كتب: حازم الأشموني
يملك العرب كثيرًا من الأدوات وأوراق الضغط التي تجعل منهم قوة دولية لا يستهان بها، ويملكون القدرة على تغيير سياسات النظام الدولي لو توافرت الإرادة لدى الحكام والملوك.
فالعرب لديهم استثمارات ضخمة للغاية في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، تصل إلى تريليونات الدولارات، كما منحهم الله التحكم في مصادر الطاقة العالمية كالبترول والغاز وغيرها، يضاف إلى ما يتمتع به العرب من موقع متميز يتوسط العالم، ويتحكم في طرق التجارة بين الشرق والغرب.
إزاء هذه الإمكانات الضخمة؛ هل يقدر العرب على ردع الإدارة الأمريكية وإجبارها على التراجع عن قرارها بشأن نقل سفارتها إلى القدس، بل جوهر سياستها المنحازة دائما إلى الكيان الصهيوني؟
نعم نستطيع!
بحسب السفير معصوم مرزوق، مساعد وزير الخارجية الأسبق, فإن "مصر والدول العربية بوسعهم أن يجبروا ترامب على التراجع فى قراره بشأن القدس, فقط بالتلويح بقطع العلاقات الأمريكية والتوجه نحو دول الشرق الأقصى كالصين وروسيا, وهذا كفيل بأن يحل القضية الفلسطينية للأبد, ولن يتراجع ترامب عن قراره دون موقف عربى موحد".

ويستشهد مرزوق، في تصريحات إعلامية اليوم الإثنين، بتجربة سابقة، موضحًا أن "هناك قرارًا اتخذته الجامعة العربية عام 1980، بقطع العلاقات مع أى دولة تعلن نقل سفارتها إلى القدس المحتلة, وطبق بالفعل مع دولتى كوستاريكا والسلفادور وتراجعتا على الفور".
مع ذلك، قال إنه لا يعرف ما وراء "الصمت العربى المميت", موضحًا أن رفض شيخ الأزهر والبابا تواضرس غير كافٍ باعتبارهما مؤسسات دينية لا تمثل الدولة.
كما يستدل مراقبون بقدرة المملكة العربية السعودية على وقف تحقيقات القضاء البريطاني في صفقة اليمامة الشهيرة عام 2006م، والتي كانت تتعلق بتوريد أسلحة وطائرات بريطانية للمملكة منذ عام 1985م، وتم الكشف عن فساد ضخم وعمولات وسمسرة تصل إلى عشرات المليارات من الدولارات لحساب ولي العهد السعودي آنذلك الأمير سلطان بن عبد العزيز، رغم ما يتمتع به النظام القضائي البريطاني من استقلالية كبيرة، ولكن الحكومة البريطانية وقتها أوقفت التحقيقات بحجة المصلحة العليا للأمة البريطانية.
ويؤكد آخرون أن النظم تضغط فقط من أجل تكريس حكمها وسلطاتها الواسعة، ولا تستخدم مثل هذه الأوراق الكبيرة للضغط من أجل مصالح وقضايا الأمة والشعوب.
يقول الدكتور خلدون نبوانى، الأستاذ والمحاضر بجامعة السوربون فى باريس، إن رد الفعل العربى والأوروبى لم يكن على مستوى الحدث فيما يتعلق بمسألة إعلان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب القدس عاصمة لإسرائيل، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة تدرك جيدًا أن العرب لن يفعلوا أى شىء، ولو كان لديها أى شك فى أن العرب سيتخذون أى قرار لمواجهة القرار الأمريكى لكانت فكرت أكثر من مرة فى القرار قبل اتخاذه.
هل كان ترامب يفعلها لو تضررت مصالح بلاده؟
ويستبعد الدكتور خلدون نبوانى، الأستاذ والمحاضر بجامعة السوربون فى باريس، قدرة العرب على مواجهة الأمريكان، مؤكدا أن الإدارة الأمريكية لم تكن لتقدم على مثل هذا القرار لو أدركت أن مصالحها مهددة.
