بلا مبالغة يعيش أكثر من 60% من الشعب المصري في أزمات يومية، لا مخرج لها، لا يكاد المرء يستريح برهة واحدة من الأزمات، وذلك كله على الرغم من التدفقات المليارية التي دخلت مصر منذ مارس الماضي، وهو ما اعترفت به وهللت له كل وسائل الإعلام المؤيدة للسيسي، مبشرين بانقشاع الأزمة الاقتصادية ، وأن المصريين سينعمون بالرخاء والرفاهية، بعد بيع أرض رأس الحكمة للإمارات، والاتفاق مع صندوق النقد الدولي لتمويل مصر بـ8 مليار دولار، وتقديم الاتحاد الأوربي نحو 10 مليارات دولار ، وإمداد البنك الدولي ومؤسسات مالية أخرى مليارات الدولارات، التي وصلتت تقديراتها إلى نحو 53 مليار دولار، إلا أن الحلم الجميل بالرخاء الاقتصادي، تبدد سريعا، بإعلان إعلاميي النظام بأن الدولارات التي دخلت مصر ليست للحرق في محطات الكهرباء لتوليد التيار الكهربائي، وعلى المصريين أن يتناغموا ويقبلوا بالأمر الواقع، بانقطاع الكهرباء يوميا من ساعتين إلى 4 ساعات، بحسب جداول القطع التي تطال كل محافظات مصر، عدا المحافظات السياحية كالبحر الأحمر وجنوب سيناء ومطروح، ومناطق إقامة الضباط.
وهو ما يهدد بقتل المصريين ، كما حدث مع المواطن المصري ، محمود خطاب، بمنطقة الطالبية بالهرم، حيث قتل في مصعد منزله، إثر انقطاع الكهرباء من الساعة 11 إلى الواحدة يوميا، وغيره الكثيرون.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ يعاني أكثر من 25 مليون مصري مريض بالسكر، من نقص الأنسولين بصورة كبيرة، تهدد حياة الملايين، بل ارتفعت أسعار أكثر الأدوية بنسب بين 30% و50%، وهو كابوس يهدد ملايين المرضى المصريين، وجاءت أزمة نقص الأنسولين والأدوية، بعد انهيار قيمة الجنيه أمام الدولار، ورفض المصانع وشركات الأدوية إنتاج الأدوية بنفس الأسعار الحالية، التي تقول: إنها “تسبب لهم خسائر، ولعل ما فاقم الأزمة هو سيطرة هيئة الشراء الموحد التابعة للجيش على استيراد جميع أنواع الأدوية من الخارج، والتي يشرف عليها اللواء بهاء، والتي تحصل بلا وجه حق على أرباح صافية تقدر بـ7% من أي صفقة، وهو ما يزيد سعر الأدوية ويقلل أرباح الصيدليات التي تواجه أزمة حادة، بعد رفض الشركات البيع الآجل للصيدليات.
ومع استمرار أزمة الكهرباء وأزمة الأدوية وغلاء الأسعار والركود الذي يضرب الأسواق المصرية ، إثر العجز المالي الذي يضرب كل الأسر المصرية، بعد تراجع سعر الجنيه أمام الدولار نحو أكثر من 50 جنيها، يكاد المصريون يجنوا بسؤالهم عن الدولارات التي دخلت مصر في الأيام الأخيرة ، ورغم ذلك لم يشعروا بأي تحسن ، وسط أحاديث عن احتمالات الدخول في مشاريع كبيرة من عينة الفناكيش التي أفقرت مصر، ويدور تفكير السيسي حاليا حول مشروع الازدواج الكامل لقناة السويس، وعلى مشروع قناة القطارة الرابط بين البحر المتوسط ومناطق الصحراء الغربية وصولا إلى توشكي.
بجانب بناء أبراج أيقونية جديدة في العلمين وبناء مطار جديد في رأس الحكمة بأموال مصرية ليستفيد منه رجال الأعمال الإماراتيين، وغيرها من مشاريع إهدار المال التي يجيدها السيسي.
