من السهل أن يُحيي شيخ الأزهر موقفًا نقابيًا إنسانيًا مثل رفض عمال الموانئ الإيطاليين التعامل مع سفن مرتبطة بالاحتلال، بينما يظل من الصعب أو المستحيل أن يوجّه نقدًا مباشرًا لرئيس الدولة المصرية على صفقة الغاز مع إسرائيل التي قُدرت بحوالي 35 مليار دولار.
فجوة غير مبررة
وتساءل مراقبون عن مبادرة شيخ الازهر عندما أطلق هشتاج #اوقفو_تصدير_البترول وسر توقفه بعد #صفقه_الغاز بين السيسي والاحتلال الصهيوني وكأنه دخل في مرحلة سكون ونوم عميق.
وكان شيخ الأزهر أحمد الطيب في خطابات سابقة دعا الحكام العرب إلى استخدام أوراق الضغط مثل قطع البترول عن أوروبا في مواجهة سياسات الغرب تجاه قضايا الأمة.
وفي المقابل، مصر اليوم ترتبط بعقود طويلة الأمد لاستيراد الغاز من إسرائيل، ضمن اتفاقيات وُقعت منذ 2018 وتوسعت لاحقًا، بقيمة إجمالية تُقدَّر بحوالي 15 مليار دولار في المرحلة الأولى ثم ارتفعت إلى أكثر من 30–35 مليار دولار مع التوسعات الجديدة.
والدعوة إلى قطع البترول عن أوروبا أو الكيان تعكس موقفًا سياسيًا ودينيًا متشددًا ضد التطبيع أو التعاون مع الاحتلال والواقع الحالي أن مصر نفسها تستورد الغاز من الكيان بل وتعيد تصديره إلى أوروبا، ما يجعل من الصعب التوفيق بين الخطاب الديني السابق والممارسة الاقتصادية الراهنة.
أين ضمير الأزهر!
وقال شيخ الأزهر الجمعة إن ما تشهده غزة من ظروف مناخية قاسية هو اختبار حقيقي لضمير الإنسانية، مشيرا إلى أن هذا المشهد الأليم يضع العالم أمام مسئولية أخلاقية عاجلة لإنقاذهم أو تعميق آلامهم.
وخلال استقباله السفير الإيطالي قال: "أنا ممن يؤمنون بأن #القضية_الفلسطينية لا يختلف عليها اثنان، ولا يوجد فيها رأيان؛ لأنها بلغت من الظلم والعدوان، والخروج على كل القيم الحضارية والدينية والإنسانية والأخلاقية مبلغًا خطيرًا، خاصة مع ما تشهده من رذائل أخلاقية، وسفكٍ للدماء، وقتلٍ للأطفال، ووصل الأمر إلى حدٍّ لا يترك لأي شخص خيارًا سوى أن يكون ضد هذه الجرائم، أو أن يكون مشاركًا ومتواطئًا مع هذه المآسي الإنسانية" بحسب موقع الأزهر على منصة إكس.
والموقف النقابي الإيطالي: فعل شعبي مستقل، لا يرتبط بحسابات سياسية رسمية، وبالتالي يمكن الإشادة به علنًا دون تبعات مباشرة أما صفقة الغاز (المصرية- الاسرائيلية) فهي كما بدا من سكونه العميق؛ قرار حكومي استراتيجي، يرتبط بالاقتصاد والطاقة والسياسة الخارجية، وانتقاده علنًا من مؤسسة دينية كالأزهر قد يُعتبر تجاوزًا للخطوط الحمراء.
المفارقة الواضحة هي في ظهور شيخ الأزهر في المشهد العام مهنئًا السيسي في مناسبات رسمية، حتى تلك التي يعتبرها كثيرون مرتبطة بأزمات أو "كوارث" سياسية واقتصادية، وفي الوقت نفسه يعلن دعمه لخطاب "الجمهورية الجديدة" الذي تتبناه الدولة.
وربما يعكس ذلك طبيعة الدور المؤسسي للأزهر؛ فهو جزء من البنية الرسمية، وبالتالي يلتزم بخطاب الدولة في المناسبات الوطنية والسياسية، حتى لو كان ذلك مثار جدل شعبي.
