كشف تقرير صحفي كيف تحولت مصر لكتيبة عسكرية بحكم العسكر، رغم تداخلهم في الحياة المدنية، ولبس الزي الملكي وخلع الزي العسكري، إلا أنهم لا يعرفون سوى الحكم الميري، الأمر الذي انطبع على المصريين بمزيد من القمع والتنكيل، والجوع والفقر.
وأشار التقرير إلى هؤلاء، وبرغم خروجهم من المؤسسة الأكثر التزاما وحزما وانضباطا، وتوليهم مناصب مدنية، لا تزال “بيروقراطية” الحياة العسكرية التي لا تتناسب مع متطلبات الحياة المدنية تسيطر عليهم، ويظهر ذلك من تمسكهم بـ”مصطلحات عسكرية جامدة”، أو من حديثهم بكلمات حادة، واستخدامهم عبارات “خشنة” تُدخلهم في أزمات مع المواطنين الذين يشعرون أنهم يعيشون في “ثكنة عسكرية”، إلى درجة أن وزير التنمية المحلية المصري اللواء أبو بكر الجندي أصبح قاب قوسين أو أدنى من الرحيل عن منصبه، بسبب تصريحات أطلقها وفجّرت موجة من الغضب ضده.
وضرب التقرير مثالا بتصريحات قائد الانقلاب العسكري نفسه عبد الفتاح السيسي، رغم استقالته من المؤسسة العسكرية قبل أكثر من أربع سنوات، يصرّ السيسي على البقاء في جلباب الرجل العسكري، في محاولة منه للظهور بمظهر “الشخصية الكاريزمية” مثل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
وأشار إلى أن السيسي في لقاء بأعضاء برلمانه وممثلين عن النقابات وإعلاميين، هاجم السيسي مواقع التواصل الاجتماعي قائلاً: “أنا ممكن بكتيبتين أدخل على النت وأعملها دائرة مقفولة والإعلاميين ياخدوا أخبار وشغل منها”، وذلك في إطار تعليقه على اتهامات لـ”الأمن المصري” بالتورط في حادثة وفاة الشاب الإيطالي جوليو ريجيني الذي عثرت أجهزة الأمن في الجيزة على جثته ملقاة على أول طريق “مصر – إسكندرية” الصحراوي بمدينة 6 أكتوبر في الثالث من فبراير 2016.
واستعان السيسي في إطار حديثه بمصطلح عسكري شهير هو “الكتيبة”, لمهاجمة مواقع التواصل الاجتماعي التي يرى أنه لا يجب الاعتماد عليها كمصدر للمعلومات.
وقال التقرير المنشور على موقع “رصيف 22”, اليوم الجمعة، إن هذا التصريح دفع الخبيرة المصرية في لغة الجسد، الدكتورة رغدة السعيد، إلى طرح مصطلح جديد في التداول هو “لغة الجسد العسكرية” التي يتحدث بها السيسي في حواراته، والحديث عن “قبضة يد السيسي” التي تظهر أثناء حواراته، والتي ترى فيها السعيد تعبيراً عن رغبته في التحكم والسيطرة.
“الرعاع”
وأشار التقرير إلى تهجم بعض قيادات العسكر للشعب المصري، حتى إن المتحدث السابق للعسكر العميد محمد سمير، الذي تفرّغ للعمل الإعلامي, إذ تسلم سابقا إدارة قناة “العاصمة”، ثم رئاسة مجلس إدارة شركة “برايت فيوتشر” للإنتاج الإعلامي، نشر مقالا عن المصريين باسم “الرعاع”.
كما تولّى اللواء أبو بكر الجندي، وزير التنمية المحلية، عدة مناصب في القوات المسلحة، إذ كان رئيسا لـ”هيئة التدريب”، وقائدا للجيش الميداني الثالث، وكذلك تولّى رئاسة فرع العلاقات الأمريكية بوزارة الدفاع، ثم عمل مساعدا لوزير الدفاع.
وبرغم تنصيبه وزيرا لـ”التنمية المحلية” منذ فترة قصيرة فقط، في 14 يناير 2018، إلا أنه دخل في أزمات عاصفة، ومواجهات ساخنة جعلته مهدداً بالخروج من الحكومة.
أثار الجندي غضب أبناء الصعيد، عندما قال في أول تصريح له عقب تعيينه وزيرا: “سنشجع الاستثمار في الصعيد لخلق فرص عمل ونبطل نخلي الصعايدة يركبوا القطر وييجوا القاهرة علشان يبحثوا عن فرص عمل ويعملولنا عشوائيات”.
وبعد عاصفة غضب “الصعايدة”، دخل في خطأ آخر حينما اعترف أنه يلقي بطلبات نواب برلمان العسكر في “صفيحة الزبالة”.
ومن هؤلاء اللواء عادل الغضبان الذي كان الحاكم العسكري لبورسعيد لقرابة الثلاث سنوات ثم قائداً لقوات تأمين المجرى الملاحي لقناة السويس، وجرى تعيينه محافظاً لبورسعيد في 26 ديسمبر 2015، وفي إحدى جولات الغضبان الميدانية في المحافظة، اشتكى مواطن له من غلاء السكر، بقوله: “إن الكيلو أصبح سعره 14 جنيهاً”، فرد عليه المحافظ قائلاً: “الراجل دا إخوان”، مشددا على أن الكيلو يُباع بسبع جنيهات فقط، وكلف المحافظ وكيل مديرية التموين ببورسعيد مجدي الخضر باصطحاب المواطن إلى أحد الأسواق التي يباع فيها السكر بذلك السعر.
وبحسب أستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة الأمريكية بالقاهرة الدكتور سعيد صادق، فإن “السلاح” الذي كان يخدم فيه الرجل العسكري يؤثر أيضاً في طريقة تعامله مع المدنيين، وقال إن السيسي لا يزال يتقمص شخصية رجل المخابرات الذي لا يتكلم كثيرا، ويعمل دائما في السر، وليس مدَّربا على أن يكون “سياسيا”.
ويتابع: “السيسي لم يدخل الجيش حتى يصبح رئيسا، ولكنها الظروف والأحداث والصدفة، وهو عندما يغضب تظهر شخصية الرجل العسكري فيه، فمثلا يخاطب معارضيه ويحذّرهم من تحديه بقوله: “إنتو باين عليكم متعرفونيش صحيح”، أو يقول للمصريين: متسمعوش لحد غيري”.