صفقة الغاز الأكبر في تاريخ إسرائيل: السيسي يشتري غاز المتوسط بـ35 مليار دولار بعد أن تنازل عنه
في صفقة غير مسبوقة من حيث الحجم والدلالة الجيوسياسية، وقّعت إسرائيل اتفاقاً تاريخياً مع مصر لتوريد الغاز الطبيعي بقيمة 35 مليار دولار، وهي الأضخم في تاريخ الكيان المحتل، وتأتي لتعزز مكانته كمصدر رئيسي للطاقة في شرق المتوسط، بينما تتراجع مصر، التي بشّرت سابقاً بـ"الاكتفاء الذاتي"، إلى صفوف المستوردين الكبار للغاز.
وأكدت شركة "نيو ميد إنيرجي"، إحدى الشركات المالكة لحقل "ليفياثان"، أن الاتفاق ينص على تصدير نحو 130 مليار متر مكعب من الغاز إلى مصر حتى عام 2040، مقسّمة على مرحلتين، تبدأ الأولى في أوائل 2026 بتوريد 20 مليار متر مكعب، وتُستكمل الثانية بعد إنشاء خط أنابيب جديد عبر معبر نيتسانا (العوجة)، لنقل الكميات المتبقية.
يأتي هذا الاتفاق في ظل أزمة طاقة خانقة داخل مصر، تفاقمت مع تراجع إنتاج الحقول المحلية، على رأسها حقل "ظُهر" العملاق، الذي تراجع عطاؤه بشكل لافت، في وقت يقف فيه المصريون تحت وطأة انقطاعات الكهرباء المتكررة وارتفاع فواتير الطاقة.
وتكشف الصفقة كذلك عن تحوّل إستراتيجي في سياسة الطاقة المصرية، بعدما تخلّى النظام عن طموحاته في أن يكون "مركزاً إقليمياً للطاقة"، ليعود مجدداً مستوردًا رئيسيًا للغاز من تل أبيب، رغم الاكتشافات الضخمة التي كانت قد روّج لها قبل سنوات.
شراء الغاز بعد التفريط فيه
المفارقة الأبرز، أن الغاز الذي تستورده مصر الآن هو من ذات مياه شرق المتوسط، التي تنازل عنها النظام المصري خلال اتفاقات ترسيم حدود أثارت جدلاً واسعاً، سمحت لإسرائيل بتوسيع نفوذها في الحقول البحرية، وبعد أن فرّطت القاهرة في حقوقها بالمنطقة، ها هي تعود لشراء الغاز ذاته من الكيان الصهيوني بأرقام فلكية.
وكان السيسي قد أعلن في 2018 "تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز"، في خطاب احتفالي اعتُبر لحظة فارقة في سياسة الطاقة، لكن الواقع كشف لاحقاً عن عجز متصاعد في الإنتاج، وفجوة تتسع بين الإنتاج المحلي والطلب المتزايد، خصوصاً في فصل الصيف.
اقتصاد مثقل.. وصفقات مشبوهة
تشير تقديرات إلى أن فاتورة واردات مصر من الغاز الطبيعي المسال قد تصل إلى 20 مليار دولار في 2025، مقارنة بـ12.5 مليار فقط العام الماضي، ما يمثل زيادة بنسبة 60%، في وقت تعاني فيه البلاد من شح العملة الأجنبية وتزايد الضغوط المالية.
ورغم هذا الوضع الحرج، اختارت الحكومة المصرية توقيع صفقة ضخمة مع إسرائيل، تضعها في موقع تابع إستراتيجياً على صعيد الطاقة. حيث أشار الرئيس التنفيذي لشركة "نيو ميد"، يوسي أبو، إلى أن الاتفاق مع مصر "أفضل من أي بديل آخر"، مضيفاً أن الصفقة ستوفر "مليارات للاقتصاد المصري"، في خطاب بدا وكأنه تبرير نيابة عن القاهرة.
إسرائيل تتوسع.. ومصر تتراجع
تسعى إسرائيل من جانبها إلى تعظيم مكاسبها من ثروات الغاز، من خلال خطط توسعية تستهدف رفع إنتاج "ليفياثان" إلى 37 مليار متر مكعب سنوياً بحلول 2026، وتوقيع عقود إضافية لتصدير أكثر من 100 مليار متر مكعب. وتشير التقارير إلى أن 90% من إنتاج الحقل يُصدّر حالياً إلى مصر والأردن، بينما يخصص الباقي للسوق المحلي الإسرائيلي.
وفي سياق موازٍ، تسرّع تل أبيب خطواتها للاستحواذ على المزيد من موارد شرق المتوسط، بما في ذلك حقل "غزة مارين"، في إطار سياسة توسعية مدعومة أميركياً، فيما تقف القاهرة في موقع المستورد، وتكتفي بدور "المُسهّل" لنقل الغاز عبر أراضيها، بعد أن كانت تروّج لنفسها كـ"مركز إقليمي للطاقة".
خديعة الاكتفاء الذاتي تتكشف
بدأت مصر استيراد الغاز من إسرائيل عام 2020 بمعدل 800 مليون قدم مكعبة يومياً، لتسجل منذ ذلك الحين فجوة متنامية بين الإنتاج المحلي (4.2 مليارات قدم مكعبة) والطلب المحلي (6.2 مليارات)، وهي فجوة تصل في الصيف إلى 7 مليارات، ما يفسر حجم الانقطاعات والضغوط المتصاعدة.
وفي الوقت الذي يُسَوّق فيه الإعلام الرسمي لاتفاقيات الغاز كـ"نجاحات دبلوماسية"، تتكشف الأرقام عن تبعية إستراتيجية تزداد عمقاً، وعن علاقة حميمية آخذة في التوطد بين نظام السيسي وتل أبيب، قائمة على تبادل المصالح وتكريس الهيمنة الاقتصادية، في تجاهل تام للرأي العام المصري، وللأسئلة الكبرى حول من يملك الغاز في شرق المتوسط فعلاً؟