قالت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، في تقرير لها، إن تدخل أبو ظبي في ليبيا لا يديم الصراع فحسب، بل يزيد من تفاقمه، مما يخلق كارثة إنسانية كبيرة في واحدة من أكثر مناطق العالم هشاشة.
وأضافت أن فرنسا تساعد الإمارات العربية المتحدة على إراقة الدماء المستمرة في الدولة الواقعة في شمال إفريقيا.
وأوضحت أن الأمم المتحدة والولايات المتحدة وفرنسا لم تقم بالكثير من أجل كبح هذا النشاط، ممن وصفتهم بـ”حماة القوة العظمى” في أبو ظبي، مبينة أن بعض صانعي السياسات الغربية ساندوا إلى حد بعيد الإمارات؛ لأنهم يتفقون مع أهدافها التوسعية الجغرافية والاقتصادية.
واتهم التقرير صانعي السياسة الغربيين بالتحيز لحماية الإمارات من الأضرار التي لحقت بسمعتها.
واعتبرت المجلة أن الإمارات وصانعي السياسات الغربية هم العقبة الرئيسية أمام تحقيق تسوية طويلة الأمد في ليبيا. وقالت “لقد عمل تحيز صانعي السياسة الغربيين على حماية الإمارات من الأضرار التي لحقت بسمعة المرء التي كان يتوقع المرء أن يكون تدخّلها طويل الأمد في ليبيا”.
وأشارت إلى أن الدعم الإماراتي يمنح حفتر الإفلات التام من العقاب على الساحة الدولية؛ بفضل مساندة صانعي السياسة الغربيين، حيث لم يظهر أبدًا تشككا في فعالية استراتيجيتهم في التهدئة أو مخطط تقاسم السلطة.
الوحيدة في التجاهل
وأشار التقرير إلى أن الإمارات تعتبر الدولة الوحيدة التي يتم تجاهل تدخلها من قبل الولايات المتحدة وغيرها من القوى، مطالبا بحاجة هذه القاعدة إلى التغيير إذا كان المجتمع الدولي جادًا في صياغة حل بين الفصائل المتحاربة في البلاد.
ولفتت فورين بوليسي إلى أن هاجس الإمارات من الإسلاميين ونيتها القضاء على جميع أشكال “الإسلام السياسي” أحد الدوافع الأساسية لدعم الإمارات لخليفة حفتر.
وتابع التقرير: “تحقيقا لهذه الغاية، مولت الإمارات بالفعل ودعمت الانقلاب السياسي على مصر التي انتخبت ديمقراطيا في ذلك الوقت الرئيس محمد مرسي في عام 2013”.
وأكملت أن الإمارات قامت بلعبة ساخرة لتحفيز انقلاب عبد الفتاح السيسي وصعوده إلى السلطة في مصر.
وأكد التقرير قيام الإمارات بمخالفة الإجماع الدولي للاعتراف بإفرازات العملية السياسية المدعومة من الأمم المتحدة، فقتلت العشرات من السكان المدنيين وتسببت في أضرار مادية جسيمة.
غزو طرابلس
وأشار التقرير إلى توسع البصمة الإماراتية في ليبيا منذ 4 أبريل 2019، حيث نفذت أبو ظبي وحدها أكثر من 850 غارة بطائرات بطيارين وبدون طيار نيابة عن حفتر.
وأشارت إلى بيانات كشفت أنه منذ يناير 2020، حلقت أكثر من 100 طائرة نقل جوي يشتبه في أنها تحمل أطنانًا من الأسلحة من الإمارات إلى شرق ليبيا ومصر.
وأشارت إلى قاعدة جوية إماراتية لا تزال الطائرات بدون طيار التي يقودها الإماراتيون والطائرات ذات الأجنحة الثابتة تستخدم القاعدة الجوية كمنصة إطلاق، مما يسهل تقدم الجيش الوطني الليبي، مع استمرار أبو ظبي في توفير الغطاء الجوي.
وأن البيانات تشير إلى خداع أبو ظبي العمال السودانيين للعمل كمرتزقة مع الجيش الوطني الليبي ، إلى جانب نقل وقود الطائرات لدعم جهود حرب حفتر.
زعيم من ورق
واستدرك التقرير بأن حفتر لولا هذا الدعم المكثف لما تحقق له أي ميزة عسكرية، وقال “إن قدرته على حكم ليبيا ما بعد الصراع بدون دعم أجنبي مشكوك فيها إلى حد كبير”، وهو ما يبعث بخيبة أمل منه من الليبيين الذين يريدون في أعقاب الثورة زعيما قويا، يفرض إحلال مظاهر الأمن والاستقرار.
وأشارت إلى أن انتصاراته الدامية والمدمرة في بنغازي ودرنة لم تكن لتتحقق على الأرجح دون دعم واسع النطاق من كل من الإماراتيين والمصريين. مضيفة أنه حتى الأهداف الأيديولوجية المعلنة للإمارات لم تعد تلقى صدى لدى الجمهور بعد الآن.
وقال التقرير إنه “بصرف النظر عن التداعيات الواضحة التي يطرحها هذا على الآفاق المستقبلية للديمقراطية الليبرالية في البلاد، فإن قوة حفتر موضع تساؤل كبير”.
