منظومة التأمين الصحي الشامل تحولت إلى وسيلة لابتزاز المواطنين وسرقة أموالهم دون تقديم خدمة حقيقية فى زمن الانقلاب رغم حصول نظام الانقلاب بقيادة عبدالفتاح السيسي في يونيو 2020 على منحة بقيمة 400 مليون دولار من البنك الدولي لمساندة التأمين الصحي الشامل لتعميم التغطية الصحية للمواطنين وتحسين النتائج الصحية.
هذه التطورات كشف عنها عدد من المواطنين فى المحافظات التى تم تطبيق المنظومة فيها حيث اكدوا أنهم اكتشفوا أن عليهم مديوينات تصل إلى 30 ألف جنيه ويتم منعهم من الحصول على أى أوراق حكومية مثل الرقم القومى والتقديم للمدارس للأطفال دون سداد هذه المبالغ وهو ما يعتبر جريمة انقلابية فى حق المواطنين .
كانت وزارة صحة الانقلاب قد أعلنت، أن تطبيق منظومة التأمين الصحى الشامل، تنفذ على ست مراحل، تضمنت المرحلة الأولى محافظات: بورسعيد والسويس وجنوب سيناء والإسماعيلية وأسوان والأقصر، بتكلفة 51.2 مليار جنيه، وتتضمن المرحلة الثانية محافظات: قنا ومطروح والبحر الأحمر وشمال سيناء، وتشمل المرحلة الثالثة الإسكندرية والبحيرة ودمياط وسوهاج وكفر الشيخ، أما المرحلة الرابعة فتضم أسيوط والوادي الجديد والفيوم والمنيا وبنى سويف، وتنضم محافظات: الدقهلية والمنوفية والشرقية والغربية في المرحلة الخامسة، أما المرحلة السادسة فتشمل القاهرة والجيزة والقليوبية.
مديونية كبيرة
حول هذه الأزمة قال أسامة خميس، شاب من محافظة الإسماعيلية : في يناير الماضي اكتشفت أن علي مديونية أربعة آلاف و400 جنيه، لا أعلم عنها شيئًا، نتيجة تراكم اشتراكات التأمين الصحي الشامل ، مشيرا إلى أنه يعمل طاهيًا في مطعم صغير للبيتزا، نظير يومية قدرها 150 جنيها فقط، لا تكاد تكفي لسداد الإيجار الشهري للسكن وإعالة زوجته وطفليه اللذين يدرسان بالمرحلة الابتدائية.
وأضاف خميس : منذ عام أصبحت أسرتى محرومة من خدمات الرعاية الصحية التي اعتادت الحصول عليها من الوحدة الصحية التابعة لها، لحين تسديد المديونية، في وقتٍ لا يصل فيه إجمالي دخلى الشهري إلى الحد الأدنى للأجور المقدر بستة آلاف جنيه، ولا نمتلك رفاهية العلاج في المستشفيات والعيادات الخاصة.
وأشار إلى أن متطلبات الحياة أصبحت ثقيلة وصعبة للغاية، واضطررت للعمل لساعات إضافية لزيادة يوميتي لنحو 200 جنيه، مؤكدا أن زوجته لا تعمل وطفلاه يدرسان بالصف الثاني والصف الرابع الابتدائي .
وأعرب خميس عن أسفه لحرمانهم من دخول الوحدة الصحية بسبب المديونية، مشيرا إلى أن هذه المديونية كانت أربعة آلاف و400 جنيه العام الماضي، ولا أعرف كم زادت الآن؟ .
البطاقة الصحية
قال محمد أحمد، انه يعاني من مشكلة تراكم مديونيات التأمين الصحي الشامل، رغم استقطاع اشتراكات التأمين الصحي والاجتماعي من راتبه الشهري، مشيرا إلى أنه يعمل في أحد مصانع القطاع الخاص بمدينة العاشر من رمضان منذ نحو 15 عامًا، لكنه لا يحصل على الخدمات الصحية التابعة للتأمين الصحي القديم لكونه ليس من أبناء المدينة، كما لا يستفيد هو وأسرته من التأمين الصحي الشامل في الإسماعيلية .
وأضاف : حين أردت إلحاق ابنتي بالمدرسة طلب مني الموظفون إحضار البطاقة الصحية، التي تستوجب اشتراك الابنة في منظومة التأمين الصحي الشامل، وطُلب مني إحضار “برنت تأمينات” من مقر العمل، ثم تم إبلاغي بوجود مديونيات متراكمة عليّ قدرها ثمانية آلاف جنيه لعدم تسديد الاشتراكات الشهرية.
وتابع أحمد: أخبرتهم أن اشتراكاتي التأمينية يتم خصمها من راتبي الشهري، لكنهم قالوا إن التأمين الصحي منظومة مختلفة عن التأمين الصحي الشامل، وله إدارة مالية منفصلة، لافتا إلى أنه تقدم بشكوى لمجلس وزراء الانقلاب، تحمل رقم (7869883)، لكنهم طالبونى بأن أسدد المديونية .
إجازة بدون مرتب
قال محمد إبراهيم، موظف في شركة الكهرباء بالإسماعيلية، انه قبل 15 عامًا حصل على إجازة بدون مرتب، للعمل بالخارج، ولم يتلق خدمات رعاية صحية من التأمين الصحي طيلة تلك السنوات، مشيرا إلى أنه صُدم حين أراد نقل ابنته من المرحلة الابتدائية إلى الإعدادية، بإلزامه بشراء شهادة صحية وأخبره الموظف بأنه يتوجب عليه سداد نحو 30 ألف جنيه مديونيات للتأمين الصحي الشامل بأثر رجعي منذ بداية تطبيق المنظومة في محافظة الإسماعيلية .
