لعل النتائج السياسية والاجتماعية والبشرية لأية معركة عسكرية أو احتراب ومواجهات، تبقى هي الأهم لدى صانعي القرار والمقاتلين الذين لهم رسالة وأهداف أبعد من مجرد القتال.
وفي هذا المضمار، يمكن لأي متابع، أن يرى حجم الانتصار الكبير الذي حققته حركة حماس، في معركة طوفان الأقصى، إذ كسرت شوكة الاحتلال الصهيوني وقواته العسكرية التي كانت قبل 7 أكتوبر، قوة لا تقهر، فقد أذلت حماس الصهاينة، رغم حجم المجازر الكبيرة في صفوف المدنيين الفلسطينيين، وجعلت الصهاينة يحرقون ويقصفون جنودهم ومركباتهم بالطائرات خوفا وارتباكا.
وعلى الصعيد السياسي، جرجرت حماس إسرائيل إلى مربعها، وأفشلت مخططات كانت أكبر وأخطر على عموم الفلسطينيين من هدم للأقصى وبناء الهيكل، وإقامة تطبيع كامل مع كبريات الدول العربية والإسلامية على حساب الشعب الفلسطيني، ومحو المقاومة من الأراضي الفلسطينية، وقد مثلت التهدئة المؤقتة التي مددت من 4 أيام إلى 6 ، فرصة كبيرة لحماس لإملاء شروطه على الصهاينة، في مسائل تحرير الأسرى وإيصال المساعدت وغيرها.
وكذلك على المستوى الإنساني، فقد تعددت رسائل الشكر والعرفان من قبل الأسرى الإسرائيليين الذين أفرجت عنهم حماس، وفق صفقة التهدئة، وتابعت كاميرات الميديا لحظات تسليم الأسرى الصهاينة ، من تلويح بالأيدي وتقبيل على الهواء وشكر للمقاومة الفلسطينية التي احترمت إنسانيتهم وعاملتهم بإحسان.
وكان أبرز رسائل الشكر الكاشفة عن انتصار حماس على المستوى الإنساني، رسالة دانيال ألوني.
ونشرت كتائب القسام، مساء أمس الإثنين، رسالة من إحدى المحتجزات الإسرائيليات اللواتي أُطلق سراحهن مؤخرا في إطار اتفاق تبادل الأسرى، شكرت فيها مقاتلي وقادة القسام الذين رافقوها وابنتها خلال فترة الاحتجاز.
إنسانيتكم غير الطبيعية
وجاء في رسالة الإسرائيلية دانيال ألوني “للجنرالات الذين رافقوني في الأسابيع الأخيرة، يبدو أننا سنفترق غدا، لكنني أشكركم من أعماق قلبي على إنسانيتكم غير الطبيعية التي أظهرتموها تجاه ابنتي إميليا، كنتم لها مثل الأبوين، دعوتموها إلى غرفتكم في كل فرصة أرادتها، تشعر بأنكم كلكم أصدقاؤها، ولستم مجرد أصدقاء وإنما أحباب حقيقيون جيدون، لقد اعتبرت نفسها ملكة في غزة”.
ملكة في غزة
وتابعت ألوني في رسالتها: “الأولاد لا يجب أن يكونوا في الأَسر، لكن بفضلكم وبفضل أناس آخرين طيبين عرفناهم في الطريق، ابنتي اعتبرت نفسها ملكة في غزة، وأنها كانت مركز العالم، فلم نقابل شخصا في طريقنا الطويلة هذه، من العناصر وحتى القيادات، إلا وتصرف تجاهها برفق وحنان وحب، أنا للأبد سأكون أسيرة شكر، لأنها لم تخرج من هنا مع صدمة نفسية للأبد، سأذكر لكم تصرفكم الطيب معنا، رغم الوضع الصعب الذي كنتم تتعاملون معه بأنفسكم والخسائر الصعبة التي أصابتكم هنا في غزة”.
وقالت “يا ليت في هذا العالم يقدر لنا أن نكون أصدقاء طيبين حقا، أتمنى لكم جميعا الصحة والعافية لكم ولأبناء عائلاتكم”.
وسبق أن ظهرت الإسرائيلية دانيال ألوني في فيديو خلال فترة احتجازها، طالبت فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين في غزة وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.