تقليص الإنفاق العام إرضاء للصندوق
فيما يرى خبراء أن السيسي يسعى لإرضاء صندوق النقد الدولي، الذي يستعجل مصر لإكمال ما يسميه إصلاحات، من أجل إتمام باقي أموال القرض.
وككان جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، قد أكد أن المرحلة المقبلة تمثل فرصة أمام مصر لتسريع وتيرة الإصلاحات، مذكرا بأهمية تخفيف المخاطر عن الاقتصاد المصري، وأشار أزعور، في مقابلة مع “بلومبيرج الشرق” على هامش اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين في واشنطن، إلى أهمية الاستمرار في السماح بمرونة سعر الصرف للعملة المصرية مقابل الدولار، لتجنب المخاطر التي سببت الأزمات السابقة.
وتعرضت مصر، على مدار أكثر من عامين، لأزمة عملة أجنبية حادة، بدأت مع خروج الأموال الساخنة من السوق المصرية بالتزامن مع بدء دورة رفع الفائدة الأميركية، قبيل نهاية الربع الأول من عام 2022، وتفاقمت مع تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، والشهر الماضي، وقّعت مصر عقد بيع منطقة رأس الحكمة،
وساهمت الصفقة الإماراتية في تحسين الرؤية المستقبلية للاقتصاد المصري، فتوالت بعدها تعهدات التمويل من صندوق النقد والبنك الدوليين والاتحاد الأوروبي، بقيمة إجمالية لا تقل عن 50 مليار دولار، ما سمح للبنك المركزي المصري بإجراء تعويم جزئي للجنيه.
وطالب أزعور الحكومة المصرية بالعمل على خفض معدل التضخم والسعي لمدّ شبكة الحماية الاجتماعية في البلاد.
وأشار إلى أهمية التركيز خلال الفترة القادمة على خلق فرص العمل، مؤكدا أن دور القطاع الخاص أساسي، كذلك شدد على ضرورة إعادة النظر بهيكلة دور القطاع العام ليكون رادفا وليس منافسا للقطاع الخاص، مؤكدا أهمية دعم القطاع الخاص، لا التنافس معه من قبل الدولة.
وأكد أن برنامج القرض الخاص بمصر ينبغي أن يساعد البلاد على تخفيف عبء ديونها تدريجيا، وأضاف في مؤتمر صحافي، نتوقع تدريجيا مع تنفيذ البرنامج وتحسن الميزانيات العمومية وزيادة التدفقات أن تصبح مصر قادرة على تقليص وسداد جزء من ديونها، وسبّبت توقعات قيام البنك المركزي المصري خفضا جديدا للعملة المصرية مطلع العام الجاري في ارتفاع معدل التضخم في البلاد في شهر فبراير للمرة الأولى في خمسة أشهر، بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية والخدمات.
وأعلن الجهاز المركزي المصري للتعبئة العامة والإحصاء ارتفاع أسعار المستهلكين في شهر فبراير بنسبة 35.7% على أساس سنوي، مقابل نسبة 29.8% سُجِّلَت في يناير، وارتفع معدل التضخم الأساسي، باستبعاد السلع الأكثر تقلبا، بنسبة 35.1% في فبراير مقارنة بنسبة 29.8% في يناير.
ومع استمرار رهن السيسي اقتصاد مصر لصندوق النقد الدولي، ستظل أزمات الكهرباء وانقطاعها اليومي رغم تدفقات الدولارات إلى مصر، وكذا زيادة إفقار المصريين بتقليص الإنفاق الحكومي على الخدمات الحكومية، ومن ثم رفع تكاليف الحياة وزيادة التضخم، وذلك من أجل الحصول على باقي قرض الصندوق، الذي لن يفيد أحدا سوى السيسي وزمرته فقط، أما المصريون فعليهم دفع الثمن، وهو الحال المعاش حاليا، في ظل ارتفاعات الدولار بالسوق السوداء خلال اليومين المايين واقترابه من حدودد 50 جنيها، وهو ما سيشعل نار الأسعار التي لم تطفأ أساسا.