قالت تقارير إن العلاقة بين جهاز مستقبل مصر المسئول الحكومي عن شراء الحبوب وعدد من الموردين العالميين للقمح والزيوت النباتية أصابها التوتر ما أدى إلى انخفاض حاد في واردات القمح المصرية، والتوتر يعني أن القمح يمكن أن تمنعه الدول المصدرة فيكون سببا في أزمة قد تؤدي لشرائه بأعلى سعر لاسيما إذا تصاعد التوتر وتجاهل جنرالات جهاز مستقبل مصر الغضب الروسي.
وقال الموردون العالميون إن التحول الجديد قلّص الشفافية وأثّر على مكانة مصر كسوق مرجعية للأسعار وأشاروا إلى أن الجهاز يبطئ تنفيذ الصفقات ويعيد التفاوض بعد هبوط الأسعار.
وقالت تقارير إن واردات مصر من القمح انخفضت بشكل حاد خلال النصف الأول من عام 2025 وقال موردون إن المخزون الإستراتيجي تراجع في أبريل إلى مستوى يكفي شهرًا واحدًا فقط مقارنة بالمستهدف الحكومي البالغ 6 أشهر.
واعتبر مراقبون أن انخفاض واردات القمح المصرية بشكل حاد يؤدي إلى ضغط على الأمن الغذائي، لكنه في الوقت نفسه يعكس زيادة في الإنتاج المحلي وتراجع فاتورة الاستيراد بالعملة الأجنبية. التأثير مزدوج: إيجابي على الاقتصاد الكلي، لكنه يحمل مخاطر على توازن السوق إذا لم تكفِ المحاصيل المحلية لتغطية الطلب.
دمج على "المحلي"
والإنتاج "المحلي" الذي تعلنه كل من وزارة التموين بحكومة السيسي وجهاز العقيد جوي ناصر الغنام مستقبل مصر هو كلمة مفرغة المضمون، حيث إن هناك تحولا جزئيا نحو الاعتماد على شركة الظاهرة الإماراتية لتوريد القمح لمصر، سواء عبر استثماراتها الزراعية داخل مصر (توشكى وشرق العوينات) أو من خلال اتفاقيات طويلة الأجل لتوريد القمح المستورد من الخارج.
وضمن تفاصيل هذا التعاون وقعت حكومة السيسي اتفاقًا مع شركة الظاهرة بقيمة 500 مليون دولار على مدى خمس سنوات، لتزويدها بقمح مستورد (من الأراضي المصرية) عالي الجودة بقيمة سنوية تبلغ نحو 100 مليون دولار.
وعليه بدأت الشركة في توريد القمح المنتج في مزارعها بمنطقة توشكى إلى مطاحن صعيد مصر، ضمن منظومة منظمة بالتنسيق مع الحكومة.
وتتوسع الشركة الإماراتية في التحكم بغذاء المصريين حيث تمتلك "الظاهرة" أكثر من 37,400 فدان في توشكى، واستصلحت منها 25 ألف فدان، وتزرع محاصيل استراتيجية مثل القمح والذرة وبنجر السكر، باستخدام تقنيات الزراعة الذكية والطاقة الشمسية، بحسب المعلن.
ويبدو أن الاتفاق مدعوم من مكتب أبوظبي للصادرات، ما يعكس شراكة استراتيجية بين مصر والإمارات في ملف الأمن الغذائي.
وكان الهدف من التعاقد مع الظاهرة في الأساس (سد ديون مالية ومعنوية من السيسي لمحمد بن زايد) ثم تقليل الاعتماد على روسيا كمورد رئيسي يخفف من التوتر القائم بين مصر والموردين الروس.
وأشارت تقارير إلى أن مصر لم تعد تعتمد فقط على روسيا وأوكرانيا، بل توسعت إلى شراكات مع الإمارات عبر الظاهرة، إضافة إلى محاولات استيراد من كازاخستان.
وعبثا يحاول إعلام محلي ترويج أن استثمارات الظاهرة في مصر تجعل جزءًا من القمح يُزرع ويُنتج داخل الأراضي المصرية، ما يقلل فاتورة الاستيراد ويزيد من الاعتماد على الإنتاج المحلي في حين دفعت مصر ثمن المستورد من أراضيها بالدولار (500 مليون دولار).