طعنة لنتنياهو واليمين المتطرف
وجاءت رسالة الشكر، في الوقت الذي يؤكد فيه القادة الصاينة على أن الفلسطينيين مجرد حيوانات ينبغي قتلهم، وقصف المستشفيات وقتل المصابين ومنع الدواء عن الأطفال الفلسطينيين الخدج والمعاقين، وعدم احترام إنسانيتهم بالمرة، وقصف المرات الآمنة التي وعدت بها إسرائيل النازحين، في استهتار بقيم الإنسانية.
وهو ما يجعل رسائل المحتجزين الصهاينة أشد إيلاما للصهيونية، إذ تشكل رسالة ألوني، التي تم تداولها بشكل واسع وغيرها من تصريحات سابقة لمحتجزين إسرائيليين أُفرج عنهم من غزة، ضربة قاسية لنتنياهو وحكومته المتطرفة، التي حاولت تشويه سمعة المقاومة بشتى السبل واتهامها بقتل الأطفال واغتصاب النساء.
شهادات بحق حماس
وكان الإعلام العبري نقل ، الاثنين، عن أقارب أسرى إسرائيليين أطلقتهم حماس قولهم: إنهم “لم يتعرضوا للتعذيب أو سوء المعاملة، أثناء وجودهم لدى فصائل المقاومة في قطاع غزة”.
تطمينات السنوار للأسرى الإسرائيليين
إلى ذلك، أفادت القناة 12 الإسرائيلية، الاثنين، بأن قائد حركة حماس في قطاع غزة يحيى السنوار التقى عددا من المحتجزين الإسرائيليين داخل أحد الأنفاق، وتحدث إليهم بالعبرية.
وذكرت القناة أن إحدى المحتجزات اللواتي كن في قطاع غزة، وأطلق سراحها في الأيام الأخيرة، أخبرت عائلتها عن هذه الواقعة التي قالت: إنها “حدثت في الأيام الأولى للحرب الإسرائيلية على غزة”.
وبحسب القناة، فإنه في الوقت الذي كانت المحتجزة موجودة فيه مع محتجزين آخرين داخل النفق، شعروا بأن ثمة شيئا يحدث ومن ثم فُتح الباب.
وأضافت نقلا عن الأسيرة الإسرائيلية المحررة: “وقف عند الباب شخص ملتحٍ تحدث إليهم بلغة عبرية ممتازة، اسمه يحيى السنوار، زعيم حركة حماس في غزة ومن مؤسسي الجناح العسكري للحركة”.
وبحسب القناة، فإن السنوار أراد تفقّد وضع المحتجزين، ونظر إليهم داخل النفق وقال لهم باللغة العبرية: “مرحبا أنا يحيى السنوار، أنتم في مأمن تام هنا ولن يحدث لكم أي شيء”.
وأفادت القناة بأن هذا الكلام الذي قالته الأسيرة المحررة لعائلتها جرى التحقق منه من خلال الجهات الإسرائيلية التي قامت بالتحقيق معها بعد إطلاق سراحها في صفقة تبادل الأسرى التي بدأت الجمعة الماضي.
وكان الاحتلال الإسرائيلي قد أعلن عند بدء حربه على غزة أن السنوار وقائد كتائب القسام الذراع العسكرية لحركة حماس محمد الضيف هما على رأس القائمة المرشحة للاغتيال، وأهم هدفين لجيشها.
وادعت مصادر أمنية إسرائيلية أن السنوار والضيف كانا خلال أيام العدوان وسط شبكة من الأنفاق بنيت خصيصا ضد حملة القصف التي تشنها إسرائيل على غزة.
منذ خروجه من السجن الإسرائيلي عام 2011 عقب صفقة تبادل الأسرى، شكّل السنوار علامة فارقة في العمل الأمني بحركته، فهو إلى جانب خبرته التي اكتسبها في السجن، كان أول مؤسس للجهاز الأمني لحماس في الثمانينيات، الذي عُرف في حينه باسم “المجد”.
ويحيى السنوار، أو “أبو إبراهيم” كما يناديه المقربون منه، وُلد في مخيم خانيونس للاجئين، جنوبي قطاع غزة، لأسرة من مدينة المجدل في فلسطين التاريخية، وجرى أسره عدة مرات في السجون الإسرائيلية، وشغل مناصب قيادية داخل السجون.