تصاعد مأساة السجناء السياسيين في مصر: تدوير ممنهج، عزل قاسٍ، وإهمال طبي يقتل المعتقلين ويعاقب أسرهم
تشهد الساحة الحقوقية المصرية تصعيداً خطيراً في أزمة السجناء السياسيين، في ظل استمرار سياسات القمع الممنهج التي ينتهجها نظام الانقلاب بحق المعتقلين، عبر التوسع في الحبس الاحتياطي، وتدوير القضايا، والعزل الانفرادي المطول، والحرمان من الزيارة والرعاية الطبية، في مشهد يكشف عن عقاب جماعي لا يستهدف المعتقلين وحدهم، بل يمتد إلى أسرهم، وعلى رأسها زوجات المعتقلين اللواتي يدفعن ثمناً إنسانياً ونفسياً بالغ القسوة.
وتؤكد وقائع موثقة ومنشورة من منظمات حقوقية محلية ودولية أن ما يجري داخل السجون ومقار الاحتجاز المصرية لم يعد مجرد انتهاكات متفرقة، بل سياسة ثابتة تهدف إلى كسر المعتقلين سياسياً ومعنوياً، وإذلال عائلاتهم، وتركهم في عزلة تامة، مع إهمال طبي متعمد يُستخدم كأداة إضافية للتنكيل، ويحوّل السجون إلى أماكن للموت البطيء.
زوجة أسامة ياسين: عشر سنوات من العزل والغياب القسري
وفي شهادة تكشف حجم المأساة، تحدثت زوجة وزير الشباب الأسبق أسامة ياسين عن معاناة أسرتها الممتدة منذ قرابة عشر سنوات، أكدت خلالها أن العائلة حُرمت بشكل كامل من الزيارة أو أي وسيلة تواصل مع زوجها، وباتت تجهل مصيره الصحي وظروف احتجازه، في حين حُرم هو الآخر من أبسط حقوقه الإنسانية، وفي مقدمتها الاطمئنان على أسرته.
ويقبع ياسين رهن الاعتقال منذ 26 أغسطس/آب 2013، أي لأكثر من اثني عشر عاماً، واجه خلالها سلسلة من القضايا والمحاكمات، انتهت بإصدار أحكام بالإعدام بحقه في مسارات قضائية متعددة، كان آخرها حكم صادر في مارس/آذار 2024 عن محكمة جنايات أمن الدولة – دائرة الإرهاب.
وخضع ياسين، وفق منظمات حقوقية، لعزل طويل الأمد وحرمان شبه كامل من الزيارة والتواصل الأسري، في انتهاك صارخ للحق في الحياة الأسرية، وعقوبة إضافية لم يصدر بها أي حكم قضائي. كما شابت محاكمته قيود جسيمة على حقوق الدفاع، وتوسع في توقيع العقوبات القصوى ضمن قضايا جماعية، ما يثير مخاوف جدية تتعلق بغياب معايير المحاكمة العادلة، خاصة مع إصدار أحكام بالإعدام بعد سنوات طويلة من الاحتجاز.
وطالبت منظمة عدالة لحقوق الإنسان بوقف فوري لتنفيذ أحكام الإعدام الصادرة بحق ياسين، وتمكينه من الزيارة والتواصل المنتظم مع أسرته، وإعادة النظر في ملفه القضائي وفق الضمانات القانونية الواجبة، محذّرة من أن الجمع بين العزل الطويل والإعدام يشكل تهديداً مباشراً للحق في الحياة.
سجن عبد الخالق فاروق: تجريم الفكر والنقد الاقتصادي
وفي تطور قضائي آخر، أيدت محكمة جنح مستأنف الشروق، الخميس، الحكم الصادر بسجن الخبير الاقتصادي عبد الخالق فاروق خمس سنوات، ورفضت الاستئناف المقدم منه، في القضية رقم 4527 لسنة 2025 جنح الشروق، المرتبطة بالقضية رقم 4937 لسنة 2024 حصر أمن دولة.
