كيف لعب ضياء رشوان دور الواسطة بين “تمرد” و”المخابرات”؟

- ‎فيتقارير

لم يعد سرا أن هناك علاقة بين حركة “تمرد” التي قادت الحشد ضد الرئيس محمد مرسي وتشويه صورته، وأجهزة المخابرات، وأن تمرد هي صنيعة المخابرات، ومن مولها بالأموال كانت الإمارات، التي كانت ترسل الأموال إلى المخابرات الحربية التي تسلمها لأعضاء الحركة.

فقد كشف هذا أعضاء حركة “تمرد” الذين انسحبوا منها حينما أدركوا مبكرا أنها أداة استخبارية لهدم الحكم الديمقراطي وإعادة حكم العسكر، لا مجرد حشد ضد الرئيس المنتخب محمد مرسي، كما كشفته التسريبات التي نشرتها قناة مكملين من مكتب عباس كامل مدير مكتب السيسي ورجله في المخابرات الحربية الذي أعطاه رئاسة المخابرات العامة أيضا.

بل إن مسعد المصري، المتحدث الرسمي لحركة تمرد بشمال القاهرة ظهر في فيديو في الذكري الرابعة لـ 30 يونية العام الماضي 2017، وهو يضرب نفسه بالجزمة، ويتبرأ مما يسمى بثورة 6/30 ويندم على دعمهم انقلاب السيسي.

وقال عبر فيديو منشور على مواقع التواصل الاجتماعي: “لقيت الشباب كلها في السجون، وقناة السويس وهمية، ولقيت الصحفيين الأحرار في السجون، ولقيت السيسي ونظام مبارك هم اللي موجودين، والسيسي بيبيع الجزيرتين المصريتين”.

ولكن ما لم يجر كشفه والتركيز عليه حتى الان، هو دور ضياء رشوان نقيب الصحفيين حينئذ كواسطة بين تمرد والمخابرات، ودوره في توصيل التعليمات وربما الأموال بين الطرفين، وهو ما اعترفت به وأكدته غادة نجيب عضو حركة “تمرد” السابقة التي استقالت منها لقناة الجزيرة في ذكري ظهور حركة 6 أبريل العام الجاري 2018.

غادة نجيب التي اضطرت للهروب من مصر هي وزوجها، أكدت أن المخابرات لا تزال ترسل لها رسائل بالعودة لمصر وعدها بعدم الاعتقال رغم أنها على قوائم الانتربول بطلب من نظام السيسي، فضحت دور ضياء رشوان وشرحت دوره.

“رشوان” وسيط المخابرات

غادة نجيب الناشطة السياسية والمنشقة عن تمرد، قالت إنها أحست بأوامر تأتي للحركة “من فوق” وعندما حاولت معرفة من هم، وجدت ضياء رشوان أحد متصدري المشهد بإعطاء أوامره للحركة فقد كان همزة الوصل مع المخابرات، حيث اكتشفت أن الحركة كانت تابعة للمخابرات الحربية.

وتقول: “تأكدت يقيناً ان تمرد مرتبطة بالمخابرات والامارات نقلت أموال لهم عبر المخابرات من أعضاء تمرد مثل حسن شاهين، وأن شاهين أبلغها أن ضياء رشوان (نقيب الصحفيين حينئذ كان الواسطة بين تمرد والمخابرات).

وقالت إن ضياء رشوان، كان “مرسال المخابرات”، وكان على صلة بحركة تمرد لإعطائها تعليمات من المخابرات للتخلص من أول نظام ديموقراطي لأسقاط الرئيس محمد مرسي، كما كان يتواصل مع رجال الأعمال أيضاً لإعطائهم تعليمات المخابرات.

وفي هذا الإطار سمح “رشوان” لحركة “تمرد” بعقد مؤتمر في نقابة الصحفيين حين كان نقيب الصحفيين، للهجوم علي الرئيس مرسي والاخوان، كما شارك هو بنفسه في مسيرات لميدان التحرير، قام بها مع عدد من اعضاء مجلس النقابة والصحفيين الانقلابيين للترويج للانقلاب علي الرئيس مرسي والتوقيع على ورقة تمرد.

وفي 12 يونية 2013 كتب ضياء رشوان مقالا في جريدة المصري اليوم بعنوان: «تمرد» ليست مثل سابقاتها”، روج فيه لحركة تمرد ودورها في الحشد ليوم 30 يونيو لرفض حكم الرئيس مرسي والإخوان المسلمين، كما قال.

شهادة عادل صبري

وفي يونية 2014، قال عادل صبري، رئيس تحرير موقع مصر العربية، المعتقل حاليا، إن هناك الكثير من الصحفيين الذين شاركوا في الانقلاب العسكري والتحضير له قبل أن يحدث بعدة أشهر.

