة الفلاح السوداني لأرضه نتيجة الحرب الأهلية وسوء الحالة الفنية والأمنية لجميع السدود السودانية وعدم قدرتها على التخزين بسبب سوء الصيانة”.

 

 

“ولاية ترامب الأولى”

وتبنت إدارة ترامب الأولى ملف التفاوض بين مصر السودان وإثيوبيا، وتوصلت وفي شباط/ فبراير 2020، لاتفاق بخصوص ملء وتشغيل السد الذي تبلغ تكلفته 4 مليارات دولار لكن إثيوبيا تخلفت عن اجتماع واشنطن ووقعت مصر فقط عليه بالأحرف الأولى.

 

وفي أغسطس 2020، قررت إدارة ترامب بحجب مساعدات كانت تقدمها واشنطن لإثيوبيا، وهو القرار الذي ألغاه الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن في فبراير 2021، بعد شهر واحد من توليه السلطة.

  

“ارتباطات واسعة لإسرائيل وإثيوبيا”

وخلال السنوات الماضية، وفي ظل تزايد حجم الخلاف المصري الإثيوبي يواصل الاحتلال الإسرائيلي التوغل الاقتصادي والتجاري والعسكري في إثيوبيا، وسط حضور قوي لشركاتها بمجالات الطاقة والزراعة والثروات المائية، والتكنولوجيا.

 

وهو ما كشفت عنه في  سبتمبر الماضي، مجلة “نيولاينز الأمريكية مؤكدة أن الاحتلال يوفر الأمن والتدريب العسكري وإدارة الموانئ والتكنولوجيا لها، ملمحة إلى تعارض تلك السياسات مع مصالح حليفتها مصر التي تراجعت أدوارها في القارة.

 

آخر الاتفاقيات، جرى توقيعها الأربعاء، عبر مذكرة تفاهم بالعاصمة الاثيوبية لتعزيز التعاون بمجالات موارد المياه وتنمية الطاقة.

 

كما أن مسؤولين إسرائيليين كانوا قد اعترفوا بدور الكيان المحتل في دعم السد الإثيوبي، والتي كان من بينها إعلان رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي نتنياهو خلال زيارته لإثيوبيا عام 2016، أن إسرائيل ستساعد إثيوبيا بتحسين وزيادة حصتها من مياه النيل”.

 

ووسط مطالبات مصرية من حكومة بلادهم بتدمير السد الإثيوبي بعد فشل العديد من جولات التفاوض، نشر موقع “ديبكا” العبري خبرا عن إمداد إثيوبيا بمنظومة دفاع جوي إسرائيلية قصيرة المدى من نوع “سبايدر” في تموز/ يوليو 2019، وتنصيبها لحماية سد النهضة، فيما تواردت أنباء حول توريد تل أبيب لأديس أبابا منظومة الدفاع الجوي بعيدة المدى “باراك 8″، لنفس الغرض.

 

وتخوف سياسيون مصريون من وجود اتفاق إسرائيلي إثيوبي لتوصيل مياه النيل إلى الأراضي المحتلة، وهو ما عبر عنه في نيسان/ أبريل 2021، المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية حينما قال في تصريح تراجع عنه لاحقا، باستعداد بلاده لبيع الماء والكهرباء لإسرائيل.

وفي 28 فبراير 2022، أعلنت مصر دخولها مرحلة الفقر المائي منذ سنوات مع تراجع نصيب الفرد من المياه إلى نحو 558 متر مكعب سنويا، أي ما يساوى نصف معدل الفقر البالغ 1000 متر مكعب.

 

ويبلغ إجمالى الاحتياجات المائية لمصر نحو 114 مليار متر مكعب سنويا من المياه، وفق تصريح وزير الموارد المائية 28 آذار/ مارس 2021، فيما تبلغ حصة مصر من مياه النيل 55 مليار متر مكعب سنويا، وتبلغ حصة السودان من مياه النيل نحو 18.5 مليار متر مكعب سنويا.