وتراجعت واردات مصر من القمح بنحو 17% خلال أول عشرة أشهر من 2025 على أساس سنوي، وبلغت الواردات 10.8 مليون طن قمح بحسب وثيقة من حكومة السيسي نشرتها بلومبرج.
وما زالت روسيا تحتل المرتبة الأولى في قائمة الدول المصدرة لمصر بحصة 56.2% وبواقع 6.1 مليون طن، ثم أوكرانيا بالمركز الثاني بنحو 30.6% وبكميات بلغت 3.3 مليون طن
وأعلنت حكومة السيسي، أنهم يستهدفون زراعة 3.5 مليون فدان قمح خلال العام الحالي (تنتج نحو 10 ملايين طن)، مقابل 3.1 مليون فدان في العام الماضي، بحسب تصريحات وزير الزراعة علاء فاروق لـ"الشرق"
تخوفات آنية
وعبر مراقبون عن تخوفهم من الضغط على المخزون الاستراتيجي حيث إن مصر تستهلك أكثر من 20 مليون طن قمح سنويًا، وأي فجوة بين الإنتاج المحلي (نحو 10 ملايين طن) والواردات قد يهدد استقرار الإمدادات.
وارتفعت الأسعار محليًا وانخفض المعروض المستورد ما يؤدي إلى زيادة أسعار الخبز والمنتجات الغذائية إذا لم يتم تعويضه بمحاصيل محلية كافية.
وحذروا من أن الاعتماد المفرط على الإنتاج المحلي وحده قد يكون محفوفًا بالمخاطر في حالة حدوث تقلبات مناخية أو ضعف الإنتاج الزراعي.
وحذر المراقبون من أن التوتر مع الموردين العالميين (دون أساس ثابت) يعني استمرار الخلافات مع كبار المصدرين (مثل روسيا) ما قد يحد من قدرة مصر على تنويع مصادرها ويزيد من هشاشة السوق.
مستقبل مصر
وفي ديسمبر 2024، تولى جهاز مستقبل مصر مهمة استيراد السلع الغذائية الأساسية بدلًا من الهيئة العامة للسلع التموينية التي أدارت هذا الملف لعقود وسط مخاوف من قلة الشفافية وضعف المنافسة بعد إلغاء المناقصات.
وتأسس الجهاز عام 2022 كذراع تنموية للقوات الجوية المصرية، وأصبح لاحقًا المسئول الوحيد عن شراء القمح والزيوت النباتية.
واتجه الجهاز إلى صفقات شراء مباشرة بدلًا من نظام المناقصات التقليدي الذي كانت تستخدمه الهيئة العامة للسلع التموينية وهو ما أثار حفيظة الموردين، خاصة الروس، الذين أكدوا أنهم لن يبيعوا للجهاز إلا إذا أوضح رسميًا أنه يعمل نيابة عن الحكومة المصرية.
بعض التجار الأوروبيين اعتبروا أن الهدف من الصفقات المباشرة هو التحايل على الحد الأدنى غير الرسمي لأسعار تصدير القمح الروسي، وهو ما زاد من تعقيد العلاقة.
انخفاض واردات القمح!
وتعلن حكومة السيسي خفض الواردات وهي تعاقدت عبر الجهاز على نحو 1.267 مليون طن من القمح حتى يونيو 2025، معظمها من روسيا، وأول شحنة وصلت في ديسمبر 2024 بوزن 28 ألف طن عبر ميناء الإسكندرية، لكن لم يُكشف عن هوية البائع أو السعر.
ثم أعلن الجهاز عن جولات تفاوضية في أوروبا لتوقيع صفقات جديدة، لكنه لم يوضح تفاصيل الكميات أو الأسعار، مما أثار شكوكًا في السوق.
وحذر المصدرون من أن التحول إلى جهاز واحد يحتكر الاستيراد يثير مخاوف من قلة الشفافية وضعف المنافسة مقارنة بنظام المناقصات السابق.
في النصف الأول من 2024، بلغت واردات القمح من روسيا وحدها نحو 5.8 مليون طن، أي أكثر من أربعة أضعاف الكمية التي تعاقد عليها الجهاز لاحقًا.