واعتبر مركز الشهاب لحقوق الإنسان الحكم امتداداً لسياسة تجريم النقد السلمي، مؤكداً أن القضية ذات طابع فكري بحت، وتمثل ضربة جديدة لحرية البحث العلمي والنقاش العام حول السياسات الاقتصادية، مطالباً بالإفراج الفوري عن فاروق ووقف الملاحقات القضائية بحق الأكاديميين والباحثين.
إبراهيم متولي: محامٍ يُعاقَب لأنه طالب بالحق
وفي ملف المحامين والحقوقيين، قررت الدائرة الأولى – إرهاب، تأجيل محاكمة المحامي إبراهيم عبد المنعم متولي، منسق رابطة أسر المختفين قسرياً، إلى جلسة 15 مارس/آذار المقبل، على ذمة القضية رقم 900 لسنة 2017 حصر تحقيق أمن الدولة العليا.
وخلال الجلسة، أنكر متولي جميع الاتهامات المنسوبة إليه، التي شملت قيادة جماعة إرهابية وتمويل الإرهاب. ونقلت منظمات حقوقية شهادة مؤثرة لنجله، تحدث فيها عن سنوات من القهر والظلم التي تعرض لها والده، مؤكداً أن "جريمته الوحيدة" تمثلت في مطالبته بحقوقه الدستورية، وسؤاله عن مصير شقيقه المختفي قسرياً.
وأشار الابن إلى الإهمال المتعمد لحالة والده الصحية، واستمرار حبسه الانفرادي وحرمانه من الزيارة، وصولاً إلى توجيه اتهامات عبثية له بعقد لقاءات تنظيمية داخل محبسه، رغم عزله التام، مؤكداً أن هذه الانتهاكات لن تسقط بالتقادم.
تسع سنوات من التدوير: أحمد صبري نموذجاً
وفي سياق سياسة "التدوير"، كشفت منظمة هيومن رايتس إيجيبت عن استمرار تسع سنوات من الإخفاء القسري وتدوير القضايا بحق الشاب أحمد صبري ناصف، الذي اعتُقل في يناير/كانون الثاني 2017 وهو في الثامنة عشرة من عمره.
وبحسب المنظمة، تعرض ناصف لتحقيقات متتالية في نحو عشر قضايا متشابهة الاتهامات، ورغم صدور أربعة أحكام بالبراءة وقرارات متكررة بإخلاء سبيله، لم يُنفذ أي منها، إذ كان يُخفى قسرياً في كل مرة قبل إعادة تدويره على قضايا جديدة، ليُحرم من حريته وتعليمه لنحو تسع سنوات دون سند قانوني.
إهمال طبي متعمد: شريف الروبي مثالاً
وفي ملف تجديد الحبس، جددت الدائرة الأولى – إرهاب حبس عدد من المتهمين 45 يوماً، من بينهم شريف محمد علي الروبي، على ذمة القضية رقم 1634 لسنة 2022. وكان الروبي قد اعتُقل في سبتمبر/أيلول 2022، بعد شكواه من منعه من السفر والعمل، رغم إخلاء سبيله سابقاً ضمن ما سُمي "مبادرة العفو الرئاسي".
وأكدت منظمات حقوقية تعرض الروبي لإهمال طبي جسيم داخل محبسه، إذ لم يُعرض على المستشفى رغم معاناته من ورم وآلام حادة في الوجه، ومضاعفات خطيرة في العصب السابع، في نمط متكرر من استخدام الإهمال الطبي كوسيلة عقاب وضغط.
أزمة ممتدة وعقاب جماعي
وتخلص المنظمات الحقوقية إلى أن هذه الوقائع تعكس استمرار أزمة حقوقية عميقة في ملف السجناء السياسيين في مصر، حيث تتكامل الأحكام المشددة مع الحبس الاحتياطي المطول، والعزل القاسي، والإهمال الطبي، وسياسة التدوير، في إطار عقاب جماعي يستهدف المعتقلين وأسرهم معاً، ويفتح الباب أمام كوارث إنسانية تهدد حياة المئات داخل السجون، في ظل صمت رسمي وتجاهل متعمد لمطالب العدالة وحقوق الإنسان.