عبر الصحفي التونسي أحمد القديدي عبر عن حبه للأديب الراحل بمقال نشرته "الشرق" القطرية بعنوان "قصتي مع الشهيد سيد قطب في ذكرى إعدامه السابعة والخمسين" نشره قبل أيام، وأوضح أنه في "ذلك اليوم الحزين 29 أغسطس 1966 حين جاءنا خبر تنفيذ حكم عبد الناصر بالإعدام على رجل مفكر وأديب ومؤمن بدينه ومتمسك بعقيدته (سيد قطب) خبر لم نتوقعه ونحن صحفيون شباب صلب الحزب الدستوري".
وأوضح أن سبب الحزن أن " الرئيس الحبيب بورقيبة تدخل قبل أشهر لدى نظيره جمال عبد الناصر، لإنقاذ سيد قطب من حبل المشنقة كما تدخل بحزم أيضا المغفور له الملك فيصل بن عبد العزيز". موضحا أن "تدخل بورقيبة كان مبنيا على مبدأ متأصل لدى زعيم تونس وهو الاعتراف بالجميل لكل من وقف إلى جانبه أثناء معركة التحرير، كما فعل تماما مع رئيس حكومة العراق محمد فاضل الجمالي".
وأبان أن "الجمالي" حين كان وزير خارجية المملكة العراقية في الأربعينيات مكن بورقيبة من عضوية الوفد العراقي للجمعية العامة للأمم المتحدة، ودافع بورقيبة من على منبر الأمم المتحدة عن قضية وطنه".
وأوضح أن "اعتراف بورقيبة بفضل سيد قطب فسببه يعود إلى سنة 1946 حين هاجر الزعيم التونسي إلى مصر عبر ليبيا فلم يجد أذنا صاغية من جامعة الدول العربية، ولكنه وجد في جماعة الإخوان الرعاية للقضية التونسية وأسكنوه في لوكندة على ملك الجماعة وأصبح يزوره بانتظام سيد قطب ويأخذه إلى المنابر لكي يتحدث عن ملف تحرير تونس العربية المسلمة".
وأوضح أنه نشر مقالا في جريدة (العمل) في الأسبوع الأول من سبتمبر 66 بعنوان (قطيعتنا مع عبد الناصر) ثم أتاحت لي ظروف إقامتي في الدوحة خلال التسعينيات أن أتعرف على الدكتور الفاضل محمد قطب شقيق سيد وحليفه في السجون وحافظ تراثه القيم رحمة الله عليه، وكان يشغل وظيفة أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة سعودية، وكانت لي مع د. محمد أحاديث مطولة في شقة زميلنا الكبير طيب الذكر د.عبد العظيم الديب – رحمه الله – أحد قادة الإخوان وهو الذي ربطته في الستينيات علاقة وثيقة مع الشيخ سيد بسبب اقتسامهما نفس الزنزانة في سجن حمزة البسيوني وهو الذي شرفني رحمه الله بكتابة مقدمة كتابي الصادر عن رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة بعنوان (نحو مشروع حضاري للإسلام)".
وأشار إلى كلمات من د. محمد قطب شقيق الشهيد سيد قطب قال له: "ما أعدل حكم الله سبحانه الذي يحاسب الظالمين فقد مني عبد الناصر بأشنع هزيمة عسكرية في الخامس من يونيو 1967 بعد سنة من مصرع شقيقي وتوفي في ظروف غامضة بعد ثلاثة أعوام غفر الله له ولكل من طغى وتجبر حين ظلم الأبرياء بقدرته عليهم ناسيا قدرة الله عليه، وفي الثمانينيات أهداني أحد المصريين المنفيين في قطر الأجزاء السبعة لكتاب سيد وهو (في ظلال القرآن) في طبعته الأولى بدار البولاق للنشر ولم يفارقني الكتاب بكل أجزائه إلا حينما استولى أصحاب الشر على بيتي وفيها مكتبتي وجزء من تاريخي ومسيرتي.
أخي الكبير سيد
ومن شريط ذكريات "قطب" في الحفل الذي أقامه ضباط ثورة 23 يوليو 1952، التي أسقطت الحكم الملكي في مصر، لسيد قطب بحضور عبد الناصر نفسه وجمهور واسع من الضباط والدبلوماسيين والأدباء والمهتمين، في أغسطس 1952 في نادي الضباط في منطقة الزمالك.
قال سيد قطب في ذلك اللقاء: ”إن الثورة قد بدأت حقا، وليس لنا أن نثني عليها، لأنها لم تعمل بعد شيئا يذكر، فخروج الملك ليس غاية الثورة، بل الغاية منها العودة بالبلاد إلى الإسلام“. ثم تابع سيد ”لقد كنت في عهد الملكية، مهيئا نفسي للسجن في كل لحظة، وما آمن على نفسي في هذا العهد أيضا، فأنا في هذا العهد مهيئٌ نفسي للسجن أيضا، ولغير السجن، أكثر من ذي قبل“.
وهنا وقف عبد الناصر وقال بصوته الجهوري: ”أخي الكبير سيد، والله لن يصلوا إليك إلا على أجسادنا، جثثا هامدة“.
هذا الموقف كتبه شخص حضر الحفل، هو الأديب السعودي المعروف، مؤسس صحيفة عكاظ بعد ذلك، أحمد عبد الغفور عطار؛ ونشره في مجلة كلمة الحق، العدد الثاني، مايو 1967.
