لواءات الانقلاب.. خبراء إستراتيجيون أم عشاق سبوبة؟

- ‎فيتقارير

قد يكون أصحاب المهن التقليدية، كالسباك والنجار والحداد، خبراء فى تخصصاتهم، وقد يكون كذلك أيضاً أصحاب المهن الدقيقة، الإلكترونية والتكنولوجية والمعملية، لذا يجد هؤلاء وأولئك الاحترام أينما حلوا، إلا أن الأمر يصبح مختلفاً حين يتعلق بـ”الخبراء الإستراتيجيون” الذين تعج بهم فضائيات الانقلاب؛ لأنهم لم يكتسبوا أي خبرات، وعلى امتداد تاريخهم العسكري كانوا على دكة الاحتياط، لم يستفد منهم الشعب شيئاً أو يقدموا خدمة للوطن.

يتذكر المصريون بالسخرية ما قاله الخبير الاستراتيجي اللواء المتقاعد حسام سويلم، من أن الولايات المتحدة لديها مخطط منذ فترة طويلة يستهدف تقسيم مصر وغزوها عام 2015، ولم يكشف سويلم تفاصيل المخطط، ولن ينسى أحد تصريحات اللواء أحمد الهياتمي عندما قال:””لو اسرائيل ضربت علينا صاروخ هيرجعلهم تانى لأن الرياح عندنا شمالية غربية”!

ومع بداية مسرحية الضربة الأمريكية في سوريا بدأت الفضائيات المصرية الخاصة والعامة في استضافة اللواءات المتقاعدين من الجيش، على أنهم خبراء إستراتيجيون كما تجري العادة في معظم فضائيات العالم، إلا ان ما يميز فضائيات الانقلاب عن العالم، هو أن من تستضيفهم لا علم لهم بالتحليل العسكري أو السياسي، إلا بقدر ما يعلم الفلاح عن علم الذرة!


الخبير الاستراتيجي أو لواء المعاش بحسب تعريف قنوات الانقلاب، خبير في كل شيء وأي شيء ومن حقه أن يفتى في كل كبيرة وصغيرة، في السراء والضراء، في السياسة كما في الاقتصاد، في الدولار كما في السحتوت، لا يشترط العلم ولا الموهبة، الفهلوة تحكم الموقف، وتمنحه حق الفتوى والتنظير.

ولم ينس المصريون فضيحة “حاتم الجمسي”، الذي قدمته فضائيات الانقلاب على أنه محلل وخبير في الشئون الأمريكية، واعتادت استضافته لتحليل الأحداث السياسية في الولايات المتحدة، حتى كشف تحقيق لصحيفة نيويورك تايمز أن الجمسي في حقيقة الأمر هو بائع ساندويتشات البرجر والبيض في مطعم “لوتس دايلي” الذي يمتلكه في حي “كوينز” في نيويورك.

خبير بتاع كاتشاب

حاتم الجمسي كان مدرسا للغة الإنجليزية، قبل أن يهاجر إلى الولايات المتحدة، وعمل في متجر في مانهاتن، وتطورت حياته حتى أصبح يمتلك مطعما، ولكنه ظل شغوفا بالأخبار والتحليلات السياسية وتعود إرسال مقالات سياسية إلى بعض صحف الانقلاب.

لفت الجمسي الأنظار عندما تمت استضافته على إحدى قنوات الانقلاب، وتنبأ بفوز دونالد ترامب في وقت كانت كل استطلاعات الرأي تؤكد العكس، ومن ثم أصبح ضيفا منتظما على عدد من القنوات الإخبارية التي تديرها المخابرات الحربية كمحلل وخبير في الشئون الأمريكية.

وقد خصص الجمسي غرفة صغيرة في مطعمه، غطى جدرانها بخرائط العالم، لمداخلاته على الشاشات المختلفة عبر سكايب، وما أن تنتهي مداخلته حتى يخرج ليسأل زبائنه “هل تريد كاتشاب على الساندويتش” وفقا لما قاله في تحقيق نيويورك تايمز.

سبوبة الفضائيات

الخبراء الإستراتيجيون من طائفة لواءات المعاشات ليست ظاهرة جديدة بعد الانقلاب، فخلال السنوات الماضية أصبح الخبراء الإستراتيجيون أكثر من مستمعيهم، ربما معظمهم ينتمون إلى القواعد من الجيش، إلا أن المتابعة الدقيقة تكشف أن فصائل أخرى دخلت على الخط، ولم يعد بوسع المشاهدين التمييز بينهم، بحيث أصبح الجميع مبادرا إلى التنظير والتأطير، وأصابت معظمهم البارانويا، أنشأوا مراكز إستراتيجية تارة، وأحزاباً سياسية تارة أخرى، وشركات تصدير واستيراد في أحيان كثيرة، على أمل مزاحمة رجال الأعمال.

يقول المحلل السياسي السوري حكم البابا: “أكثر مايضحكني الضباط المتقاعدين في الجيوش العربية الذين يُقدمون كخبراء عسكريين واستراتيجين ليتحدثوا عن الضربة الأمريكية للنظام، هؤلاء لم يخوضوا حرباً في حياتهم، والبعض منهم الذي شارك في حرب كانت خاسرة، شر البلية مايضحك”.

وفي ظل الإفلاس الإعلامي العسكري، يصبح هؤلاء هم مطربو السهرة، هم العشَرة بلدى، هم الواحدة ونص، هم سكت هُس، هم النُقطة، هم شوبش، هم الكوميديا، وفى أحيان أخرى الدراما، من كل لون ياباتيستا، يجمع بينهم فقط شيء واحد، هو الجهل بما يتحدثون، ذلك أن المذيع التليفزيوني وجد نفسه أمام خبير استراتيجي، من حقه إذن أن يسأل في كل شىء، فى الدين والدنيا، فى الدنيا والآخرة، فى الحياة والممات، فى الأدب والبلاغة، فى التكنولوجيا والبايولوجيا، فى الباذنجان والباشاميل، الغريب أن الخبير يجيب ولا يتردد، فى كل هذه الأمور مجتمعة، لا توجد لديه ثقافة لا أعلم، ولا ثقافة من قال لا أدرى فقد أفتى، هو لايدرك أبداً أن هناك تخصصات، وبالتالي يجب أن يكون هناك متخصصين.

في الآونة الأخيرة رأى المصريون خبراء استراتيجيين يتعاملون بنظرية سمعنا وأطعنا حتى فيما يتعلق بقضية الأرض، تيران وصنافير، على الرغم من أنهم كانوا الأَولى بالدفاع عنها، رأي المصريون فى الآونة الأخيرة هذياناً يصل إلى حد الجهل بالأمن القومى للبلاد، أو التضحية به إرضاءً للسفيه قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، ويتساءل مراقبون أى عقيدة هذه التى تم زرعها فى الخبراء، أو الاستراتيجيين، أو هما معاً؟