الباحث السياسي محمد عبدي لـ”الحرية والعدالة”: نجاح الاتفاقات المصرية الصومالية يتوقف على جدية مصر

- ‎فيأخبار

 

 

تشهد العلاقات المصرية الأثيوبية مؤخرا مزيدا من التوتر الذي تصاعد إلى مستوى التصعيد العسكري تجلت في تفعيل الاتفاقات العسكرية الموقعة بين مصر والصومال كخطوة استراتيجية جديدة ، تترافق مع النزاع المستمر بين البلدين حول سد النهضة وهو ما يراه البعض محاولة مصرية لإعادة التموضع في منطقة القرن الإفريقي وبناء تحالفات تعزز موقفها الإقليمي.

وقد كان لهذه التطوارات الجديدة تفاعلات على المستوى البحثي حيث رصد " مركز الشارع السياسي للبحوث الدراسات " هذه التطورات وحاول الإجابة على ما يشهده الحدث من تأثيرات وتوقعات.

" الحرية والعدالة " التقت المحلل السياسي الصومالي محمد عبدي، الصحفي والباحث في "مركز الصومال للدراسات"، لنتعرف منه على رؤيته للتأثيرات المحتملة لهذه الاتفاقات على الأوضاع الإقليمية، وعلى الصراع المصري الإثيوبي.

في البداية سألنا محمد عبدي عن تأثير هذه الاتفاقات العسكرية على توازن القوى في منطقة القرن الإفريقي، فأكد أن "الاتفاق العسكري بين الصومال ومصر سيكون له تأثير كبير على توازن القوى في المنطقة. إذا ما قدمت مصر دعماً كبيراً وساهمت في إعادة بناء القوات المسلحة الصومالية، التي كانت من أقوى الجيوش في شرق إفريقيا خلال السبعينات، مشيرا إلى أن هذا التعاون من شأنه أن يعيد توازن القوى في منطقة القرن الإفريقي خاصة أن هذه الاتفاقات تأتي في وقت تعاني فيه إثيوبيا من صراعات داخلية بين الحكومة والجماعات العرقية، وهو ما قد يمنح مصر فرصة لتعزيز نفوذها الإقليمي من خلال دعم الصومال.

 

الدوافع المصرية لتوقيع الاتفاقات

وحول الأسباب التي دفعت مصر إلى توقيع هذه الاتفاقات في هذا التوقيت تحديداً، قال عبدي أن "غياب مصر عن الساحة الإفريقية لفترة طويلة كان متزامناً مع تراجع دورها السياسي والريادي في العالم العربي والقارة الإفريقية ، ولذلك فإن عودتها الآن في هذا التوقيت يعود إلى تنامي شعور مصر بالتهديد المتزايد من إثيوبيا، خاصة في قضية سد النهضة. ، كما أن مصر تدرك أن الصومال تسير نحو التعافي، وهي دولة عضو في الجامعة العربية وتتمتع بموقع استراتيجي على البحر الأحمر والمحيط الهندي، مما يجعل من الضروري لمصر تعزيز العلاقات معها للحفاظ على مصالحها الإقليمية.

 

وعن مدى تأثير هذه الاتفاقات على موقف مصر في نزاعها مع إثيوبيا حول سد النهضة، قال عبدي أن  "إثيوبيا قد تعتبر هذه الخطوة تهديداً لأمنها القومي ومن المتوقع أن تحاول إثيوبيا زعزعة الاستقرار في الصومال كجزء من محاولاتها لإضعاف هذا التحالف الجديد ، وقد تسعى للاعتراف بصوماليلاند كدولة مستقلة، أو تدعم القبائل الصومالية ضد بعضها البعض. كما أنها قد تلجأ إلى دعم حركة الشباب بشكل غير مباشر لإضعاف الحكومة الصومالية." مشيرا إلى أن إثيوبيا تعتبر نفسها القوة الإقليمية الرئيسية في القرن الإفريقي، وقد ترى أن التحالف المصري الصومالي يمثل تحديًا مباشرًا لهذا الدور. وبالتالي، فإن إثيوبيا قد تتخذ خطوات لعرقلة جهود مصر في بناء تحالفات جديدة في المنطقة.