بعد 14 عاما صدقت توقعات سيد قطب، وأُعدم بعد أن أمضى معظم ما تبقى من حياته في سجون ”تلاميذه“ من ضباط ثورة يوليو
موقف الشيخ ابن باز
والشيخ "ابن باز" لما بلغه إعدام "سيد قطب" رحمهما الله أرسل رسالة إلى جمال عبد الناصر يقول فيها:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلي الرئيس جمال عبد الناصر
السلام على من اتبع الهدى يقول الله عز وجل:
" ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما".
الأديب الشاعر المرهف
ولد سيد قطب إبراهيم حسين الشاذلي يوم 9 من أكتوبر 1906، في محافظة أسيوط بصعيد مصر، وكان والده عضوا في الحزب الوطني الذي كان يرأسه الزعيم مصطفى كامل، حفظ قطب القرآن الكريم بكُتاب القرية، ولم يتزوج قط، وكان له أختان هما حميدة وأمينة وأخ يصغره سنا هو محمد، والتحق بكلية دار العلوم وعاش بالقاهرة مع خاله الشاعر والصحفي والسياسي أحمد حسين الموشي.
وبعد تخرجه في العام 1933 عمل مدرسا للمرحلة الابتدائية، وتولى سيد قطب وظائف عدة في وزارة المعارف ثم قدم استقالته منها عام 1952 لكنه قضى عدة أشهر مستشارا لمجلس قيادة الثورة، تأثر سيد قطب في البداية بالمفكر المصري عباس العقاد ثم اختلف معه، ثم مهدت كتاباته الإسلامية منذ العام 1947 لبداية علاقته بجماعة الإخوان المسلمين التي انضم إليها رسميا عام 1953، وأصبح عضوا بمكتب إرشادها ومسؤول قسم نشر الدعوة بمجلتها، تنوعت كتابات قطب ما بين أدبية خالصة، وسياسية متنوعة، وإسلامية فكرية وحركية، وكتب النثر والرواية والشعر، وكان لا يقبل الحلول الوسطية في معاركه الفكرية والسياسية التي خاضها مع أحمد شوقي ومصطفى صادق الرافعي وطه حسين ومع النظام السياسي المصري لاحقا.
اعتقل بعد حادث المنشية في عام 1954 حين تعرض الرئيس جمال عبد الناصر لمحاولة اغتيال اتهم الإخوان بتدبيرها، وحكم عليه بالسجن 15 سنة عذب خلالها تعذيبا شديدا.
وحين قُبض على أخيه محمد في يوليو 1965 بعث قطب برسالة احتجاج إلى المباحث العامة فقبض عليه هو في أغسطس من نفس العام، وحكم عليه بالإعدام شنقا وتم تنفيذ الحكم فجر يوم الاثنين 29 من أغسطس 1966.
كان لقطب تأثير فكري بالغ في الحركات الإسلامية المعاصرة بمنهجه الذي ركز على مفهوميْن رئيسييْن هما: “الحاكمية” و”الجاهلية المعاصرة”. وكتب في سيرته ومسيرته وفكره عشرات البحوث والكتب والمقالات.
من أقوال الشهيد
يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله:
“لابد للأمة الإسلامية من ميلاد، ولابد للميلاد من مخاض، ولابد للمخاض من ألم”.
وقال أيضا “إن إصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلاة، ليرفض أن يكتب حرفا واحدا يقر به حكم الطاغية”.
وقوله: “إنهم يريدون إسلاما أمريكيا، إنهم يريدون الإسلام الذي يفتي في نواقض الوضوء ولكنه لا يفتي في أوضاع المسلمين السياسية والاقتصادية والاجتماعية”.
وقوله: “لا كفاح بلا عقيدة، ولا حياة بلا عقيدة، ولا إنسانية بلا عقيدة”.
يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله
"الانحراف الطفيف في أول الطريق ينتهي إلى الانحراف الكامل في نهاية الطريق، و صاحب الدعوة الذي يقبل التسليم في جزء منها و لو يسير، و في إغفال طرف منها و لو ضئيل، لا يملك أن يقف عند ما سلم به أول مرة، لأن استعداده للتسليم يتزايد كلما رجع خطوة إلى الوراء ".
ويقول رحمه الله :
ويقف الطغيان عاجزا أمام الإيمان ، وأمام الوعي ، وأمام الاطمئنان ، يقف الطغيان عاجزا أمام القلوب التي خيل إليه أنه يملك الولاية عليها كما يملك الولاية على الرقاب ، ويملك التصرف فيها كما يملك التصرف في الأجسام ، فإذا هي مستعصية عليه ، لأنها من أمر الله ، لا يملك أمرها إلا الله وماذا يملك الطغيان إذا رغبت القلوب في جوار الله؟ وماذا يملك الجبروت إذا اعتصمت القلوب بالله؟ وماذا يملك السلطان إذا رغبت القلوب عما يملك السلطان ؟".
مؤلفاته رحمه الله
من أشهر مؤلفاته التي لاقت إقبالا كبيراً في الأوساط الإسلامية عالميا وترجمت إلى لغات أجنبية “مهمة الشاعر في الحياة” عام 1936 الذي أتبعه بأكثر من 20 كتابا منها: “طفل من القرية، العدالة الاجتماعية، النقد الأدبي أصوله ومناهجه، والتصوير الفني في القرآن، وخصائص التصور الإسلامي، معالم في الطريق، والمستقبل لهذا الدين، وفي ظلال القرآن 1951-1964 في 8 مجلدات والذي قدم قراءة جديدة للقرآن الكريم.