حينما يستأذن معتقل والدته  بالانتحار…ما حجم الظلم والعذاب على يد “السيسي”؟

- ‎فيحريات

 

مستنقع كبير من الظلم والمظالم تغرق فيه مصر، منذ نحو 11عاما، من الانقلاب العسكري، طالت فيه يد العسكر الجميع، سواء مؤيد أو معارض، وباتت مصر في غمة اقتصادية واجتماعية وإنسانية لا تنكشف.

 

وبلا نهاية وبلا أمل في تغيير ينفرد نظام السيسي بأكثر من 60  ألف رهينة ، بسجونه من خيرة شباب مصر ورجالها ونساءها، بلا أية حقوق أو مراعاة  لأبسط قواعد السجن أساسا، وهو ما يزيد حجم الظلم الذي يجلب لمصر الفقر والانهيار والانكسار بلا مخرج.

 

ومع انعدام الأمل، في الخروج من سجون السيسي، يتهدد  الكبت والضيق بعض المعتقلين، الذين باتوا أقرب للقتل أو الموت أو حتى إنهاء حياتهم.

 

وهو ما كشفت عنه السيدة المصرية أمل سليم العوضي، والدة المعتقل عمر محمد علي (31 عاما)، وأحدث أصداء واسعة بين المصريين، حيث كتبت عبر صفحتها بموقع فيسبوك، السبت، أن ابنها في آخر زيارة له في سجن بدر عقب عيد الفطر الماضي، طالبها بالسماح له بالتخلص من حياته.

 

عمر، الشهير بين النشطاء باسم “عمر سيد أحمد” وأحد المشاركين في ثورة يناير 2011، جرى اعتقاله قبل 10 سنوات من مطعم بأحد أحياء القاهرة، وحكم عليه بالسجن 25 عاما، ويعيش في زنزانة انفرادية وسط وضع صحي وإنساني قاس.

 

هموم وأشجان

 

وخلال الزيارة، وبحسب ما نشرته والدته، فقد أكد لها أنه نسي شكل الناس، ولم يبق له أي مستقبل، ووضعه الصحي مزر، ويريد أن يموت ويدفن بجوار والده، وأن هذا هو الأفضل له ولها ولثلاثة شقيقات.

 

وقالت الأم نقلا عنه: “وجودي جنب بابا أرحم لي ولك، أنا عايش في قبر عند حاكم ظالم، وبابا في قبر عند حاكم عادل، تفتكري من فينا أحسن من الثاني؟ اقتنعي إن وجودي عنده أفضل، وتبقى زيارة واحدة منك لينا إحنا الاثنين، وتوفري جهد وتعب ومواصلات”.

 

وأضافت: “أنتِ بتمشي، برجع زنزانتي أقعد على الفرشة بتاعتي في الأرض، آكل الأكل اللي جيباه (أحضرتيه) معك، أخلص وأصلي وأنام وأصحي في نفس المكان على الأرض، لا أعمل حاجة غير أني استناكي الزيارة الجاية عشان أخرج من زنزانتي، وألاقي أحد أكلمه، بدأت أنسى الكلام، بقيت أتوتر لو شوفت حد وأنا خارج، بدأت أنسى أشكال ناس كتير من العيلة وأصحابي”.

 

وتابعت في تدوينتها: “صدقيني ياماما أنا عايش ميت، وهذا إحساس لا أقدر أوصفه ولا أحد يقدر يتخيله، اقتنعي أني أروح لبابا عشان أرتاح، أنا اللي منعني أنت، لو عاوزة تريحيني إرضي وسيبيني أعمل كده، عشان أرتاح، وصدقيني أنتِ كمان هترتاحي وإخوتي يعيشوا حياتهم بدل ما هم محبوسون معي”.

 

ولفتت إلى أنه قال: “يا ماما أنا خلاص انتهيت، ومفصول من الجامعة، والشغل وشبابي راح، وليس معي أي حاجة أقدر أبدأ بها حياتي من جديد، هذا في حال لو خرجت، وهذا غير الأمراض الكثيرة عندي، محتاج وقت أتعالج يصل 10 سنوات”.

 

وواصلت: “ياماما فكري في كلامي بعقل، والمرة الجاية تعالي وأنتِ مقتنعة، مش عايز أعمل حاجة وأنتِ مش راضية عنها”، في طلب صريح منه للحصول على موافقتها بالتخلص من حياته.

 

الاعتقال

وفي عمر 22 عاما، اعتُقل طالب نهائي كلية الهندسة، عمر، واثنين من أصدقائه من مقهى بحي المعادي جنوب القاهرة في 2  يونيو 2015، ليتم إخفاؤه قسريا مدة أسبوعين، ثم عرضه على النيابة العسكرية وليس النيابة العامة، حيث تم إدراجه على لائحة الاتهام بالقضية (175 لسنة 2015) جنايات عسكرية.

 

تهمة عمر،  الذي كان يعمل بأحد المصانع الحربية، كانت إفشاء سر من أسرار الدفاع، بدعوى إمداد أحد المتهمين بمعلومات بشأن أحد ضباط أمن المصنع الحربي، ورغم ما ثبت أمام المحكمة من خطأ في التحريات والمعلومات، إلا أن المحكمة العسكرية قضت بسجنه بالمؤبد 25 عاما.

