تنهب الآثار وتبيعها دون اعتبار لتاريخ مصر.. سرقة أسورة ذهبية من متحف التحرير تكشف فضائح عصابة العسكر

- ‎فيتقارير

 

 

كشفت واقعة سرقة قطعة أثرية من داخل المتحف المصري بالتحرير، عن فضائح عصابة العسكر التى تنهب الآثار وتبيعها دون اعتبار لتاريخ مصر وثرواتها كما تتاجر فى المخدرات دون اهتمام بشباب مصر ومستقبلهم

وفوق ذلك تمثل الواقعة فضيحة غير مسبوقة تهدد التراث المصري وسمعته العالمية.

القطعة الأثرية المسروقة هي أسورة ذهبية تعود للعصر المتأخر، وتحديدًا لمقتنيات الملك أمنموبي من عصر الانتقال الثالث، وهي فترة تاريخية امتدت بين عامي 1070 و664 قبل الميلاد.

وزعمت وزارة داخلية الانقلاب، أن مرتكبة الواقعة أخصائية ترميم بالمتحف، استغلت وجودها داخل المعمل وسرقت الأسورة بأسلوب المغافلة، ثم تواصلت مع تاجر فضيات باعها لمالك ورشة صاغة، ليتم صهرها وإعادة تشكيلها ضمن مشغولات أخرى لإخفاء معالمها التاريخية.

كيف يتم تسريب أو سرقة قطعة أثرية وأين التأمين والرقابة والمتابعة داخل المتحف والمعامل والمخازن الأثرية بشكل عام ؟.

 

جرس إنذار

 

خول هذه القضية قال الدكتور مجدي شاكر كبير الأثريين الأسبق، إن ما حدث في قضية سرقة القطعة الأثرية لم يكن حدثًا عابرًا، بل هو جرس إنذار يكشف عن خلل ممتد منذ سنوات في أنظمة التأمين والإدارة داخل المؤسسات الأثرية المصرية.

وكشف «شاكر»، في تصريحات صحفية أن المتحف يخلو من التأمين بكاميرات، مراقبة من الداخل لحماية المقتنيات الآثرية المهمة وبالتالى تكرار هذه الوقائع أمر متوقع لأننا ببساطة لم نضع الأساس السليم لحماية التراث.

وأشار إلى أن العالم كله يتعامل مع آثار المتاحف بمنظومة متطورة، بينما ما زلنا نستخدم الورق والرصاص والقرادة كما لو كنا في القرن الماضي، موضحًا أن العالم لا يخترع العجلة كل يوم، بل يتابع التطور ويأخذ بأحدث الوسائل، فإذا أردنا أن نضمن حماية تراثنا، علينا أن نرى ماذا يفعل الآخرون.

 

الداخلية والمخابرات

 

وأكد «شاكر»، أن المسؤولية في هذه القضية ليست على فرد واحد أو جهة بعينها، بل على كل الأجهزة المعنية سواء الداخلية والمخابرات والأمن القومي، لأن الحفاظ على التاريخ لا يقل أهمية عن حماية الحدود الجغرافية .

وقال إن التعامل مع الواقعة باعتبارها مجرد جريمة عادية وسرقة؛ ستؤدي إلى تكرارها بعد أسابيع أو شهور، بينما الحل يكمن في وضع قواعد واضحة، تقلل من حجم المشكلة، حتى لو لم تمنعها بشكل كامل .

وأشار «شاكر»، إلى أن الخلل الأمني كان واضحًا، حيث يوجد نوعان من الأمن: أمن داخلي يتبع الوزارة، وأمن خارجي يتبع داخلية الانقلاب، لكن في النهاية، الكاميرات يجب أن تكون موجودة في الداخل والخارج، والرقابة تكون حقيقية.

واستطرد قائلًا: الموظفون أنفسهم لا بد أن يعيشوا حياة كريمة لا تمنحهم فرصة للتفكير في طرق ملتوية، حتى رجال الأمن أنفسهم يعانون من ضعف التدريب وغياب الرؤية، لو أن رجل أمن طلب وضع كاميرا في موقع معين، فهل يُعقل أن يُرفض طلبه؟ من المفترض أن يكون هناك قواعد وأسس لا يملك أحد تجاوزها، لكن للأسف ما حدث هو أن كل الأطراف تعاملت مع الموقف بشكل سيئ، بداية من الوزير وحتى أصغر موظف .