وأضاف إبراهيم : بعد مفاوضات سُمح له بدفع رسوم الشهادة الصحية والكشف الطبي فقط، المقدرة بـ 600 جنيه، لكن أخبره الموظفون أنه ملزم عند عودته إلى عمله في مصر، بدفع مديونيته للتأمين الصحي الشامل.
وأشار إلى أن زملاءه المستمرين في العمل بمصر يجبرون على دفع نحو ألف و 300 جنيه تخصم شهريًا من الراتب منذ بداية التأمين الصحي الشامل في أغسطس عام 2022، موضحا أنه بالنسبة له فهو لا يستفيد من منظومة التأمين الصحي الشامل لأن شركة الكهرباء توفر تأمينا صحيا وعلاجا في مستشفيات كبيرة .
وتساءل إبراهيم: لماذا يتم إجباري على سداد الاشتراكات؟، ألا يكفي أنني أسدد في كل سنة أكثر من ألف دولار للمعاشات والتأمينات، كرسوم تجديد الإجازة بدون مرتب؟”
العمالة غير المنتظمة
واتهم د. محمد حسن خليل – رئيس لجنة الدفاع عن الحق في الصحة- حكومة الانقلاب بأنها مسئولة عن أزمة مديونيات اشتراكات التأمين الصحي الشامل، بسبب عيوب القانون، موضحا أن القانون يفترض أن يكون شاملًا ويغطي جميع المواطنين، لكن هناك مشكلة في التأمين على غير المنتظمين في العمل.
وقال خليل فى تصريحات صحفية : ما حدث هو ارتفاع نسبة المؤمن عليهم الذين يغطيهم التأمين الصحي من 66% إلى 79%، بدلًا من أن يشمل كل المواطنين، مرجحًا كون الزيادة سببها إضافة الزوجات فقط، وأنه في حين كان أطفال المدارس مؤمنًا عليهم بالمجان في التأمين الصحي القديم، فإن أهاليهم أصبحوا يتحملون عبء سداد اشتراكات أطفالهم بدلًا عن دولة العسكر .
وأشار إلى أن اشتراك العامل كان 1% من مرتبه واشتراك صاحب العمل 3%، إضافة إلى 1-3% اشتراك إصابات العمل، تدفع ضمن التأمينات الاجتماعية لكل طرف. بينما اقتصر اشتراك صاحب العمل على 4% فقط (3% اشتراك و1% فقط إصابات عمل) وتضاعف اشتراك العامل حتى فاق اشتراك رب العمل: فهو يدفع 1% اشتراكا لنفسه، و3% لزوجته إذا كانت لا تعمل، و1% لكل طفل ممن يعولهم، ولا يقتصر ما يدفعه العامل على الاشتراك، ولكن يزيد عليه المساهمات أي نسبة من سعر كل خدمة يحصل عليها: 10% من سعر الأدوية، والتحاليل، والأشعات بحد أقصى 750 جنيها لكل منها، وبهذا تصبح مصر فى زمن الانقلاب الدولة الوحيدة عالميًا التي يبلغ اشتراك العامل فيها ضعف اشتراك رب العمل، رغم كونه الطرف الأضعف اقتصاديًا.
وانتقد خليل إجبار القانون للعمالة غير المنتظمة الأقل دخلًا واستقرارًا من الناحية المالية، بسداد اشتراكات كل ثلاثة أشهر، وهو ما أدى إلى عجزها عن السداد والعزوف عن الاشتراك في الخدمة، مؤكدًا أن تلك هي سمات التأمين الصحي التجاري وليس الاجتماعي، لكونه يجبر أهالي الأطفال على سداد اشتراكاتهم بدلًا من دولة العسكر التي يفترض أن تكون مسئولة عن جميع الأطفال حتى عمر 18 عامًا .
وحذر من أن ذلك سيدمر الأجيال المقبلة من الناحية الصحية متساءلًا حول الآلية التي ستجبر المواطنين على سداد الاشتراكات، وهل سيتم إجبار المواطن من خلال منعه من تجديد البطاقة الشخصية أو جواز السفر أو رخصة القيادة أو سداد الرسوم الدراسية لأطفاله في المدارس، ما لم يقم بسداد بسداد الاشتراكات؟.
وشدد خليل على أن مسئولية تلك الجريمة تقع على عاتق هيئة التأمين الصحي الشامل مؤكدا أنها لم تخطر المواطنين بقيمة الاشتراكات وتركتها تتراكم عليهم، كما أن القانون لم ينص على إلزام المصريين في الخارج بالاشتراك وبالتالي لا توجد آلية في القانون لتحديد قيمة اشتراكاتهم.
غير قانوني
قال المحامي الحقوقي مالك عدلي مدير المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، إن اللوائح والقوانين المتعلقة بالتأمين الصحي الشامل لا تجبر المواطنين على الاشتراك أو إلزامهم بسداد مديونيات بأثر رجعي دون أن يكونوا من المستفيدين من الخدمة الصحية، معتبرًا أن ذلك سوء تطبيق للمنظومة من قبل بعض محافظي الانقلاب.
وشدد عدلى فى تصريحات صحفية على عدم قانونية ابتزاز المواطنين أو إجبارهم على سداد المديونية نظير السماح لهم بإجراء المعاملات الحكومية والحصول على الأوراق الثبوتية.
واعتبر أن ذلك بمثابة جريمة، موضحًا أن الغرض من التأمين الصحي الشامل هو أن يغطي جميع المواطنين ويقدم الخدمات الصحية لغير القادرين، وأن حكومة الانقلاب تلقت منحا خارجية من البنك الدولي لتطبيق المنظومة على جميع المواطنين دون تمييز.