القدس بعد قرار ترامب وفيتو أمريكا.. قراءة في مآلات المستقبل

- ‎فيعربي ودولي

مجدي عزت
للمرة الـ43 تنحاز الولايات المتحدة الأمريكية لحليفتها الصهيونية ضد الحقوق العربية في مجلس الأمن، وعلى الرغم من أن هذا "الفيتو الأمريكي" كان متوقعًا بقدر كبير لدى الخبراء والسياسيين، فإنه مثّل صفعة جديدة للحكومات العربية التي تهرول سريعًا نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني والتقارب مع أمريكا، ووضعهم في موقف محرج أمام شعوبهم التي انتفضت ضد القرار الأمريكي بشأن القدس قبل نحو أسبوعين.

الفيتو الأمريكي جاء بمثابة مظلة أمريكية جديدة نصبتها الولايات المتحدة لحماية طفلها المدلل، حيث شهد مجلس الأمن الدولى، أمس الإثنين، على إثبات جديد لوفاء واشنطن بوعود الحماية والرعاية لكيان الاحتلال، وذلك بعد أن استخدمت حق النقض ضد مشروع قرار مصري، تمت مناقشته أمس الإثنين في مجلس الأمن الدولي بشأن القدس، ويقضي بإلغاء جميع القرارات التي تهدف إلى تغيير وضعية مدينة القدس المحتلة، وعلى الرغم من أن هذا القرار أيده 14 عضوا من مجموع 15 دولة أعضاء في المجلس، فإن الفيتو الأمريكي ألغى كافة هذه القرارات الدولية، وذلك في إطار جو من الاحتقان السياسي الدولي على خلفية الموقف الأمريكي.

بل اعتبرت واشنطن مشروع القرار المطروح يعيق السلام، زاعمة أن واشنطن ملتزمة بالتوصل إلى سلام دائم مبني على حل الدولتين، وعقب التصويت على القرار وتلويح أمريكا بالفيتو، أكدت المندوبة الأمريكية أن بلادها استخدمت الفيتو دفاعًا عن دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ودورها في عملية السلام، واعتبرت التصويت على قرار المجلس بشأن القدس "إهانة لن ننساها"، وأضافت المندوبة الأمريكية أن العملية مثال جديد على تسبب الأمم المتحدة بالضرر أكثر مما تتسبب بما هو مفيد في التعامل مع النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.

وبحسب مراقبين، أحدث الفيتو الأمريكي صفعة جديدة على وجه كافة الحكومات العربية التي تسعى حثيثا للتطبيع مع الكيان الصهيوني وبرعاية الولايات المتحدة، فبعد أيام من تلقي ما تسميه أمريكا "محور الاعتدال" صفعة من الرئيس دونالد ترامب، بإعلانه موقفًا أحاديا بشأن اعتبار القدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي ونقل السفارة الأمريكية إليها، بعث ترامب برسالة جديدة للزعماء والملوك والرؤساء العرب، مفادها أن أمريكا لا تبالي بالرفض الشعبي أو الحكومي الذي تبديه الدول العربية على قرارها، وأن واشنطن ستحافظ على المصالح الصهيونية حتى إن جاء ذلك على حساب تشويه صورة وتقليل مكانة أكثر الدول العربية قربًا من أمريكا، الأمر الذي يحرج الأنظمة العربية مع شعوبها، حيث سعت العديد من تلك الأنظمة إلى منع انتفاضة شعوبها ضد القرار الأمريكي، ليظهر الوجه الحقيقي لهذه الأنظمة والحكومات التي باتت دمية لينة في يد التحالف الصهيوأمريكي.