وأشار «شاكر»، إلى أن الصورة الخارجية لمصر تأثرت بشدة، خاصة أن وسائل الإعلام الأجنبية تركز على هذه التناقضات، متابعًا: لو أن صحفيا أجنبيا طرح أول سؤال على الوزير قائلًا: كيف ستتحدث عن حماية التراث العالمي وأنت لم تحمِ تراث بلدك؟، وذلك في إشارة إلى أن مثل هذه الواقعة تؤثر سلبًا على موقف خالد العناني المرشح لمنصب المدير العام لمنظمة اليونسكو.

 

تأمين المتحف

 

وأكد أن القضية لم تُدار بشكل احترافي منذ البداية، فالبيانات كانت متضاربة، والفيلم الذي قُدم لتفسير الواقعة لم يقنع أحدًا، والبيان الصحفي نفسه لم يكن موفقًا، مضيفًا: لو أن الوزير الانقلابى خرج وقال: أنا آسف لمصر ولأجدادنا لأننا فقدنا قطعة مهمة، لكننا سنعمل على استعادتها أو ترميمها، لكان الموقف أخف بكثير .

وقال «شاكر»، إن الأزمة ليست فقط في السرقة، بل في كيفية إدارة الملف إعلاميًا وأمنيًا وإداريًا، متابعًا: كان يجب أن تكون الأولوية المطلقة منذ عام 2017 لتأمين المتحف، لكننا فوجئنا بأن المشروع دخل في مراحل تطوير طويلة بينما الأمن لم يكن في المقدمة، مشيرًا إلى أن التمويل ليس حجة مقبولة، لأن المجلس الأعلى للآثار يعتمد على التمويل الذاتي من موارده، وبالتالي من غير المنطقي أن نتحدث عن غياب الميزانية لتأمين المتحف، بينما هذه أول خطوة في أي مشروع .

وكشف أن الخلل وصل إلى تفاصيل مذهلة، مثل تسليم قطع أثرية دون توقيع، أو غياب دفتر تحركات رسمي، هذا أمر لا يمكن السكوت عنه، وحتى فكرة المغافلة التي ترددت في تصريحات البعض غير منطقية، فالموظفة التي ارتكبت الجريمة تعمل منذ سنوات طويلة، ولو كانت تنوي السرقة لكانت فعلتها من قبل، لكنها ببساطة وجدت الطريق ممهدًا، فالموضوع لم يكن صعبًا .

 

صورة مصر

 

وأوضح «شاكر»،أن القضية كشفت عن تباين في المرتبات داخل وزارة السياحة والآثار بحكومة الانقلاب، فزملاء في نفس السن ونفس المجال يتقاضون ضعف المرتبات لأنهم في قطاع السياحة، بينما الأثريون، رغم أنهم يحملون دكتوراه ويعملون في ملفات حساسة، يتقاضون رواتب زهيدة لا تكفي تتراوح بين 6 إلى 9 آلاف جنيه، فهذا التفاوت يولد إحباطًا، ويجعل الأثري الذي يتعامل مع قطع تساوي ملايين الدولارات عاجزًا عن توفير حياة كريمة لأسرته .

وأكد  أن الموظفة المتهمة بسرقة القطعة الأثرية من المتحف المصري حاصلة على درجة الدكتوراة في مجالها، وراتبها 6 آلاف جنيه، مضيفًا أنه رغم أن القصة ليست في الموظفة أو القطعة التي سرقت فحسب، بل في صورة مصر كلها؛ نحن خسرنا أمام العالم، وصار علينا أن نجيب عن السؤال: ماذا بعد؟.

 

الأخطاء الأمنية

 

وشدد «شاكر» على،أن الحل ليس في العقاب فقط، بل في تطوير القوانين، ونقل الموظفين بين المواقع لمنع نظام «العُهد» القديم الذي يعود للعصر العثماني، ووضع ضوابط صارمة للتأمين الداخلي والخارجي، فضلًا عن تحسين أوضاع العاملين وإيجاد رؤية إعلامية محترفة.

وقال: حتى لو فُقدت القطعة بشكل نهائي، يمكننا أن نستعيد الحكاية، يمكننا إعادة تشكيلها وعرضها مع قصة ما جرى، فيكون لدينا مادة تحكي للزائرين قصة صراع على التراث، القصة أحيانًا تجذب الناس أكثر من القطعة نفسها محذرا من أننا إذا لم نتدارك هذه الأخطاء الأمنية والإدارية، فسوف تتكرر الكارثة، وأتمنى أن تكون هذه الواقعة نقطة تحول حقيقية، لأن الحضارة التي نملكها لا تتكرر، وأي خسارة فيها لا تعوض .