وأضاف أن حفتر اعتمد على انحياز السيسي الأيديولوجي مع ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد، ثم منحه التفوق الجوي وكذلك الدعم الاستراتيجي والعتاد.
دور فرنسي
وتطرق التقرير إلى الدور الفرنسي المؤازر للإمارات في ليبيا، مشيرا إلى قدرة الإمارات على التأثير- وفي بعض الأحيان على التجميد– في الدبلوماسية المحيطة بليبيا من خلال دفع مصالحها الخاصة من خلال علاقاتها الثنائية، وبشكل رئيسي العلاقات التي تشترك فيها مع فرنسا.
وأضافت فورين بوليسي الأمريكية أنه اعترافا بأن دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا آخذ في التناقص، سعت الإمارات بدورها للاستفادة من عدم قدرة الدول الأوروبية على التأثير بشكل جماعي بدون الولايات المتحدة.
وأن فرنسا باتت الحليف الأوروبي الأساسي الذي حفزت أبو ظبي على دعم رؤيتها لليبيا، كما أنها الدولة التي أقامت معها علاقات أمنية ثنائية وثيقة.
وأكد التقرير أن الدعم العسكري السري الفرنسي لحفتر في بنغازي بدأ في وقت مبكر من عام 2015، بهدف مكافحة الإرهاب واستعادة الأمن في ليبيا.
وأشار إلى أن دعم باريس لحفتر الاستبدادي معاديًا لقيمها الديمقراطية الليبرالية، لكنه يتماشى بشكل عام مع جهودها لتطوير تحالفات عسكرية مع القادة الاستبداديين في أجزاء أخرى من إفريقيا لتأمين الساحل.
واعتبر التقرير أن الدعم السياسي من فرنسا إلى حفتر، كان بمثابة القيمة المضافة للعلاقات مع أبوظبي لحماية مشروعها في ليبيا في المجال العسكري.
وقال التقرير، إن الإمارات نجحت في تخفيف أهمية الدبلوماسية التي تشمل ليبيا بالكامل، من خلال علاقاتها الثنائية وجهود الضغط، مكنت أبو ظبي حفتر من التهرب من إدانة علنية لعمليات قتله.
وأضاف أنه غالبًا ما أعقب المؤتمرات المتعلقة بليبيا التي استضافتها عواصم أجنبية حفتر الذي شن قبل قليل عمليات عسكرية تتعارض مع هدف هذه الاجتماعات!.
سياسية ماكرون
وأضاف أن انتخاب إيمانويل ماكرون رئيسًا فرنسيًا في عام 2017، أعطى حضور الإمارات في ليبيا غطاء دبلوماسيًا حيويًا بسبب شهية ماكرون للسياسة الخارجية التخريبية.
وتابع “ساعد تدخل فرنسا في تحويل سيطرة حفتر على شرق ليبيا ومعظم البنية التحتية النفطية في ليبيا إلى عاصمة سياسية، واستضاف ماكرون لقاء بين حفتر ورئيس وزراء حكومة الوفاق الوطني فايز السراج في عام 2017، وأصبح هذا الاجتماع مخططًا للسلام. مشيرا إلى أنه بعد فترة وجيزة من المبادرة شهدت عملية مدعومة من فرنسا توسع حفتر في منطقة فزان الجنوبية الغربية الليبية، وسيطرت بالكامل على البنية التحتية النفطية في البلاد.
ونشرت الإمارات طائرات بدون طيار بشكل كبير لدعمه. ومن خلال ذلك، دمر حفتر العملية السياسية ووسع الحرب الأهلية إلى المستقبل المنظور.
وانتقد التقرير هذه المبادرة للسلام التي اعتبرها تعاني من مشكلة متأصلة وهي “قلة اللاعبين الرئيسيين الجادين في التوصل إلى تسوية” موضحا أنه لا حفتر ولا الإمارات مهتمين بالوصول إلى ليبيا شاملة يتشارك فيها حفتر السلطة مع حكومة الوفاق الوطني”.
فشل دبلوماسي
وكشف التقرير أنه حتى الآن، فشلت اجتماعات الدبلوماسيين الغربيين الخلفية مع نظرائهم الإماراتيين في الحد من التصعيد بسبب إحجام الغرب عن استخدام أدوات الإكراه المتاحة لهم.
وزعم أن التهديد بتقديم المخالفين المتكررين إلى لجنة عقوبات تابعة للأمم المتحدة، إلى جانب مخاطر السمعة المحتملة، من شأنه أن يفرض قواعد سلوك جديدة على أبو ظبي في ليبيا.
وهذا من شأنه أن يمثل تحذيرا تشتد الحاجة إليه ويخفف من حدة عدوان الإمارات في ضوء تجاهلها للقانون الدولي في سياقات أخرى.
وخلص في توصياته إلى أن الجهود الدبلوماسية المتضافرة من كل من واشنطن وبروكسل والتي تجبر الإمارات على وقف دعمها المسلح لحفتر هي السبيل الوحيد لتجنب التصعيد الذي سيغرق ليبيا في مزيد من إراقة الدماء والدمار.