لا تبعد دار الفتوى أو العمائم عن متناول يد الانقلابيين، ليسألهم السيسي أو وزير داخليته عن الحكم في مئات رسائل الاستغاثة وطلب النجدة الإنسانية إزاء توفير العلاج في سجن يفترض أن يكون كحال السجون في الدول الحرة، مراعيا البعد الإنساني فقط في الدواء والطعام، بأقل الحقوق في مقابر أطلق عليه المنقلب وزبانيته “ليمان” و”سجن” و”مقار احتجاز”.
يقول مراقبون، إن هذه العنجهية والصلف الذي يدفع ضابط أمن دولة أو مباحث أو صف ضابط، أو إدارة المعتقل لنسيان إنسانيتها، ليس لغياب “العلماء” وإنما يعود إلى وجود “معمون بطواقي وطرابيش ألوان”، من عينة علي جمعة والحبيب الجفري، واللذين لا يزالان صدى صوت فتاواهم في قلوب الزبانية “اقتلهم.. دول ريحتهم وحشة”، ووسوسة شيطان يقول “لا تأخذكم بهم رأفة” فهؤلاء “خوارج”، بل ربما كانت الكلمات واقعا وأبعد من مجرد صدى.
فيما يرى المراقبون أن تهمة الضحايا معروفة، وهي رفض الانقلاب العسكري الدموي الذي باع الأرض والعرض، والاصطفاف مع رئيس مات شهيدا للحفاظ على مبادئ ثورة الحرية والكرامة والعدالة.
وبحسب تقارير لصحف عربية ومنظمات حقوقية، تمارس السلطات أساليب تُخرج المرض الكامن في الأجساد ليصير شبحًا أمام المعتقل، فمن اليوم الأول وما يسمى التشريفة التي يستقبل فيها السجان المعتقلين بأقصى أنواع الضرب وأرذل الشتائم، ولا ينتهي العذاب أبدًا، ولا توجد خطوط حمراء للانتهاكات التي تمارسها الدولة، من منع الزيارة والتعذيب الجسدي والنفسي، بحسب المعتقلين، الأمر الذي أدى إلى حالات وفاة تحت التعذيب، ناهيك عن حالات الانتحار أو التفكير فيه بالحد الأدنى، فضلا عن حالات الإهمال الطبي، ومنها حالات أصّر السيسي والانقلابيون على بقائها كي لا تموت.
أوروبا وأمريكا
وكنموذج للصمت الدولي، يرى كثير من المعلقين أن الولايات المتحدة باعتبارها أكبر دول العالم، هي أكبر عون للانقلاب، وأكبر كيان لا إنساني، فهي أولًا قادت دول الاتحاد الأوروبي لتسلك نفس منهجها من التجاهل للقضايا الخاصة بالمعتقلين في مصر أو بحقوق الإنسان عامة.
وبات الكيانان- أمريكا وأوروبا- لا يتدخلان للإفراج عن المعتقلين سياسيا، كما لا تتدخل للإفراج تحديدا عن معتقلي الإخوان أو الإسلاميين عموما، كما هي عند وفاة أحدهم من الجنسيات الغربية كـ”جوليو ريجني” أو من أصحاب جواز السفر الأمريكي تكتفي بالتوبيخ، وتستجيب لإجراءات الانقلاب ووعوده الكاذبة!.
وهو ما فعله وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، الذي أعلن عن غضبه لمقتل مصطفى قاسم، خلال لقائه عبد الفتاح السيسي قائد الانقلاب العسكري، على هامش مؤتمر برلين بشأن ليبيا الذي عقد في 20 يناير.
وكتب بومبيو، على حسابه في “تويتر”، قائلاً: “التقيت السيسي وبحثت معه الوفاة المأساوية وغير المبررة للمعتقل الأمريكي مصطفى قاسم في مصر”.
حقوقيون أمريكيون وأعضاء بالكونجرس الأمريكي كانوا قد طالبوا إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتوقيع عقوبات على حكومة السيسي، على خلفية وفاة المواطن الأمريكي مصطفى قاسم إثر إضرابه عن الطعام بعد نحو 6 سنوات في السجن.
لكن الباحث السياسي محمد المنشاوي قال إن قضية مصطفى قاسم ستتوقف عند الغضب والعتاب من قبل إدارة ترامب للسيسي ولن تأخذ مسارات أخرى، حتى إنه اعتبر أن مناقشة بومبيو مقتل مصطفى قاسم، وهو حالة من مئات حالات القتل بالبطيء، مع السيسي كانت تحت ضغوط أمريكية من بعض أعضاء الكونجرس.
مصطفى لم يكن الأول ولن يكون الأخير، وهذا التوجه ظهر عقب وفاة الرئيس الشهيد محمد مرسي، وعدم صدور بيان تعزية من الإدارة الأمريكية.
“المنشاوي” أضاف أن الكونجرس لا يملك الكثير من الصلاحيات، وهناك أصوات معارضة كثيرة ظهرت خلال الأيام الأخيرة عقب مقتل قاسم، وصدرت بيانات تنديد، وعقدت مؤتمرات صحفية عدة لإدانة جريمة مقتل قاسم، لكن لا توجد إرادة في واشنطن– سواء الكونجرس أو الإدارة الأمريكية– لاتخاذ خطوة أخرى تصعيدية تجاه نظام السيسي.
قاسم والجارديان
وأشار تقرير لصحيفة الجارديان البريطانية، وهي واحدة من نوادر الصحف العالمية التي تتحدث عن مشكلة المعتقلين في مصر، إلى تضاعف تهديد السجن من خلال التقارير المتزايدة عن الوفيات في الاعتقال.
وبعد أن عبّر مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي، عن غضبه الشديد لمقتل قاسم “المأساوي والمفجع” في اجتماع مع السيسي على هامش قمة دبلوماسية في برلين، أشارت الجارديان إلى أن داخلية السيسي قالت إن قاسم تلقى “رعاية صحية شاملة خلال فترة عقوبته”، لكن بعض المراقبين اتهموا واشنطن بالفشل في الدفع بقوة لإطلاق سراحه.
وأشار التقرير إلى أن ائتلافًا من جماعات حقوق الإنسان المصرية ناشد السماح للصليب الأحمر بتفتيش سجون البلاد بعد وفاة قاسم، مما يشير إلى مقتل 917 سجينًا بين يونيو 2013 ونوفمبر من العام الماضي، “مع زيادة هائلة في عام 2019”.
كما توفي الرئيس المصري السابق محمد مرسي في السجن في يونيو من العام الماضي، بعد أن حُرم مرارًا وتكرارًا من الرعاية الطبية واحتُجز في ظروف أدانها مراجعة مستقلة من جانب نواب بريطانيين بأنها تعذيب.
