غادرت مطار القاهرة الدولي، اليوم السبت، آخر رحلتين لشركة “إير سينا”، إلى تل أبيب ومنها إلى مدينة القدس؛ لنقل المسيحيين المصريين الراغبين في الحج إلى القدس، في ذكرى سفر المسيح- عليه السلام- لها وعيد القيامة، وتحملان 522 قبطيًّا مصريًّا ينضمون لقرابة 7 آلاف قبطي سافروا بالفعل.
وكشف أمين عام كنيسة القيامة بالقدس المحتلة، عن أن 7200 مسيحي مصري يحجون للقدس هذا العام، حيث بدأ توافدهم من القاهرة منذ يومين للاحتفال بذكرى دخول المسيح- عليه السلام- للقدس وعيد القيامة الذي يحل غدا الأحد، وهو ما رفضت مصادر بالكنيسة المصرية تأكيده.
وقال أمين عام كنيسة القيامة بالقدس المحتلة “أديب جواد”، لموقع “مصر العربية”: إن الأماكن المسيحية بالقدس استقبلت 7200 من الحجاج المسيحيين، قبيل بدء الاحتفال بـ”عيد القيامة”، غدا الأحد.
ورغم حديث أمين عام كنيسة القيامة بالقدس عن تراجع أعداد الحجاج المسيحيين هذا العام مقارنة بالأعوام الماضية، حيث زار القدس العام الماضي نحو 12000 حاج مسيحي مصري، بينما زارها هذا العام 7600 فقط، إلا أن الأعداد التي سافرت كبيرة بالمقارنة بما كان يجري سابقا في عهد البابا السابق شنودة.
فقد منعت الكنيسة السفر للقدس، وقال البابا السابق قولته الشهيرة: “لن ندخلها إلا مع إخوتنا المسلمين”، ومع هذا كان يسافر أعداد من الأقباط مخالفين تعليمات الكنيسة، ولكن ظلت هذه الأعداد تتراوح بين ألف و3 آلاف.
بيد أنَّ تطورين مهمين ساعدا في زيادة أعداد الأقباط الذين سافروا إلى تل أبيب ومنها إلى القدس للحج، برغم اعتبار كثيرين أن هذا يعد تطبيعًا مع العدو الصهيوني، حيث يضطر المسافرون للحصول على تأشيراته من السفارة الإسرائيلية بالقاهرة.
وعقب هذه الزيارة وقرار الدستورية، زادت الرحلات بصورة كبيرة منذ عام 2016، حيث اعتبر كثير من الأقباط أن زيارة البابا للقدس هي ضوء أخضر لهم لزيارتها، رغم استمرار قرار حظر سفر الأقباط الذي أصدره البابا شنودة.
فقد زار القدس عام 2016 حوالي 9 آلاف قبطي، وارتفع العدد بصورة صارخة العام الماضي 2017 ليصل إلى 15 ألفا، بحسب المستشار نجيب جبرائيل، رئيس منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان، ولكن العدد تقلص هذا العام مرة أخرى لأسباب تتعلق بغلاء الأسعار (تتراوح بين 26 و40 ألف جنيه)، وقرار ترامب بشأن القدس الذي رفضته الكنيسة، إضافة إلى المخاوف من المواجهات الفلسطينية مع الاحتلال.
ونقل موقع “الأقباط اليوم” الذي يتابع أخبار المسيحيين المصريين، عن منظمي الرحلات المسيحيين لهذا العام 2018، أن الأعداد تراجعت هذا العام 20% عن العام الماضي، ونقل عن بعض الشركات السياحية أنها قامت “بتسفير” ما بين 4000 و4500، بخلاف سفر آخرين بطرق مختلفة.
تشجيع رسمي على السفر للقدس
وفي فبراير 2017، قضت المحكمة الدستورية العليا، لأول مرة في مصر، بالسماح للموظفين المسيحيين بإجازة شهر لزيارة بيت المقدس في القدس، وبراتب كامل أسوة بالقرار المتبع مع الموظفين المسلمين أثناء تأديتهم فريضة الحج، ما اعتبره مراقبون تشجيعا رسميا للسفر للقدس.