وأضاف صبري في مداخلة لبرنامج، المشهد المصري، على فضائية الجزيرة أنه كان في جلسة مع نقيب الصحفيين ضياء رشوان بالإسكندرية في مارس 2013 بحضور عدد من الصحفيين من جريدة الأهرام بمكتب المؤسسة بالإسكندرية، وأن رشوان قال في الاجتماع: “إن العسكر قادمون وإنهم يخططون لإنهاء حكم الإخوان”، وقال ذلك أمام شهود من الصحفيين بالإسكندرية.

وأوضح صبري أنه كتب ثلاثة مقالات عقب عودته من الإسكندرية في جريدة الوفد تحت عنوان “المبشرون بحكم العسكر”، لافتا إلى أن هناك أذرعًا إعلامية كانت تصنع في كل المؤسسات الإعلامية على عين الدولة، وهي التي تولت ومهدت الرأي العام وقلبت الرأي العام على ثورة 25 يناير واستطاعت إنهاء حكم الرئيس محمد مرسي.

تغيير الجلد

ولعب ضياء رشوان، رئيس هيئة الاستعلامات الحالي، ونقيب الصحفيين السابق، دور “يهوذا” في تعامله مع جماعة الاخوان، حيث سعي قبل الانقلاب للتقرب من الجماعة وكتابة تقارير تشير بالإخوان، الذين تعاملوا معه بحسن نية واستضافوه لإلقاء محاضرة سياسية على نواب البرلمان من الاخوان ضمن عملية تثقيف النواب.

ولعب ضياء رشوان دورا في تأجيج نار الفتنة كما طلبت منه المخابرات، عندما استغل أحداث الاتحادية 2012 لأسقاط الرئيس مرسي، وقام بتحريض الصحفيين خلال أحداث مقتل الصحفي الحسيني أبو ضيف، من قبل قوات الأمن، متناسيا مقتل 9 آخرين من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين معه برصاص الأمن، وظهر على الفضائيات يطالب بحق الحسيني ويزايد عليه متهماً الإخوان بقتله دون دليل.

ومع اقتراب موعد الانقلاب وتنسيقه مع المخابرات الحربية وعلمه أن الانقلاب العسكري قادم قادم، انقلب بدرجة 180 درجة ضد الجماعة وبدأ الحشد ضدها لينتهي الامر بمكافاته بتعيينه رئيسا لهيئة الاستعلامات كي يكون هو مندوب المخابرات الحربية لإخراس الاعلام الاجنبي وتهديد المراسلين الاجانب، وهو ما نفذه بالفعل بالضغط على وكالة رويترز وتهديد مراسلي بي بي سي وطرد مراسلة “التايمز” البريطانية، وتهديد أي صحفي أجنبي يكتب عن رشاوي انتخابات السيسي بالتحقيق معه.

وسبق هذا دوره في اعتقال الصحفيين المصريين وعدم الدفاع عنهم وتبرير اعتقالهم بسبب انتماءاتهم السياسية الرافضة للانقلاب، وتم وصفه بـ “نقيب المقابر”، بسبب مقتل 11 صحفي في عهده، منهم المصور أحمد عاصم والذي توفي في أحداث الحرس الجمهوري، وحبيبة عبد العزيز يوم فض اعتصام رابعة، والصحفي أحمد عبد الجواد، والصحفية ميادة أشرف ولم يحرك نقيب المخابرات ساكناً.

ملايين الإمارات لـ”تمرد”

عندما انشق عدد من أعضاء حركة تمرد غضبا من ترشيح السيسي نفسه للرئاسة ومن ثم إثباته سعي العسكر للعودة لحكم مصر، واستمر قمع كل التيارات السياسية، كشف بعضهم ومنهم الصحفي محمود السقا، ومحب دوس تلقي الحركة تمويلات من جهات أجنبية.

ثم اعترف “دوس” رسميا في مارس 2016، أن مسئول بالسفارة الاماراتية (بلهجة خليجية) اتصل به وقال له لدي شيك بـ 30 ألف دولار لحملة تمرد، والحركة ليس لها مقر رسمي، وأرغب في ارسالهم عن طريقك.

وخلال حلقة برنامج “العاشرة مساء” على “قناة دريم2” 23 مارس 2016، فاجأ محمد فاضل، عضو هيئة الدفاع عن “محب دوس” أحد مؤسسي حركة “تمرد” الخمسة، الحاضرين معه، ومنهم “محمد نبوي”، العضو بالحركة، على الهواء مباشرة بكشفه – بالشيكات – بعض الأموال التي تلقتها الحركة قبل 30 يونيو من دولة الإمارات ومن جهات أخرى، مؤكدا “دول شوية فكة وفيه غيرها”.