ويشدد على أن أمريكا لو أدركت أن مصالحها سوف تتضرر لفكرت أكثر من مرة فى هذا القرار، لكنها متأكدة من أن العرب لن يفعلوا ذلك، مطالبا باستخدام البترول وسحب السفراء واستدعاء السفير الأمريكى، وهذا أضعف الإيمان.
ويؤكد- في حوار مع صحيفة "الوطن" في عدد السبت 9 ديسمبر الماضي- أن بعض الدول العربية لها استثمارات ضخمة فى الولايات المتحدة، التى لم تكن لتتخذ مثل تلك الخطوة لو شعرت أن مصالحها ستُهدد، لكنها أدركت أنه فى تلك اللحظة يعانى العرب من الانقسام والصراع فيما بينهم، ويلجئون للولايات المتحدة لمناصرة كل منهم على حدة.
لا نستطيع
لكن الكاتب الصحفي عماد الدين حسين، رئيس تحرير صحيفة الشروق الخاصة، يستبعد قدرة مصر والدول العربية على إجبار الولايات المتحدة الأمريكية على التراجع أو وقف انحيازها الأزلي لإسرائيل.
وفي مقاله اليوم الإثنين بصحيفة الشروق بعنوان «قبل أن يأتى مايك بنس»، والذي تمنى فيه أن ترفض سلطات الانقلاب استقبال نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس، الذي يزور القاهرة والأردن وإسرائيل بداية من يوم غد الثلاثاء، يؤكد عدم قدرة القاهرة على أن تقول لأمريكا «لا»، قائلا: «أعلم ويعلم كثيرون أن قدرة القاهرة هذه الأيام على رفض استقبال نائب الرئيس الأمريكى صعبة إلى حد كبير، وتكلفها ما لا طاقة لها به، كما لم يحدث أننا فعلنا ذلك منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضى». وبحسب الكاتب «ليست القاهرة فقط هى التى تجد نفسها فى هذا الموقف الصعب، بل غالبية العواصم العربية، الفاعلة منها وغير الفاعلة، بل إن هناك عواصم تجهر برفض «الاستكبار الأمريكى» وتتمنى أن تبتسم لها واشنطن».
وبحسب الكاتب، فإن الدول العربية غير قادرة على ردع الأمريكان ولن تستطيع رفض استقبال أي مسئول أمريكي، مطالبا بإعلان هذه النظم ليس فقط رفض القرار الأمريكي بشأن القدس، بل رفض جوهر الموقف الأمريكى، الذى صار فعليا يزايد على موقف اليمين الإسرائيلى المتشدد. لدرجة أن مواقف العديد من قادة وأنصار حزب العمل الإسرائيلى صارت أكثر تقدما من مواقف بعض أعضاء إدارة ترامب، خصوصا سفيره فى إسرائيل ديفيد فريدمان، الذى يكاد يقضى معظم وقته باكيا أمام حائط البراق أو «المبكى» فى القدس المحتلة، وصار يزايد على مواقف بعض أعضاء حكومة نتنياهو بشأن الاستيطان فى الضفة الغربية.
كما يطالب الكاتب حكام العرب بالحد الأدنى من عدم مباركة القرار الأمريكي أو المشاركة في تمريره واحتواء الغضبة الفلسطينية ضد القرار. ويطالب كذلك بمصارحة الإدارة الأمريكية بأن ما يفعله ترامب يصب عمليا فى صالح داعش، ويؤجج الصراع الدينى والمذهبى فى المنطقة، ويطلق عقال المتطرفين فى كل مكان.
وبحسب الكاتب، فإن هذا الحد الأدنى الذي يطالب به (نظام عسكر 30 يونيو) ليس فقط دفاعا عن عروبة فلسطين والقدس، ولكن دفاعا عن الأمن القومي المصري. محذرا من أن هيمنة إسرائيل على القدس وفلسطين بالصورة التى تخطط لها، تعنى أن الدور قادم علينا وعلى كل المنطقة، والإجهاز على ما تبقى مما كان يسمى الأمة العربية!، فهل نحن منتبهون؟!.