في المقابل، عندما يوجّه رسائل رمزية مثل تحية عمال الموانئ الإيطاليين، فإنها تبدو أكثر انسجامًا مع صورة الأزهر كمرجعية دينية مستقلة، لكنها تظل بعيدة عن انتقاد مباشر للسلطة المصرية أو سياساتها الاقتصادية مثل صفقة الغاز مع "إسرائيل".
لذا أصبح أسهل عليه الاحتفاء بمواقف خارجية رمزية، بدلًا من مواجهة سياسات داخلية تمس مباشرة علاقة مصر بالاحتلال.
https://x.com/AJA_Egypt/status/2003463593166053591
وتعكس التحية لعمال الموانئ الإيطاليين دعمًا لموقف إنساني ضد التطبيع، لكنها أيضًا تكشف حدود الخطاب الديني الرسمي في مصر، حيث لا يمكنه أن ينتقد علنًا صفقات حكومية ضخمة مثل صفقة الغاز مع "إسرائيل"، رغم أن قيمتها المالية (35 مليار دولار) تفوق بكثير أي أثر لموقف نقابي خارجي.
وفي السنوات الأخيرة، شهدت موانئ إيطالية مثل ليغوريا وليفورنو تحركات من نقابات العمال لرفض تفريغ أو تحميل سفن مرتبطة بإسرائيل، احتجاجًا على ما وصفوه بـ"التطبيع مع كيان الإبادة".
هذه التحركات لاقت إشادة واسعة من منظمات حقوقية وشخصيات دينية، مثل شيخ الأزهر الذي اعتبرها موقفًا إنسانيًا يعكس رفض الظلم.
وعلى الجانب الآخر، الحكومة الإيطالية وقّعت صفقات اقتصادية وعسكرية مع "إسرائيل"، كما النظام الانقلابي في مصر برئاسة المنقلب عبدالفتاح السيسي وقُدرت قيمتها بحوالي 35 مليار دولار، تشمل توريد أسلحة وتعاون في مجالات التكنولوجيا والطاقة من روما إلى تل أبيب.
وقال المجلس الثوري المصري @ERC_egy تعليقا "وصف #شيخ_الأزهر موقف عمال الموانئ الإيطاليين الذين رفضوا تحميل السفن بالأسلحة لقتل المدنيين في غزة أنه "موقف إنساني عظيم يدل على عظمة وإنسانية الشعب الإيطالي ويعكس ضميرًا حيًّا وإنسانية صادقة". وبناءً على هذا فإن موقف عمال الموانئ المصريين الذين مونوا وحملوا السفينة البرتغالية "هولغر جي" في ميناء بورسعيد المصري وعلى متنها 440 طنًا من المتفجرات والمعدات العسكرية لصالح جيش الاحتلال هو موقف غير إنساني وضيع يدل على دناءة ووحشية الشعب المصري ويعكس ضميراً ميتاً وانعدام انسانية حقيقي. أليس كذلك؟!".
https://x.com/ERC_egy/status/2004132785028555101
وكان الأكاديمي محمد الشريف @MhdElsherif قد تساءل عن الفرق؟ "هات لى حضرتك فتوى أو رأى من دار الإفتاء أو هيئة كبار العلماء تحرم التبادل التجارى بين مصر و"إسرائيل" الذى يجرى بين مصر و"إسرائيل" منذ اتفاق السلام وحتى الآن.. هل عارض أو انتقد شيخ الأزهر صفقة الغاز بين إسرائيل ومصر؟".
وأعاد نشطاء تداول كلمات للداعية المصري الراحل، الشيخ أبو إسحاق الحويني، واسقطوها على أحمد الطيب، بعد تصريحاته الأخيرة عن الإمارات ورئيسها محمد بن زايد التي زكاه فيها وهو يقول : "لا شئ أخطر على الدين من رجال الدين أنفسهم".
وفي 2 ديسمبر بالتزامن مع العيد الوطني للإمارات، وجه شيخ الأزهر عبر حساب الأزهر على منصة "إكس"، تهنئة للشيخ محمد بن زايد والشعب الإماراتي بمناسبة اليوم الوطني الـ54، مشيدًا بروح الوحدة التي تأسست عليها دولة الإمارات "..وما حققته الإمارات من نهضة وإنجازات، ودورها في ترسيخ قيم الأخوة الإنسانية والتسامح..".!