 

الصومال حليف استراتيجي لمصر

سألنا عبدي عن مدى إمكانية أن يصبح الصومال حليفاً استراتيجياً لمصر في صراعها مع إثيوبيا، فقال: "الصومال يمكن أن يصبح حليفاً استراتيجياً لمصر إذا التزمت مصر بتقديم الدعم الفعّال والمستدام خاصة أن الصومال دولة تمر بمرحلة تعافي سياسي وأمني، وإذا تمكنت مصر من تقديم الدعم العسكري والتنموي بشكل فعال، فقد تصبح الصومال شريكاً رئيسياً لمصر في المنطقة." ، إلا أنه استدرك قائلا أن العلاقة بين البلدين ستعتمد بشكل كبير على مدى جدية مصر في تنفيذ التزاماتها تجاه الصومال، وكذلك على قدرة الحكومة الصومالية على تعزيز استقرارها الداخلي.

وفيما يتعلق بتعزيز العلاقات بين مصر ودول القرن الإفريقي الأخرى ومدى إمكانية انضمام دول إفريقية أخرى لمثل هذه  الاتفاقات قال عبدي أن هناك احتمالية لأن تنضم دول أخرى إلى هذا التحالف، مثل جيبوتي وإريتريا. وأضاف: "العلاقات بين مصر وإريتريا قد تتحسن في ظل تدهور العلاقات بين إريتريا وإثيوبيا في الآونة الأخيرة. ، كما أن الدول الأخرى مثل جيبوتي قد تنجذب أيضاً إلى التحالف الجديد، خاصة إذا حققت الاتفاقات المصرية الصومالية نجاحًا ملموسًا." ، ولكنه أكد أن نجاح هذه التحالفات يعتمد بشكل كبير على قدرة الصومال على تعزيز استقرارها الداخلي، حيث يمكن أن يكون للدول الأخرى حافز للانضمام إذا رأت أن مصر والصومال تعملان معًا بفعالية.

تحديات محتملة

بالحديث عن التحديات التي قد تواجه تنفيذ هذه الاتفاقات على الأرض، أوضح عبدي أن : "التحديات الرئيسية تشمل محاولات إثيوبيا لتفكيك العلاقة بين الحكومة الفيدرالية الصومالية والولايات الفدرالية ، حيث أنه من الممكن أن تحاول إثيوبيا تحريض بعض القبائل الصومالية ضد الحكومة المركزية، وهو ما قد يعقد جهود مصر في تقديم الدعم العسكري والاقتصادي. ، وهو ما يتوقف على قدرة الحكومة الصومالية على تحسين أوضاعها الداخلية، وتعزيز علاقاتها مع الولايات والقبائل لضمان تنفيذ الاتفاقات بفعالية.

وعن تأثير الاتفاقات العسكرية على الأمن البحري في البحر الأحمر والمحيط الهندي، قال عبدي: "إذا سعت إثيوبيا لتنفيذ اتفاقاتها مع صوماليلاند بشأن الوصول إلى البحر، قد يحدث صدام مباشر بين مصر وإثيوبيا. هذا الصراع قد يمتد ليشمل البحر الأحمر وممر باب المندب، الذي يُعتبر حيويًا لمصر وقناة السويس."
وأشار إلى أن إثيوبيا لا تملك منفذًا بحريًا، لكنها قد تسعى لزيادة نفوذها البحري من خلال تحالفات مع مناطق مثل صوماليلاند، وهو ما قد يؤدي إلى تصاعد التوترات في البحر الأحمر.

 

التحالفات الإقليمية والتأثيرات الدولية

وحول دور القوى الدولية مثل الولايات المتحدة أو الصين في هذه الاتفاقات، أكد عبدي أن "مثل هذه الاتفاقات لا تخلو من تأثير القوى الكبرى حيث أن التنافس بين الصين والولايات المتحدة على النفوذ في القرن الإفريقي أمر وارد بشكل كبير ، كما أن تركيا أيضاً لها دور متزايد في المنطقة، وكذلك الإمارات ، مشيرا إلى أن هذه القوى الدولية قد تتدخل بشكل غير مباشر لدعم أو عرقلة هذه الاتفاقات، حسب مصالحها الجيوسياسية في المنطقة.

 

في ختام الحوار، سألنا عبدي عن إمكانية أن تكون هذه الاتفاقات بداية لتحالفات إقليمية أوسع تهدف إلى مواجهة النفوذ الإثيوبي، فأجاب: "التحالفات الإقليمية تعتمد على نجاح الاتفاقات الحالية. فإذا نجحت مصر في تقديم الدعم اللازم للصومال، وحققت استقرارًا داخليًا هناك، فمن الممكن أن نشهد تشكيل تحالفات جديدة في المنطقة."
وأضاف أن الدول الأخرى قد تنجذب إلى هذا التحالف إذا رأت أن مصر والصومال تعملان بشكل فعّال لتحجيم النفوذ الإثيوبي في القرن الإفريقي.