 

وفي 27 يوليو 2016، وبعد نحو عام من اعتقال عمر، أكدت منظمة العفو الدولية أنه تعرض للتعذيب بمبنى المخابرات العسكرية حتى تصوير فيديو يدلي فيه بـاعتراف مكتوب من قبل المحققين.

 

وتوالت الانتهاكات بحق المعتقل الشاب، حتى إنه وفي 2

أكتوبر 2022، تعرض للتحرش الجنسي على يد أفراد الأمن بسجن بدر، وذلك بعد ترحيله من سجن مزرعة طرة.

 

نالت قضية عمر اهتماما دوليا، ففي 19  ديسمبر 2016، طالبت السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة، سامنتا باور، بالإفراج عنه.

 

وفي 24 نوفمبر 2022، شملت عمر دعوة البرلمان الأوروبي للإفراج عن نحو 30 شخصية مصرية معتقلة على ذمة قضايا سياسية.

 

لكن لم يتم إخلاء سبيله، وبسبب ما يواجهه من انتهاكات، أوصى عمر في وصية أودعها محبسه لتوثيقها بالتبرع بجميع أعضائه بعد وفاته، وفق ما كشفته شقيقته الصحفية سارة، في 13  أغسطس الماضي، والتي أكدت أنه لم يعد يتحمل،  وبدأ يخطط لموعد وطريقة إنهاء حياته.

 

وتعد القسوة والتجبر الذي تمارسه  دولة السيسي، غير مسبوقة بالتاريخ الإنساني، وهو ما يهدد بالانفجار والانهيار الشامل، وعندها سيكون الكل خاسر، فهل يتبقى لهذا النظام من عقل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟.

 

النساء لم يسلمن أيضا

 

في واقعة مشابهة لواقعة عمر، أكدت أسرة معتقلة مصرية من منطقة شعبية بالقاهرة، أن نجلتها المعتقلة في سجن القناطر للنساء سيء السمعة، طلبت من أمها ذات الطلب، قائلة لها: “سامحيني لو جيتي ولا تجدي إلا جثتي”.

وتوضح الأسرة المنكوبة باعتقال الأب العائل، وأزواج البنات، أنها تذهب كل زيارة وتدعو الله ألا يكون قد أصاب نجلتها أي مصاب أليم، ملمحة إلى أن معاناة نجلتها تفاقمت بعد خروج بعض الناشطات المعروفات من محبسهن، حيث كن يوفرن لها بعض الحماية والرعاية ويمنعن عنهن الانتهاكات.

وتشير إلى أن “نجلتهم عليها توصية خاصة من أحد ضباط الأمن الوطني، الذي حاول تجنيدها قبل الاعتقال، وحاصرها في كل مكان في بيتها وعملها وحتى بالشارع وظل يراقب تحركاتها، ويتصل بها مهددا باختطافها واغتصابها لو لم تتعاون معه وتبلغه عن تحركات أسر المعتقلين وطرق تقديم الدعم المالي لهم.

 

وتؤكد الأسرة أنه تم اعتقال نجلتهم خلال زيارة لزوجها في السجن، بعدما تم خداعها من المشرفات على الزيارة بأنها ستدخل لزيارته، ليتم احتجازها وإيداعها السجن، ليتم الاعتداء عليها وتعذيبها للحصول على اعتراف، وأنها من شدة التعذيب قررت تأليف قصة وهمية وكتابتها كاعتراف منها حتى يتم وقف التعذيب.

 

ولفتت إلى أنه تمت إحالتها للمحاكمة والحكم عليها، وتعيش وسط معاناة دفعتها للتفكير في الخلاص من حياتها، لولا محاولاتنا معها.

 

حالات انتحار معتقلين

 

في نهاية فبراير الماضي ظهرت رسالة مهربة من “سجن بدر 3” تكشف عن انتحار السجين حسام “أبوشروق” بشنق نفسه، وفشل محاولة محمد ترك أبويارا، وعوض نعمان، الانتحار بقطع شرايين معصميهما.

 

ما دفع منظمة “الديمقراطية الآن للعالم العربي” (DAWN) لدعوة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى التحقيق في الانتهاكات الجسيمة التي أدت لانتحار السجناء.

وحاول المعتقل الشاعر جلال البحيري، الانتحار في 9 سبتمبر الماضي، مع استمرار حبسه احتياطيا مدة عامين، رغم إنهاء حكم سابق بحبسه 3 سنوات، وفق ما نشر الناشط أحمد دومة، عبر صفحته بـ”فيسبوك”.

 

وفي الشهر ذاته، تحدثت “التنسيقية المصرية للحقوق والحريات”، و”مركز الشهاب لحقوق الإنسان”، عن محاولات انتحار لمعتقلين جرى إنقاذهم بسجن برج العرب بمحافظة الإسكندرية.

 

وفي 10 مارس 2023، نقل المحامي الحقوقي نبيه الجنيدي عن الصحفي المعتقل أحمد سبيع قوله للقاضي خلال جلسة محاكمته أن هناك 200 محاولة انتحار في سجن “بدر 3″، في فبراير 2023، وحده.