وجاء حكم المحكمة الدستورية ليشرع مزيدا من الأبواب أمام التطبيع مع العدو الصهيوني، ويبدو كأنه جاء في إطار توجه عام لسلطة الانقلاب بالتقارب والتطبيع الكامل، بل والتحالف مع الدولة الصهيونية، ضمن محاولات السيسي الاستفادة من تل أبيب، باعتبارها الباب الذي يمر منه للغرب، واكتساب المزيد من التأييد لنظام السيسي في أوساط النخب السياسية والإعلامية الأمريكية، عقب انقلابه العسكري على الرئيس الشرعي محمد مرسي.
تشجيع كنسي على زيارة القدس
وعقب زيارة البابا الحالي تواضروس الثاني إلى القدس لحضور قداس وفاة بطريرك القدس، وتعيين بديل له في نوفمبر 2015، اعتبر مراقبون ذلك “شرخا في جدار المقاطعة العربية”، وعاد تدفق الأقباط المصريين إلى القدس، على سبيل الاقتداء بالبابا تواضروس.
وعقب اعتراض بعض الأقباط المصريين على زيارة البابا تواضروس الثاني للقدس عبر مطار تل أبيب، في نوفمبر 2015، على صفحة المتحدث الرسمي باسم الكنيسة القس بولس حليم، دافع البابا عن زيارته مؤكدا أنه “جاء إلى القدس للمشاركة في العزاء والصلاة على جثمان الأنبا إبراهام مطران القدس، وليس للزيارة”.
وأصدرت الكنيسة الأرثوذكسية المصرية بيانا، يؤكد أن “موقفها من زيارة القدس ثابت لم ولن يتغير، فلا زيارة للقدس إلا مع جموع المصريين يدا بيد”، مؤكدة أن البابا تواضروس الثاني يرفض التطبيع، و”لم يلتق أي مسئول سواء من الجانب الإسرائيلي أو الفلسطيني”، خلال زيارته للقدس.
بالمقابل، طالبت قيادات دينية وعلمانية بالكنائس القبطية «الأرثوذكسية والكاثوليكية والبروتستانتية والأسقفية» الشعب القبطي بضرورة السفر إلى القدس لزيارة المقدسات ودعم الأقباط الموجودين في المدينة المقدسة بفلسطين، للتضامن معهم ضد مشروع الكنيست الإسرائيلي بمصادرة الأملاك القبطية لصالح المستوطنين الإسرائيليين، مؤكدين أنها “ليست تطبيعًا”.
وأكد القس “بولس حليم”، المتحدث الرسمي باسم الكنيسة القبطية، أن “الكنيسة ملتزمة بقرار المجمع المقدس بشأن عدم زيارة القدس إلا بعد تحريرها ودخولها مع المسلمين، وأن موقفها لم يتغير منذ عصر البابا شنودة”.
وحول استمرار سفر الأقباط للقدس رغم منع الكنيسة، قال إنها رحلات تابعة لشركات سياحية، وأنه محظور على الكنائس تنظيم زيارات للقدس، وأن قرار منع الأقباط من الزيارة سارٍ ولم يسمح في السابق ولا الوقت الرهن لأحد بزيارة القدس، طالما ما زال تحت قبضة الاحتلال.
ويبقى السؤال: لماذا أصدرت المحكمة الدستورية هذا الحكم رغم أنه مدخل طبيعي للتطبيع المسيحي مع الدولة الصهيونية، وكان في إمكانها اشتراط أن يكون ذلك عقب تحرير القدس؟ ولماذا أصر البابا تواضروس على زيارة القدس عبر تل أبيب لحضور جنازة بطريريك القدس الراحل، بينما كان من الممكن إتمام نفس الإجراءات والقرارات الكنسية من القاهرة؟.