وفي مقال أعدته “شيرا فرينكل” و”ماجد عاطف” لموقع “بازفيد” تحت عنوان “كيف عبدت حركة الشباب الطريق لرئاسة السيسي؟”، يقول دوس: “كانت كل الأموال تأتي ثم تختفي، ولم يكن أحد يعرف أين ذهبت”.

خيانة الثورة

ونقل التقرير عن “سارة شاهين”، عضو سابق في حركة تمرد، قولها “هناك شعور أنهم خانوا مزاج الثورة”، مضيفة “فجأة بدأوا يرتدون ملابس جديدة وأصبحت محفظاتهم مليئة بالنقود التي يعرف الجميع من أين جاءت؟”.

وكشف المحامي “فاضل”، إن محمود السقا، عضو تمرد السابق وأحد المتهمين في قضية “حركة 25 يناير” سُئل في التحقيقات عن التمويلات التي تلقتها قيادات حركة “تمرد” فذكر بالاسم محمود بدر ومحمد نبوي وحسن شاهين، الذين تلقوا هذه التمويلات.

وأضاف أن أحد المسؤولين في سفارة الإمارات بالقاهرة اتصل بكل من دعاء خليفة ومحب دوس، وأبلغهما أن هناك شيك بقيمة 30 ألف دولار سيتم إرساله على عنوان منزلهم، ولما رفض “دوس” قبول تلك الأموال، قال له المسؤول الإماراتي: “هذا الشيك أرسل مثله لفلان وفلان وفلان”، في إشارة الي محمود بدر ومحمد نبوي وحسن شاهين.

وتابع المحامي أنه قدم بلاغ بهذا للنائب العام ضد كل من محمود بدر ومحمد نبوي، يتعلق بتلقيهم أموالا تقدر بـ “ملايين الجنيهات من جهات أجنبية”، وتلقي قيادات (تمرد) 6 شيكات كل شيك بقيمة مليون جنيه باسم شيوخ قبائل سيناء (قد يكون اسم وهمي كتبته المخابرات التي كانت تنفق على الحركة)، قبل 30 يونيو بحجة المساهمة في الإعاشة الخاصة بالميدان وتم صرفها”، وكذا 30 شيكا، قيمة كل شيك 100 ألف دولار من “الجالية العربية بأمريكا”، عبر وسيط يعمل معد بقناة العربية” السعودية التابعة للمخابرات السعودية.

ثلاثة أسرار لتمويل الإمارات لتمرد

ويوم 1 مارس 2015، بثت قناة “مكملين” تسريبات من مكتب اللواء عباس كامل مدير مكتب السيسي، كشفت دور الإمارات في دعم حركة تمرد، التي لعبت دور الظهير السياسي للجيش في انقلاب 3 يوليه 2013 العسكري.

ولكن أخطر ما في هذه التسريبات الأخيرة كان ثلاثة أشياء:

(الأول): أنها كشفت أن تمويل حركة “تمرد”، ضمن خطة الامارات لإسقاط الرئيس مرسى، قد تم عبر حسابات بنكية تابعة للمخابرات الحربية، كانت تغذيها الإمارات، وهو ما كشف عنه بوضوح حديث اللواء عباس كامل مدير مكتب السيسي، مع صدقي صبحي رئيس الأركان حينئذ، عندما طلب منه “(200 ألف) من 5 ملايين دولار في الحساب.

(الثاني): أنها أكدت استيلاء قادة المؤسسة العسكرية المصرية على أموال المعونات الخليجية لمصر وعدم نقلها للخزانة العامة للشعب، حيث تضمنت التسريبات مكالمة هاتفية بين اللواء عباس، والدكتور سلطان الجابر وزير الدولة بالإمارات، حول صعوبة التصرف في وديعة إماراتية قال عباس إنها حولت كوديعة للبنك المركزي من بنك أبو ظبي، بينما هي تمويلات مقدمة لمشاريع الجيش، ومطالبته بتسهيل صرفها للجيش.

(الثالث): أن حصول أعضاء حركة “تمرد” المصريين على تمويل من دولة أجنبية (الإمارات) يندرج في القانون تحت بند (التخابر)، والتي منها أقام محمود بدر، مؤسس الحركة، حفل زفافه في أكبر الفنادق رغم أنه صحفيا مغمورا لا يملك شيئا، إضافة إلى السيارات التي يملكها وتشييده مصنعا للبسكويت.

وتضمن المقطع الثالث من التسريب مكالمة بين كامل وصدقي صبحي، توضح حقيقة دور دولة الإمارات في تمويل حركة تمرد وجهاز المخابرات الحربية، حيث قال كامل موجّها حديثه لصبحي: “والنبي يا فندم هنحتاج بكره 200 من حساب تمرد”، مضيفا: “إنت عارف الجزء بتاع الإمارات”.