خيارات العرب

وبعد الفيتو الأمريكي، أعلن الفلسطينيون عزمهم اللجوء إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، كما أعلنت تركيا أنها ستبدأ عملية إحالة هذه الوثيقة إلى الجمعية العامة فورًا، حيث لا حق بالفيتو لأي دولة، ويمكن تبني مشروع الوثيقة من قبل الجمعية العامة في حال تصويت ثلثي أعضائها لصالح المشروع، وعلى الرغم من أن قرارات الجمعية غير ملزمة بالنسبة للدول الأعضاء، فإنها ستكون بمثابة إثبات على الإجماع الدولي على رفض القرار الذي اتخذه ترامب من جانب واحد، وهو ما تم بالفعل، بصدور قرار يؤكد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.

القدس ليست للبيع

وكان قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إليها، صفعة على وجه عملية السلام الهشة بالفعل فى الشرق الأوسط، وعلى وجه الدبلوماسية الدولية. وكما كان متوقعا، أدى ذلك القرار إلى إدانة ورفض عالميين. وما تزال أمام الولايات المتحدة فرصة لإلغاء قرارها وقبول القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين.

وعلى الرغم من إصرار إدارة ترامب على أن هذه الخطوة ستسهل الحوار بين إسرائيل وفلسطين، فإنه ما يزال من غير الواضح كيف يمكن النظر إلى عدم احترام مركز القدس التاريخي والديني والقانوني الفريد من نوعه على أنه خطوة في الاتجاه الصحيح، بل على النقيض من ذلك، فقد قوضت ما تبقى من أمل في السلام. ومنذ عدة أشهر أشار المسئولون الأمريكيون إلى خطة جديدة جارية لاستئناف محادثات السلام، ولم يظهر شيء حتى الآن.

ولكن إذا كان قرار القدس هو الجزء الأول من مبادرة السلام الجديدة، فمن الممكن الإعلان أن المبادرة ماتت بالفعل، وعلى الأمريكيين أن يدركوا أن القدس ليست عقارا للبيع.

وتمثل خطوة إدارة ترامب عن القدس مزيجًا سامًا من الشعبوية والأحادية، ذلك أن ترامب باعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، لم ينقلب على 70 عاما من السياسة الخارجية الأمريكية فحسب، لكنه انتهك أيضا سلسلة من قرارات مجلس الأمن الدولي التي يعود تاريخها إلى عام 1967، ويتضامن العالم بأسره حتى البابا والكنائس الأخرى مع الشعب الفلسطيني في القدس ومع حل الدولتين.

ومن بين النتائج الجيدة لقرار ترامب الخاطئ، أن القرار الأمريكي أعاد القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمام العالمي من جديد، بعد أن دخلت في غياهب النسيان منذ بداية حركات الربيع العربي.

وعلى مدى السنوات الكثيرة الماضية، قام الفلسطينيون بأكثر من نصيبهم العادل لإرساء الأساس لعملية السلام، ففي وقت سابق من هذا العام، كشفت حماس عن وثيقة سياسية جديدة قبلت فيها إنشاء دولة فلسطينية على طول حدود عام 1967، وميزت تمييزا مهما بين الديانة اليهودية والمشروع الصهيوني.

وفي أكتوبر، وقعت حركتا حماس وفتح اتفاقا للمصالحة للمشاركة في المفاوضات، لكنهما لا يجدان نظيرا حقيقيا وجادا على الجانب الإسرائيلي لدفع عملية السلام.

وردا على هذه التطورات، دعا الرئيس رجب طيب أردوغان إلى عقد قمة استثنائية لمنظمة التعاون الإسلامي في 13 ديسمبر، وقد جمعت القمة التي عقدت في إسطنبول أكثر من 30 رئيس دولة وحكومة، واعترفت جميع الدول الأعضاء البالغ عددها 57 دولة إلى جانب الدول التي تحمل صفة مراقب بالإجماع بالقدس عاصمة للدولة الفلسطينية تحت الاحتلال الإسرائيلي. وقد منح هذا القرار التاريخي زخما جديدا للقضية الفلسطينية وسيكون له أصداء بعيدة المدى.