جاءت تصريحات الخبير الاقتصادي هاني توفيق، لرجال الأعمال والمستثمرين، للحذر من التوسع في الاستثمار بمصر، والإمساك بالسيولة المالية، أو توجيهها لشراء الذهب، أفضل من خسارتها، في السوق المصري المضطرب، لتضع الكثير من علامات الاستفهام والشكوك على واقع الاقتصادي المصري، والذي عبرت عنه أيضا الإدارة الإسرائيلية مؤخرا، بأن الاقتصاد المصري ينهار، عارضة على مصر إسقاط ديونها مقابل التورط في مستنقع غزة، وحماية الكيان الغاصب من المقاومة الفلسطينة.
وأضاف توفيق في نصيحته للمستثمرين: “أوصي بالذهب لارتباطه بالدولار، فهذا ليس وقت توسعات في المشروعات والاستثمارات حالياً، مؤكداً أن سعر الفائدة على الجنيه سيظل مرتفعاً خلال الفترة المقبلة متأثراً باستمرار معدلات التضخم المرتفعة، بعضها يأتي لأسباب دولية، مرتبطة بالهبوط الضعيف بمعدلات الفائدة على الدولار، وحالة الاضطراب الاقتصادي عالمياً، والأهم بالنسبة للمصريين، استمرار ضغوط العملة الصعبة على الجنيه، وتوقع هبوطه أمام العملات الرئيسية، مع صعوبة السيطرة على معدلات التضخم، وارتفاع الديون العامة الدولية والمحلية”.
تأتي دعوات توفيق مواكبة لدعوات كبار مستثمرين عالميين إلى حيازة النقد “الكاش” والإحجام عن الاستثمار، بسبب حالة الاضطراب الدولي، دعمَه إقبال البنوك المركزية على شراء الذهب بمعدلات قياسية، وتسييل بعض المؤسسات المالية الكبرى في “وول ستريت” أصولها، وحيازة الذهب بدلاً من اكتناز السيولة بالدولار، الذي تحول إلى سلاح في يد الرئيس الأميركي دونالد ترامب لمحاربة خصومه، وتهديد مجموعة بريكس التي تسعى إلى الإفلات من سطوة الدولار.
وقال توفيق في لقائه مع الخبراء بالمركز المصري للدراسات الاقتصادية، مؤخراً: إن “حالة عدم اليقين، خلال عام 2025، أصبحت أكثر غموضاً لما يحدثه ترامب من تحولات جيوسياسية على المستوى الدولي مستهدفاً مشروعات تهجير فلسطينيين من غزة تتعارض مع إرادة الشعوب بالمنطقة، ووقف التمويل للبرامج المدعومة من واشنطن”.
وعلى المستوى المحلي، تزيد الأمور الاقتصادية في مصر سوءاً مع استمرار معدلات التضخم المرتفعة، الذي يزيد من حجم الديون الحكومية، الذي يحاربه البنك المركزي بسياسات متعارضة، تتضمن طباعة النقود وسحب السيولة من الأسواق عبر الاقتراض المفرط يومياً، في محاولة لكبح التضخم وامتصاص السيولة التي يشارك في زيادة المعروض منها.
حذر الخبير الاقتصادي من خطورة تدهور مركز مصر في مؤشرات مدركات الفساد والحوكمة الاقتصادية و الإدارية بالدولة خلال عام 2024، التي تراقبها مؤسسات التمويل وهيئات الأمم المتحدة، ويحدد المستثمرون على أثرها مدى كفاءة الاقتصاد والأسواق، قبل اتخاذهم قراراً بدفع أموالهم إلى السوق المحلية، لافتاً إلى ارتباط ذلك باستمرار ضعف قدرة مصر على سداد الدين، الأمر الذي يحد من قدرتها على تبديل القروض قصيرة الأجل بقروض طويلة الأجل، والبحث الدائم عن مواجهة العجز في الموارد بالدولار، بالاعتماد على الأموال الساخنة، التي تغامر بالاستثمار في مصر مقابل الحصول على فائدة مرتفعة.
أوضح توفيق أن الفائدة المرتفعة بالبنوك تأتي بالأموال الساخنة، في حين تُوقِف قدرة المستثمرين في الاقتراض على تمويل المشروعات الصناعية والزراعية والخدمات، التي يمكن أن تساهم في تخفيض الواردات ورفع الصادرات، بما يقلل العجز في الميزان التجاري، الذي يدفع الدولة إلى المزيد من الاقتراض لمواجهته.
ودفعت معدلات التضخم المرتفعة لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي إلى الإبقاء على معدلات الفائدة المرتفعة السائدة من مارس 2024 عند مستوى 27.25% – 28.25% بين البنوك، مع ارتفاعها إلى مستويات 32% أمام المستثمرين في المجالات التجارية والصناعية، وصفها رجال الأعمال بأنها تمثل عقبة أمام قدرة الشركات على الخروج من الركود الذي يواكب تراجعاً في الطلب على السلع من قبل المستهلكين.
سياسات ترامب
في سياق متصل، قال أستاذ الاقتصاد وعضو اللجنة الاستشارية بمجلس الوزراء للاقتصاد الكلي مدحت نافع: إن “مصر في فوهة النار بسبب حروب ترامب مع العالم، وليس الصين والاتحاد الأوروبي فقط، مؤكداً أن خفض الفائدة أمر أصبح غير محتمل حدوثه خلال عام 2025، مع استمرار صدمات المعروض النقدي”.
ذكر الخبير الاقتصادي أن سياسات ترامب الاقتصادية المدعومة بـ”شعبوية” ونخبة الأوليغارشيا، على حساب نخبة رجال الدولة الذين يحاولون كبح صراعاته التجارية، تدفع لاضطرابات اقتصادية ستطاول الشريحة الواسعة من القوى العاملة في مصر والمنطقة العربية، وتضغط على صافي النقد الأجنبي خلال 2025.
توقع نافع استمرار الأزمات الهيكلية في الاقتصاد بسبب ضعف الإنتاج والإنتاجية، واضطرابات في الاقتصاد الكلي مدفوعة بزيادة الديون تصطدم بالحيز الضيق أمام الحكومة للحصول على قروض متوسطة وطويلة الأجل، وفقاً للقيود التي يفرضها صندوق النقد الدولي، والعجز بين الصادرات والواردات، مع استمرار ارتفاع الأسعار بالأسواق.
بيع الأصول
ويحذر رئيس هيئة الرقابة المالية السابق شريف سامي من ترويج الحكومة بيع الأصول العامة في البورصة، من دون القدرة على الوفاء بعمليات الطرح في مواعيدها.
وتأتي تلك التصريحات الكاشفة لخبراء الاقتصاد، لتكشف إلى أي مدى حجم الخداع الذي يروجه إعلاميو السيسي، حول التحسن في الأوضاع الاقتصادية، بالرغم من المرار الاقتصادي والأزمة المالية التي تعيشها مصر ، من ديون وتضخم وفوائد ديون وبيع أصول وفرض مزيد من الرسوم والضرائب على عموم المصريين، وسط انهيار معدلات التشغيل وزيادة أسعار كل المنتجات والسلع.